تستعد دول الخليج لإعادة الفتح التدريجي لاقتصاداتها في توجه يبدو أنه يحمل فكرة التعايش مع الفيروس، بحيث تجري الموازنة بين البروتوكولات الصحية ومتطلبات العودة للعمل، والحدّ من نزيف الخسائر الاقتصادية، ومن شأن هذه الإجراءات أن تشكل دفعة مهمة للأسواق المالية في المنطقة، إذ إن هذه الإجراءات تتزامن مع انتعاش طفيف في أسعار النفط وعودة بورصات عالمية عدة إلى الارتفاع فيما يترقب بعض الأسواق المالية، كما هي الحال مع بورصة الكويت، الاستفادة من الترقية على مؤشر MCSI ما يعزز استقطاب سيولة الصناديق الأجنبية إليها.
عودة متدرجة
فقد اعتمد ولي عهد دبي الشيخ حمدان بن محمد بن راشد قراراً باستئناف الحركة الاقتصادية لمدة 17 ساعة يومياً اعتباراً من يوم غد الأربعاء 27 أيار/مايو الحالي، وقال: "ندرك الضغوطات التي تعرضت لها قطاعات عدة خلال أزمة فيروس كورونا"، مشيراً إلى وجود قدرة على التعاطي بإيجابية مع المتغيرات نتيجة مرونة غالبية القطاعات.
بدورها، بدت السعودية أكثر حذراً في التعامل مع التداعيات، وأوضح وزير الصحة توفيق الربيعة أن المملكة ستنتقل إلى مرحلة جديدة وبشكل تدريجي إلى حين عودة الحياة إلى طبيعتها بمفهومها الجديد القائم على التباعد الاجتماعي، وأضاف أن المملكة وضعت تصوراً مرحلياً للمرحلة المقبلة يعتمد على مؤشرين وهما قدرات الوزارات الاستيعابية للحالات الحرجة وسياسة التوسع في الفحوصات، وفق تقييم صحي دقيق، بما يمنح الأجهزة المختصة السرعة في تعديل المنهج ومراجعة المسار متى ما دعت الحاجة إلى ذلك، وقد اعتمدت الكويت خطوات مشابهة عبر الانتقال من الحظر الكلي إلى الجزئي، مع وجود توجه للعودة إلى الحياة الطبيعية عبر 3 مراحل وفق 3 مستويات: الأول يسمى "الأحمر"، بطاقة عمل 25 في المئة من العاملين لفترة محددة، قبل الانتقال إلى المستوى الثاني "الأصفر" مع عودة 50 في المئة من قوى العمل، ومن ثم الثالث والأخضر مع العودة إلى الحياة الطبيعية. بدورها، بادرت اللجنة التنسيقية في البحرين إلى التوصية بالحد من القيود المفروضة على القطاعات، كان أبرزها السماح بإعادة فتح الصالونات والسينما الخارجية مع الإبقاء على دور السينما مغلقة والسماح للاعبين المحترفين بإجراء التمارين.
إصابات أقل بعد الفتح
ويتسق توجه دول الخليج مع توجهات دول عدة سبقتها إلى التوجه نفسه أو أنها تتجه إليه، وبقدر ما يعتمد ذلك على فكرة التعايش مع الفيروس، فإنه أيضاً يستند إلى تقارير عدة تفيد بأن حالة الإغلاق الاقتصادي راكمت خسائر ضخمة ولم تغير مسار الوباء. وفي هذا السياق، أوضح مصرف "جي بي مورغان" في تقرير استند إلى تطور معدلات الإصابة في دول غربية اعتمدت الإغلاق أنه من المحتمل أن يكون للفيروس ديناميكية خاصة لا علاقة لها بإجراءات الإغلاق التي وصفها بأنها كانت غير متسقة في الكثير من الأحيان مقدماً على ذلك مثالاً حياً من تجربة الدانمارك، حيث شهدت استمرار انخفاض معدل انتقال العدوى الذي يرمز له بـ (R) بعد إعادة فتح المدارس ومراكز التسوق، والحال نفسها تنطبق، وإن بدرجات مختلفة على ألمانيا وبعض الولايات الأميركية، حيث سجلت معدلات انتقال للعدوى منخفضة بعد رفع إجراءات الإغلاق، ويخلص التقرير إلى القول إن الغالبية العظمى من الدول شهدت انخفاضاً في معدلات الإصابة بالفيروس بعد رفع عمليات الإغلاق.
