واشنطن تمد الأسواق العالمية بالدولار

خلال الأيام القليلة الماضية، قام الفيدرالي الأميركي بتفعيل عقود مبادلة العملات (Currency Swap Agreement) مع 14 دولة وجهة رسمية لتأمين احتياجاتها من الدولار والذي يبدو أن توافره في الأنظمة المالية العالمية بدأ يتقلص. وتتناغم هذه الخطوة مع خطة الفيدرالي لتعزيز السيولة محلياً، وهي تهدف إلى حماية الاقتصاد الأميركي والعالمي من تبعيات تفشي وباء كورونا. فما هي عقود مبادلة العملات؟ وما هي أهميتها؟ وكم تبلغ قيمتها وما هي الدول المشاركة في هذا الترتيب؟

عقود مبادلة العملات

يقوم النظام الاقتصادي العالمي على مبدأ التبادل التجاري والاستثماري العابر للحدود من خلال شراء وبيع السلع أو الاستثمار في بلد آخر، وهو ما يحتّم تعامل بلد معين بعملات أجنبية، ونظراً إلى أن الولايات المتحدة الأميركية هي شريك تجاري أساسي مع معظم البلدان، ولأن جميع السلع الأساسية من نفط ومعادن وغذاء مقوّمة بالدولار الأميركي، فإن اقتناء الدولار ضرورة لاستمرار الحركة التجارية لمعظم البلدان والتدفقات الرأسمالية بينها.

وفي الظروف الطبيعية، تقوم الشركات في بلدٍ ما بطلب الدولار والعملات الأجنبية من المصارف التجارية والتي تسعى الى تأمين احتياجاتها من خلال المصرف المركزي لهذا البلد، كما يمكن اللجوء إلى الأسواق الخاصة مثل أسواق تبادل العملات (FX Swap Markets) أو إصدار سندات بعملات أجنبية (Eurobonds) أو غيرها.

أما في حال الأزمات، كما يحصل اليوم، تتراجع الرغبة والقدرة عند الأسواق المالية على تأمين العملات الصعبة ما يدفع المصارف المركزية التي تحتاج أسواقها إلى الدولار إلى تفعيل اتفاقات تبادل عملات مع المصرف الفيدرالي الأميركي، فيحصل المصرف المركزي في بلد محدد على الدولار الأميركي مقابل إنشاء تسهيلات بعملة البلد المحلية لمصلحة الفيدرالي بعد أن يُتفق على سعر الصرف والفترة الزمنية والفائدة المتوجب دفعها لمصلحة الفيدرالي.

أهمية محلية وعالمية

على مستوى كل بلد، يساعد ابرام عقود مبادلة العملات على الحفاظ على النظام المالي وتأمين السيولة بالعملة الأجنبية والتخفيف من تكلفة اقتراضها، وبالتالي الحدّ من تذبذب سعر صرف العملة المحلية مقابل الدولار الأميركي ولا سيما في وقت الأزمات، وبالفعل شهدت دول عدة تحسناً نسبياً في قيمة صرف عملتها مقابل الدولار بعد إبرام هذه العقود أخيراً، إلا أن هذا لا يعني أن العملة المحلية لن تشهد المزيد من التقلبات في سعر الصرف خلال الفترة المقبلة والتي قد ترتبط بعوامل أخرى.

كذلك، من شأن هذه العقود تلبية حاجة المصانع المحلية من العملات الصعبة، وهو ما يؤمّن لها القدرة على استيراد المواد الأولية ومواصلة الانتاج، وقد شهد التاريخ على مشاكل مشابهة عدة اعترضت قطاع الصناعة في كتير من الدول.

كما وللفيدرالي مصلحة بتأمين الدولار لهذه الدول كونه يريد الحفاظ على مرونة الدولار الأميركي والإبقاء عليها كعملة احتياطي دولية أي "عملة العالم".

أما على الصعيد العالمي، فإن هذه الخطوة تهدف إلى حماية الاقتصاد العالمي من الأزمات المالية والاقتصادية ولا سيما أن تفشي وباء كورونا يعتبر عاملاً مشتركاً بين جميع الدول، وتبلغ القيمة الاجمالية للناتج المحلي للدول المشاركة في عقود المبادلة نحو 37 تريليون دولار أميركي وهي تشكل 43 في المئة من حجم الناتج المحلي العالمي، وترتفع هذه النسبة إلى 66 في المئة في حال احتساب الولايات المتحدة، وفي حال دخلت هذه الدول في مرحلة انكماش اقتصادي طويل فإن تأثيره سيهدد الاقتصاد العالمي أجمع، بما فيه الاقتصاد الأميركي، والذي يترافق مع مشكلات اجتماعية مثل ارتفاع معدلات البطالة وانخفاض القدرة الشرائية وافلاس بعض الشركات والمؤسسات المالية.

الدول المشاركة وقيمة العقود

تنقسم عقود الفيدرالي الأميركي مع الدول الأخرى إلى شقين، الأول، تفعيل عقود قائمة مع المصارف المركزية في خمس دول وجهات هي اليابان والاتحاد الأوروبي وسويسرا وانكلترا وكندا وذلك لزيادة وتيرة عمليات مبادلة العملات لتصبح يومية بدلاً من أسبوعية، وتعتبر هذه العقود مستمرة وليس لها فترة زمنية محددة إلا أن قيمتها شهدت ارتفاعات كبيرة خلال الأسبوع الماضي لتبلغ قيمتها 200 مليار دولار أميركي مقارنة بنحو 45 مليار دولار في الأسبوع الذي سبقه، وتعتبر هذه أعلى قيمة أسبوعية منذ الأزمة المالية في العام 2008.

أما القسم الثاني فهو عبارة عن عقود جديدة مع تسع دول تمتد لفترة ستة أشهر وبقيمة إجمالية تقارب 450 مليار دولار، وتتراوح قيمة كل عقد ما بين 30 مليار دولار (كما هي الحال مع نيوزيلاندا والدانمارك والنروج) و60 مليار دولار مع كل من المكسيك والبرازيل والسويد وسنغافورة وكوريا الجنوبية واستراليا.