المنصات الطبية الرقمية: الطبيب البديل في زمن الكورونا
المنصات الطبية الرقمية: الطبيب البديل في زمن الكورونا
- رانيا غانم
شهدت البلدان الخليجية والعربية في العامين الأخيرين تنامياً في عدد الشركات الناشئة التي تقدم الخدمات الصحية والطبية عبر المنصات والتطبيقات الإلكترونية، لكن لم يكن يخطر على بال مؤسسيها حين إنشائها أن وباءً عالمياً سيأتي على "طبق من فضة" ليرفع من مكانتها ويسلط الضوء على أهميتها. فبعد تفشي فيروس كورونا وظهور صعوبة وصول المرضى إلى المستشفيات والعيادات الطبية تفتحت عيون الأفراد على المنصات الإلكترونية الطبية وارتفع الطلب بوتيرة غير مسبوقة، ويبدو أن توجه الأفراد نحو هذه الخدمات مرشح للارتفاع في المرحلة المقبلة.
يروى المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة "أوكادوك"، المنصة المتخصصة في حجز المواعيد الفورية للأطباء، فضيل بن تركية لـ "أولاً-الاقتصاد والأعمال" أن فكرة إنشاء الشركة المتمركزة في الإمارات منذ عامين، جاءت عندما كان يريد أن يحصل على موعد لدى أحد الأطباء، وقد تطلبت منه هذه العملية وقتاً طويلاً وجهداً لإتمامها على الهاتف. ويضيف: "لقد كانت تجربتي للحصول على موعد سيئة للغاية". بن تركية الذي يملك خبرة عريقة في مجال التجارة الإلكترونية، وشغل منصب المدير العام لسوق دوت كوم والرئيس التنفيذي لمجموعة نون دوت كوم، يعتبر أن التكنولوجيا ينبغي أن تكون في خدمة الإنسان وأن تسهل حياته في المجالات كافة، خصوصاً للمرضى الذين هم في أمس الحاجة إلى المساعدة وإلى التطبيقات التي تسهل حياتهم، وقرر حينها إنشاء منصة إلكترونية وتطبيق يصل المريض بالطبيب بحيث يتمكن من حجز موعده شخصياً وعبر الإنترنت بفترة لا تتعدى الدقيقة. وتقدم "أوكادوك" نظاماً متكاملاً لحجز المواعيد عبر الإنترنت، بحيث تم دمج المنصة مع معظم أنظمة معلومات المستشفيات الدولية والمحلية، والتي تغطي أكثر من 60 في المئة من الأطباء في الإمارات، ويتابع بن تركية:"ينبغي أن يكون الولوج إلى الخدمات الصحية وحجز الموعد لدى الطبيب سهلاً، تماماً كشراء الحاجيات وحجز تذاكر الطيران عبر المنصات الإلكترونية".
التطبيب عن بعد حاجة في زمن الكورونا
"أوكادوك" واحدة من عشرات الشركات الناشئة التي تأسست في العامين الماضيين في البلدان العربية وتمكنت من النمو سريعاً، على غرار "نالا" وMeddy وYodawy وDoctoorum و"الطبي" وغيرها، وحققت "نالا" الشركة المتخصصة بالخدمات الطبية الذكية المتمركزة في السعودية نمواً كبيراً في عامين. ويشخص تطبيق "نالا" نحو 250 عارضاً مرضياً أوتوماتيكياً، إلى جانب أعراض أخرى تشخص من قبل أطباء أخصائيين، وفق مؤسسها عثمان أبا حسين، ويشير إلى أن الشركة حصلت على تمويل بقيمة مليون دولار في تشرين الثاني/نوفمبر الفائت بهدف توسيع قاعدة مستخدميها وتعزيز موقعها كمزود للخدمات الصحية الرقمية. بدورها، حصلت "أوكادوك" على سلسلة تمويل من الفئة "أ" خلال شباط/فبراير الماضي تبلغ قيمتها 10 ملايين دولار، بعد جولة التمويل الأولي في 2018 والتي بلغت قيمتها 2.3 مليون دولار 2018. ومن خلال هذا الاستثمار، ستطلق "أوكادوك" خدمات التطبيب عن بعد، مما يتيح للأطباء تقديم استشارات عن بعد لمرضاهم، وهذا طبعاً وفقاً للحالة المرضية، إذ قد يطلب الطبيب من مرضاه الحضور شخصياً أحياناً إلى العيادة. ويلفت بن تركية إلى أن هذه الخدمة ستخدم السكان المحرومين والذي لديهم إمكانية محدودة للوصول الى خدمات الرعاية الصحية. وتشير إحصاءات عالمية إلى أن 50 في المئة من الاستشارات الطبية يمكن أن تتم عن بعد بما فيها تلك التي تتعلق بالأمراض النفسية والعقلية والبدنية وغيرها. يقول بن تركية: "كنا ننوي إطلاق خدمة التطبيب عن بعد نهاية العام الجاري، لكن أزمة كورونا المستجدة دفعتنا إلى تسريع عملية إطلاق الخدمة، بحيث ستكون جاهزة في بداية أيار/مايو المقبل".
