الأونكتاد تحذر: بيئة استثمارية صعبة،الصناعة والبنية التحتية الأكثر تضرراً
الأونكتاد تحذر: بيئة استثمارية صعبة،الصناعة والبنية التحتية الأكثر تضرراً
- سوليكا علاء الدين
أفاد مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية "الأونكتاد" في تحديثه الأخير حول أبرز الاتجاهات الاستثمارية العالمية لشهر تشرين الأول/أكتوبر 2024 إلى أن البيئة الاستثمارية العالمية ستظل صعبة في النصف الثاني من العام، نتيجة للتوترات الجيوسياسية والصراعات الإقليمية، فضلاً عن تحديات التفتت الاقتصادي واعادة تشكيل سلاسل الامداد والتي ستظل تلقي بظلالها على قرارات المستثمرين.
وعلى الرغم من هذه التحديات، من المتوقع أن يسهم تخفيف الضغوط المالية الناتج عن البدء بخفض اسعار الفائدة في العالم وزيادة أرباح الشركات متعددة الجنسيات في تعزيز تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر (FDI) وتحقيق نمو إيجابي مستدام طوال العام.
وفقاً للبيانات الأولية حول اتجاهات الاستثمار العالمي، شهدت الاستثمارات الأجنبية المباشرة انتعاشاً طفيفاً بنسبة 1 في المئة خلال النصف الأول من العام 2024، مع استثناء التدفقات عبر اقتصادات القنوات الأوروبية الوسيطة. ومع ذلك، لوحظ انخفاض كبير في عدد المشاريع الجديدة خلال الفترة نفسها، ويُعزى هذا التراجع إلى زيادة تكاليف التمويل واستمرار الضغوط التضخمية في بعض الأسواق، ما ساهم في ضعف تمويل المشاريع الدولية وانخفاض أنشطة الاندماج والاستحواذ عبر الحدود. استمر تمويل المشاريع الدولية، الذي يتركز بشكل رئيسي في قطاعات البنية التحتية، في التراجع، حيث شهد كل من عدد الصفقات وقيمتها انخفاضاً بنسبة 30 في المئة (كما هو موضح في الرسم البياني 1)، كما تقلصت عمليات الاندماج والاستحواذ عبر الحدود بنسبة 5 في المئة، في حين سجل عدد المعاملات ارتفاعاً بسيطاُ بنسبة 1 في المئة، كذلك انخفضت الاستثمارات في المشاريع الجديدة، خصوصاً في القطاع الصناعي، بنسبة 11 في المئة في عدد المشاريع و4 في المئة في قيمتها، بسبب تقلبات الأوضاع الاقتصادية والجيوسياسية، ما دفع الشركات إلى اعتماد استراتيجيات استثمارية أكثر حذراً.
أرقام مشاريع الاستثمار العالمية
الاقتصادات المتقدمة.. تتأرجح
أظهرت البيانات تفاوتاً في تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر بين الدول المتقدمة والدول النامية. وباستثناء اقتصادات القنوات الوسيطة، شهدت أوروبا تراجعاً بنسبة 4 في المئة في التدفقات، مع زيادات ملحوظة في ألمانيا وفرنسا (8 و16 في المئة على التوالي)، بينما انخفضت التدفقات إلى إيطاليا وبولندا والسويد. في أميركا الشمالية، ارتفعت التدفقات بنسبة 9 في المئة بفضل زيادة في الولايات المتحدة (7 في المئة). فيما يخص عمليات الاندماج والاستحواذ عبر الحدود، سجلت معظم المناطق المتقدمة انخفاضاً، باستثناء الولايات المتحدة التي شهدت تضاعفاً في قيمة الصفقات بفضل صفقات ضخمة في قطاعات التمويل والمرافق.
وانخفض عدد إعلانات المشاريع الجديدة في هذه الاقتصادات بنسبة 11 في المئة. ففي النصف الأول من السنة، سجلت أوروبا انخفاضاً قدره 800 مشروع مقارنة بالفترة نفسها من العام 2023، حيث كانت أكبر الانخفاضات في ألمانيا والمملكة المتحدة وبولندا وفرنسا. في المقابل، ارتفعت المشاريع الجديدة في الولايات المتحدة وكندا واليابان، مما ساهم في رفع القيمة الإجمالية للمشاريع الجديدة بنسبة 20 في المئة، بينما شهدت دول الاتحاد الأوروبي انخفاضاً بنسبة 25 في المئة في القيمة الإجمالية للمشاريع الجديدة.
