"موديز" تلقي بثقلها بمفاوضات لبنان وصندوق النقد: نفّذ ثمّ اقبض

  • 2020-05-21
  • 18:32

"موديز" تلقي بثقلها بمفاوضات لبنان وصندوق النقد: نفّذ ثمّ اقبض

الوكالة تعد برفع تصنيف لبنان "في حال تحقيق نجاح واستقرار مالي"

  • رشيد حسن

أصدرت وكالة "موديز" ما تسميه وكالات التصنيف الائتماني "رأياً" في اتجاهات الاقتصاد اللبناني تزامناً مع بدء المفاوضات بين الحكومة اللبنانية وصندوق النقد الدولي، وبالطبع فإن توقيت تقرير "موديز" يحمل مغزى خاصاً لأنه يضيف عاملاً مؤثراً مهماً في السلوك المقبل للحكومة، سواء في التفاوض مع الصندوق أم تجاه الجهات المانحة التي تراقب المفاوضات وتراقب جدية الحكومة اللبنانية في تنفيذ الإصلاحات المطلوبة والتي لم يعدّ ممكناً تأجيلها.

 

صندوق النقد والجهات المانحة تتوقع حلولاً توزّع عبء الخسائر

ولن تساند صيغة تضع العبء كله على المودعين والمصارف

العصا والجزرة

الوكالة منحت لبنان بعض التشجيع خصوصاً دخوله في مفاوضات جديدة مع صندوق النقد ملمحةً إلى استعدادها رفع التصنيف الائتماني له في حال تحقيق تقدم جديد، ومحذرة في الوقت نفسه، من استعدادها لخفض إضافي في ترتيب لبنان في حال لم تتعاون الحكومة مع الصندوق ومع الجهات الدائنة أو لجأت إلى أساليب التسويف والمماطلة التي أُخِذت عليها مراراً في السابق.

على جانب التشجيع، توقفت "موديز" عن المزيد من الخفض لترتيب لبنان لجهة الأهلية الإقتراضية والذي هبط في آخر تقييم إلى Ca واستخدمت تعبير "مستقر" في وصف الأفق القريب للوضع المالي للدولة اللبنانية لاعتقادها بأن إعادة هيكلة الدين العام، ستتم بالتفاهم مع الجهات الدائنة وتحت مظلة برنامج للتصحيح الاقتصادي متفق عليه مع صندوق النقد الدولي يفترض أن يفتح الباب أمام التمويلات الخارجية المرجوّة، إلا أن الوكالة (وهنا الإضافة المهمة) ترجّح عدم تقديم أموال من المانحين نظراً إلى لبنان السيىء جداً في مجال تنفيذ الإصلاحات التي يلتزم بها في المؤتمرات الدولية، وهو ما كان يؤدي في كل مرة إلى خسارة فرص تمويل ثمينة واستثمارات وخروج المزيد من المستثمرين وتعمق الهوة المالية.

 

نفِّذ ثم اقبض

بتعبير آخر، فإن "موديز" تحث الحكومة اللبنانية على التزام الجدية التامة في التفاوض مع الصندوق وفي التنفيذ القريب والمباشر لإصلاحات هيكلية أساسية مثل الكهرباء أو حجم العمالة الحكومية أو وضع حدّ للفساد فلا تراهن على أن مجرد التوقيع على التزامات إصلاحية مع صندوق النقد سيفتح أمامها خزائن التمويل من الدول والمؤسسات الدولية، وكان عدد من الخبراء الماليين تبنوا هذا الموقف بالقول إن الحكومة اللبنانية، لن تنال مساعدات أو تمويلات هي في أمس الحاجة إليها مقابل توقيعات على ورق فقط، لأن الصندوق يطلب دوماً من الحكومة التي تلجأ إلى مساعدته، أن تقوم هي وبصورة مسبقة باستكمال الخطوات الإصلاحية التي يتم الاتفاق عليها، فقانون الصندوق (خصوصاً مع الدولة اللبنانية سيكون بسيطاً جداً: وهو: نفِّذ ثم اقبض.