كورونا... طوق النجاة
منذ بداية أزمة كورونا في أول شباط/فبراير، بدأت المنصات الإلكترونية الطبية تشهد ارتفاعاً في الطلب على خدماتها. ويقول مؤسس منصة نالا الإلكترونية عثمان أبا حسين، إن "الأفراد كانوا مترددين في استخدام التطبيقات الإلكترونية للتواصل مع الطبيب، لكن أزمة كورونا والحجر المنزلي فرضا عليهم تجربة بدائل جديدة، ستكون حتماً هي التوجه في المرحلة المقبلة"، وفي حين كان الطلب يأتي سابقاً من الفئة العمرية للشباب المعتادين على استخدام التكنولوجيا والتطبيقات الإلكترونية، بات يأتي من فئات عمرية مختلفة. ويؤكد أبا حسين الاختلاف الجلي بسلوك المستخدمين وطريقة تعاملهم مع التطبيق، لافتاً إلى أنه حين يوجهون سؤالاً الى المستخدمين عن البديل لـ "نالا" كان الجواب يأتي على أنه غوغل، لكن الجواب حالياً يأتي على أن "نالا" بديلاً عن المستوصف، ومن هنا يتبين الفرق بين المستخدمين. ويؤكد بجاد ناصر، مؤسس شركة Doctoorum الارتفاع في الطلب خلال زمن الكورونا، إذ يعمد المرضى إلى تحميل تقاريرهم الطبية إلى الموقع بهدف تلقي الاستشارة الطبية عن بعد وعبر الاتصال المرئي.
ويؤكد بن تركية بدوره، هذا الارتفاع في الطلب، ويرد السبب إلى أن المرضى لا يريدون زيارة العيادات أو المستشفيات خوفاً من تفشي عدوى كورونا فضلاً عن الحجر الصحي الذي فرض. ويقول: "خسر مزودو الخدمات نحو 90 في المئة من مرضاهم بسبب التزام الناس منازلهم، وهذا بدوره أدى إلى ارتفاع الطلب على الخدمات الصحية الإلكترونية"، ويشير إلى أن عدد المرضى الذين طلبوا المشورة الطبية عن بعد في الأسبوعين الأخيرين يوازي عدد المرضى المتوافرين لدى "أوكادوك" منذ إنشائها، وهذا ببساطة، يعود إلى الحاجة الملحة للخدمات الطبية والتي لا يمكن التخلي عنها تحت أي ظرف كان، فأصحاب الأمراض المزمنة والأطفال بحاجة إلى متابعة دورية ولا يمكن أن يتخلوا عن مشورة الطبيب، وقد اتخذت الحكومات قرارات تسهّل الاستشارات الطبية عن بعد في الأشهر الثلاثة المقبلة، لأنها حاجة ملحة لا يمكن الاستغناء عنها، وقد تلقت شركة "أوكادوك" مئات الاتصالات من مزودي الخدمات والمستشفيات طالبين مساعدتهم في ظل هذه الأزمة على تلقي الاتصالات وتنظيم حجز المواعيد.