أما بالنسبة للمشاريع الجديدة، فقد تأثرت بشكل رئيسي بتراجع قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، الذي سجل انخفاضاً ملموساً بعد تراجعه في العام 2023. في المقابل، شهد قطاع الطاقة والغاز زيادة بنسبة 5 في المئة، كما أثرت المشاريع الضخمة في صناعة أشباه الموصلات بشكل كبير على إجمالي قيمة المشاريع، حيث بلغت قيمة ثلاثة من أكبر مشاريع أشباه الموصلات في الولايات المتحدة 60 مليار دولار. فيما يخص تمويل المشاريع الدولية في الاقتصادات المتقدمة، انخفضت الصفقات بنسبة 37 في المئة، مما يعكس استمرار التراجع الذي بدأ في 2023، مع تراجع عام في الصناعات كافة، حيث يُعزى نحو 60 في المئة من هذا الانخفاض إلى قطاعات الطاقة المتجددة والعقارات الصناعية.
زيادة 25% بالاستثمار عبر القنوات الأوروبية
تلعب الدول الوسيطة، التي تعرف أيضاً بمراكز التمويل الخارجية (OFCs)، دوراً حيوياً في استراتيجيات التخطيط الضريبي للشركات متعددة الجنسيات، حيث تُمكّن هذه الدول من تسهيل انتقال رأس المال بين البلدان المصدرة وبلدان الوجهة النهائية، وغالباً ما تكون هذه الوجهات هي الملاذات الضريبية، وتعتمد الشركات متعددة الجنسيات على هذه الدول لتحقيق مجموعة من الأهداف المالية، مثل تقليص العبء الضريبي، وتقليل ضرائب الاقتطاع على المدفوعات العابرة للحدود، وتحويل الأرباح من البلدان ذات المعدلات الضريبية المرتفعة إلى البلدان ذات الضرائب المنخفضة، مما يعزز من مرونة حركة رأس المال عبر الحدود.
وتسهم الدول الوسيطة في استقرار البيئة التنظيمية وتوفير إطار قانوني موثوق يعزز من جذب الاستثمار الأجنبي. اقتصادياً، تستفيد هذه الدول من الإيرادات الضريبية الناتجة عن المعاملات العابرة للحدود، وتخلق فرص عمل في القطاعات المالية والقانونية المتخصصة، كما تساهم بشكل كبير في تعزيز الناتج المحلي الإجمالي من خلال تدفقات رأس المال الأجنبي التي تدعم تطوير القطاعات المالية والخدمات القانونية. وتعدّ كل من هولندا، المملكة المتحدة، سويسرا، سنغافورة، وأيرلندا من أبرز الدول الوسيطة التي تشكل وجهات رئيسية للاستثمار الأجنبي المباشر، حيث تستحوذ هذه الدول على نحو 47 في المئة من الاستثمارات القادمة من الملاذات الضريبية.
وفقاً للتحديث الأخير الصادر عن "الأونكتاد"، فإن إضافة التدفقات عبر اقتصادات القنوات الأوروبية الوسيطة من شأنه أن يُساهم بشكل كبير في تسجيل زيادة ملحوظة بنسبة 25 في المئة في الاستثمار الأجنبي المباشر خلال النصف الأول من العم 2024، كما أشار إلى أن تدفقات الاستثمار إلى الاقتصادات المتقدمة تظل عرضة للتقلبات المالية التي تقوم بها الشركات متعددة الجنسيات في اقتصادات القنوات الوسيطة.
5%.. نمو الاستثمارات النامية
على الجانب الآخر، نمت التدفقات الاستثمارية إلى الاقتصادات النامية بنسبة 5 في المئة في النصف الأول من العام 2024، وذلك بفضل مشروع تمويل ضخم في رأس الحكمة بمصر بقيمة 35 مليار دولار. ومع استبعاد هذا المشروع، لكانت التدفقات قد تراجعت بنسبة 2 في المئة، مما يعكس استمرار الاتجاه التنازلي الذي بدأ في العام الماضي. في ما يتعلق بعدد إعلانات المشاريع الجديدة، شهد النصف الأول من العام 2024 انخفاضاً بنسبة 11 في المئة، كما يظهر في الرسم البياني الرقم "2"، مع تراجع أكبر في القيمة بنسبة 24 في المئة، كما تأثرت مشاريع التصنيع، ولا سيما في قطاعات السيارات والطاقة والغاز، بانخفاض كبير في كل من القيمة والعدد.