وقالت "موديز" في بيان أصدرته أخيراً إنها ستنظر في ترفيع رتبة لبنان لجهة الأهلية الإقتراضية في حال استقرت السوق المالية في لبنان وتراجعت مخاطر تعرض الدائنين من القطاع الخاص لخسائر مالية كبيرة، وهذا سيتطلب تقديم سياسات ذات مصداقية عالية تتعلق بتحقيق فوائض مستدامة في الميزان الأولي، وتنفيذ الإصلاحات الهيكلية الحيوية من دون تأخير أو تسويف.  

توزيع أعباء عادل

وتشير ملاحظة "موديز" حول الدائنين من القطاع الخاص إلى أن الأوساط المالية الدولية وصندوق النقد لن يتساهلوا في "أكل" حقوق المودعين ومحاولة تكبيد القطاع الخاص والقطاع المصرفي ثمن الخسائر التي منيت بها الدولة والبنك المركزي نتيجة الإنفاق العشوائي والهدر والفساد لسنوات طويلة، ويعتقد أن "موديز" تضع بهذه الملاحظات خطوطاً مهمة لمواقف قد يلتزمها الصندوق وتقيد الحكومة اللبنانية في استراتيجية توزيع الأعباء وتدفع وبالأولوية نحو وقف الهدر الحكومي أولاً وتحقيق الفوائض الأولية في الميزانية الحكومية والعمل على زيادة الموارد عبر وضع حدّ للتهريب والنهب المكشوف لمالية الدولة عبر شتى الأشكال.

 

تحرير متدرج لليرة

إن تلكؤ الدولة اللبنانية في تنفيذ الإصلاحات الهيكلية سيؤخر حصول لبنان على الموارد المالية التي يحتاجها وقد يزيد في تدهور الوضع الاقتصادي وفي احتمال تكبّد الدائنين المزيد من الخسائر والانتقال بالتالي إلى إصلاحات أكثر تكلفة وأقسى من حيث التكلفة الاجتماعية، وفي هذه الحال، فإن التدهور الإضافي الذي سيحصل في سعر صرف الليرة قد يقطع الطريق على تحرير منضبط للنقد اللبناني ويفرض بالتالي تحرير العملة دفعة واحدة، الأمر الذي سيتسبب بأضرار كبيرة لعملية التعافي ويطلق موجة تضخم غير مسبوقة تقضي على ما تبقى من القوة الشرائية للمواطنين ولاسيما أصحاب الدخل المحدود، ومثل هذا التطور سيزيد من خسائر الدائنين ويضعف من فرص التعافي الذي يجب أن يحمله أي برنامج للإصلاحات المالية.

يبقى القول إن ترتيب Ca الذي منحته "موديز" إلى لبنان لا يختص بلبنان ككل، بل بالحكومة اللبنانية وبالمخاطر السيادية للدين العام، فالمتمعن في بيان الوكالة يجد أنها كانت إيجابية أكثر في تصنيف متانة الاقتصاد اللبناني بعلامة  b2 وقوة الاحتمال المالية بعلامة b3،  كما أعطت "موديز" علامة b3 لما اعتبرته قوة المالية الحكومية، وفي ما عدا ذلك، فإن التصنيفات التي أعطيت لقطاعات أو مكونات الاقتصاد والوضع المالي مثل فعالية الدولة أو المصارف  فقد اندرجت كلها تحت تصنيفات تبدأ كلها بـ C  مثل Ca أو Caa وكلها تصنيفات مخصصة للدول "المريضة" مالياً أو المتخلفة عن تسديد الديون والتي تحتاج إلى معالجات شاملة لاقتصادها وماليتها قبل إمكان العودة إلى السوق الدولية ومجموعة الاقتصادات النامية.