خيار لا بد منه
لا شك أن هذا الطلب غير المسبوق من جراء الوباء المستجد على شركات الخدمات الصحية الرقمية شكّل دفعة قوية لها، ويشير بن تركية في هذا السياق، إلى أن كورونا أكسبتهم على الأقل خمس سنوات إلى الأمام في اعتماد الأفراد على الخدمات الصحية التكنولوجية، ويقول:"حققنا تقدماً هائلاً في غضون شهرين، لم نكن نحلم بتحقيقه خلال خمس سنوات"، ويضيف أنه حين كانت الشركة تعرض الخدمات التكنولوجية على مزودي الخدمات الصحية، فكان جوابهم دائماً إنها خدمات جيدة لا شك لكن لم تكن مهتمة بها، ولكن الآن لم يعد أمامهم خيار آخر، ويقول بن تركية: "إما أن يرضوا بعشرة في المئة من العائدات التي كانوا يحققونها سابقاً، أو ان يعتمدوا هذه الحلول التقنية ويحافظون على 70 في المئة من عائداتهم، ولاسيما أن أكلاف هذه المؤسسات التشغيلية مرتفعة ولا يمكنها الاستغناء عن هذه المداخيل"، وفي ظل هذه الأزمة، المؤسسات والأفراد باتوا مضطرين الى استخدام التكنولوجيا وتعلمها.
الآتي أعظم...
استعداداً للمرحلة المقبلة ولتلبية الطلب المتزايد على الخدمات الصحية الرقمية، وقعت "أوكادوك" عقوداً مع مزودي خدمات وأطباء جدد، ومن المتوقع أن يبلغ عددهم ألف طبيب خلال الشهر المقبل. وتغطي الخدمات الصحية التي يقدمها الأطباء نحو 80 اختصاصاً. وأطلقت منصة "أوكادوك" خدمات تعنى بفيروس كورونا، حيث أعلنت على موقعها عن المستشفيات والمراكز الحكومية التي تجري فحوص فيروس كورونا وعناوينها، ويتوقع أن يستمر هذا التوجه نحو الخدمات الصحية الرقيمة في النمو، لأسباب عدة أولها، أن وعي المرضى يرتفع حول أهمية استخدامها ولا يمكن أن يتراجع إلى الوراء ولاسيما أن المنصات تقدّم خدمات متكاملة وسهلة الاستخدام، خصوصاً في ما يتعلق بزيارات المراجعة الطبية التي غالباً ما تكون قراءة للفحوصات المخبرية للمرضى ولا تتعدى الزيارة العشر دقائق ولا تتطلب تواجدهم شخصياً في العيادات، فلماذا تضييع الوقت إذاً. بدوره، يشير أبو حسين إلى أن حالات الشفاء تشكل 4.5 من 5 حالات، وهذا معدل مرتفع جداً، وسيشجع المستخدمين على استخدام هذه الطرق الجديدة لتشخيص أمراضهم. ويقول: "سيعتاد المرضى على استخدام هذه التطبيقات، وستصبح التوجه في المستقبل". ويتوقع ناصر من Doctoorum أن تشهد الشركة نمواً غير مسبوق خلال العام الجاري مع ازدياد الوعي حول الخدمات الرقيمة، ويقول: "بعد انقضاء أزمة كورونا سنتمكن من استقطاب مرضى من خارج مصر من خلال المنصة الإلكترونية".
مؤسسات
أشخاص
الأكثر قراءة
-
المركزي الصيني: 98.5 مليار دولار تسهيلات إقراض متوسط الاجل
-
الخزانة الأميركية تعتزم بيع سندات طويلة الأجل بـ 183 مليار دولار الأسبوع المقبل
-
"جلف كابيتال" قوة استثمارية مؤثرة في الخليج وآسيا
-
ماذا تتضمن نشرة الإحصاءات الزراعية في السعودية لعام 2023؟
-
قطر: شراكة بين وزارة الاتصالات و"ستارتب جرايندر" لتعزيز الابتكار وريادة الأعمال