وانخفضت صفقات تمويل المشاريع الدولية بنسبة 25 في المئة مع تأثير ملحوظ على الأسواق الناشئة الكبرى مثل الهند والبرازيل والصين وجنوب أفريقيا، التي شهدت جميعها انخفاضاً في أعداد مشاريع التمويل الدولية، إذ شمل هذا التراجع معظم الصناعات. في السياق ذاته، تراجعت أعداد وقيم صفقات مشاريع الطاقة المتجددة بنسبة 17 و19 في المئة على التوالي، كما شهدت صفقات تمويل مشاريع العقارات الصناعية انخفاضاً حاداً بنسبة 30 في المئة. أما في مجال عمليات الاندماج والاستحواذ عبر الحدود، فقد تراجعت قيمتها بنسبة 53 في المئة، لتصل إلى أدنى مستوياتها منذ العام 2009، مسجلة 18 مليار دولار.
اتجاهات الاستثمار،2024: النصف الأول من الام 2024 مقارنة بعام 2023
الصناعة.. اتجاهات متباينة
وفقاً لتحديث "الأونكتاد"، انخفضت مشاريع التأسيس الجديدة في القيمة والإجمالي بنسبة 4 و11 في المئة على التوالي، نتيجة انخفاض قيم المشاريع في القطاعات الأولية والصناعات المرتبطة بها، بسبب تراجع أسعار الطاقة في 2024. ومع ذلك، شهدت أميركا اللاتينية والكاريبي زيادة في مشاريع إمدادات الطاقة والغاز. وفي المقابل، سجل قطاع الصناعة التحويلية زيادة بنسبة 4 في المئة في قيمة مشاريع التأسيس الجديدة، بدعم من ارتفاع الاستثمارات في الدول المتقدمة التي نمت بنسبة 41 في المئة، في حين انخفضت الاستثمارات في الاقتصادات النامية بنسبة 27 في المئة، كما تراجع عدد مشاريع التأسيس الجديدة في هذا القطاع بنسبة 7 في المئة في كل من الاقتصادات المتقدمة والنامية.
كذلك، تراجع قطاع الخدمات في القيمة والإجمالي لمشاريع التأسيس الجديدة بنسبة 8 و14 على التوالي، مع انخفاضات ملحوظة في مجالات إمدادات الطاقة والغاز، النقل والتخزين، البناء، العقارات والمالية والتأمين. استثنى من هذا التراجع قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، الذي انتعش في 2024، حيث ارتفعت قيم المشاريع فيه بنسبة 66 في المئة، محققة أعلى مستوى تم تسجيله.
في المقابل، شهدت القطاعات المرتبطة بسلسلة القيمة العالمية، مثل صناعة السيارات والإلكترونيات، نمواً ملحوظاً بفضل الاستثمارات المتزايدة في صناعة أشباه الموصلات استجابة للسياسات الصناعية والمخاوف من ضيق سلاسل التوريد، كما ارتفعت مشاريع السيارات بنسبة 21 في المئة، خصوصاً في الاقتصادات المتقدمة، رغم تراجع الاستثمارات في هذا القطاع في الاقتصادات النامية بنسبة 40 في المئة.
تراجع الاستثمارات الجديدة
في النصف الأول من العام 2024، تراجعت مشاريع البنية التحتية الجديدة ومشاريع التمويل الدولية بنسبة 15 و20 في المئة على التوالي، جرّاء انخفاض الاستثمارات في الطاقة المتجددة، واستمر تراجع التمويل الدولية للمشاريع، حيث انخفض عدد المشاريع والقيمة بنسبة 32 و29 في المئة. رغم ذلك، تُظهر صفقات التمويل الدولية للمشاريع نمواً مستمراً على مدار العقد الماضي، لكنها تبقى دون ضعف المتوسط المسجل لهذه الفترة، حيث تم الإعلان عن 800 مشروع في النصف الأول من 2024، كما تباطأ تمويل مشاريع الطاقة المتجددة ليسجل انخفاضاً يتجاوز 25 في المئة، حيث كان أكثر وضوحاً في البلدان المتقدمة (-29 في المئة) مقارنة بالبلدان النامية ( -17 في المئة).
شركات
الأكثر قراءة
-
الملتقى الاقتصادي التركي - العربي الخامس عشر: لمزيد من التعاون المشترك بين تركيا والبلدان العربية
-
المركزي الصيني: 98.5 مليار دولار تسهيلات إقراض متوسط الاجل
-
الخزانة الأميركية تعتزم بيع سندات طويلة الأجل بـ 183 مليار دولار الأسبوع المقبل
-
"جلف كابيتال" قوة استثمارية مؤثرة في الخليج وآسيا
-
قطر: شراكة بين وزارة الاتصالات و"ستارتب جرايندر" لتعزيز الابتكار وريادة الأعمال