وتأتي هذه الإجراءات بالتزامن مع التوقعات بأن معظم دول المنطقة وصلت إلى مستوى الذروة في عدد الإصابات بفيروس كورونا، وعلى اعتبار أن الصين كانت بؤرة انتشار المرض، فإن تجربتها في إعادة تشغيل الاقتصاد تشكل دروساً مهمة ومستفادة للدول الأخرى. وفي هذا السياق، رأى تقرير صادر عن "غولدمان ساكس" أن التجربة الصينية تؤكد أن طريق التعافي يبقى طويلاً وتحقيق التعافي التام يحتاج مزيداً من الوقت"، وتنطبق هذه الإشارة على التوقعات الخاصة بدول المنطقة في ضوء توقعات صندوق النقد الدولي بأن عودة الناتج المحلي لتحقيق نمو لن يتحقق قبل العام المقبل على أقل تقدير.
انفاق دول المنطقة على الصحة
لا يتعدى 7 في المئة من الإجمالي
المنظومة الصحية استمرار الضغوط
وفي ضوء السعي إلى الموازنة بين استمرار الاشتراطات الصحية وضرورة إعادة فتح الاقتصاد للحدّ من حجم الخسائر المسجلة، ستكون دول المنطقة أمام حتمية رفع استعدادات المنظومة الصحية واعتماد مقاربة جديدة مختلفة تماماً عن تلك التي كانت سائدة قبيل تفشي الفيروس، ومن المتوقع أن تكون هذه المنظومة أمام ثلاثة تحديات أساسية: التحدي الأول، التعامل أو استيعاب أي تصاعد محتمل في أعداد المصابين بعد عودة النشاط ولاسيما بين كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة. أما الثاني، فهو احتمال حصول موجة ثانية من انتشار الفيروس وفقاً لما تحذر منه تقارير عدة وما يعنيه ذلك تعرض هذه المنظومة الى مرحلة جديدة من الضغوط في وقت لم تكد فيها من المرحلة الأولى. أما التحدي الثالث والأخير، فيكمن في ضرورة عودة واستمرارية الخدمات الصحية الأساسية تجاه الأمراض غير السارية التي كانت موجودة قبيل تفشي الفيروس. وتجدر الإشارة، إلى أنه وبحسب إحصاءات البنك الدولي، فإن دول المنطقة لا تنفق سوى 7 في المئة في موازناتها على قطاع الصحة، وبالتالي فإن الدول العربية ذات الإمكانات المحدودة مطالبة بتوفير مصادر تمويل إضافية للقطاع.
وفي تأكيد على أهمية ارتباط إعادة فتح الاقتصاد بالمعايير الصحية، سبق لوزير المالية السعودي محمد الجدعان الإشارة إلى أن إعادة فتح الاقتصاد سيكون وفق أسلوب التدرج، على أن يكون تحت المراقبة الصحية، مشيراً إلى أنه من المهم أن يعي الناس أن أي إجراءات لفتح الاقتصاد قد تتبعها إعادة الإغلاق كما يحذر منه في تجارب دولية.
دائرة الثقافة والسياحة أبوظبي:
بروتوكول من 21 بنداً للفنادق
تدرج وبروتوكولات
كذلك، أظهرت تجربة التنين في التعامل مع تداعيات الفيروس، أن القطاعات الإنتاجية كالصناعات الأساسية ستشهد تعافياً بوتيرة أسرع من الخدمات، وبالتالي فإن النشاطات المرتبطة بالسياحة كالفنادق والمطاعم سيكون أمامها طريق أطول للتعافي، ولاسيما في ظل البروتوكولات الصحية المفروضة كتطبيق التباعد الاجتماعي واستخدام هذه المرافق وفق طاقة استيعابية محدودة، فيما يسيطر المزيد من الحذر على الصين أمام رفع القيود على القطاعات الترفيهية كدور السينما والصالات الرياضية وسواها ما يعني أن عودتها للعمل بشكل كامل قد يتأجل حتى العام المقبل.
وفي السياق نفسه، سيكون التدرج في إعادة تشغيل القطاعات الأساسية عنوان المرحلة، فعلى سبيل المثال، فرضت دائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي على المنشآت السياحية والفنادق تطبيق 21 بنداً مع العودة للنشاط تبدأ بتشغيل المنشأة بنحو 30 في المئة من طاقتها، تطبيق التباعد الاجتماعي واستخدام الكاميرات الحرارية في قياس درجة حرارة المرتادين. وتشمل الإجراءات اتخاذ إجراءات العزل بحق أي نزيل تظهر عليه عوارض الفيروس، ومن الإجراءات المتخذة التقيّد بمرور 24 ساعة على خروج النزيل من الغرفة قبل تسليمها إلى نزيل آخر.
وعلى الرغم من هذه الإجراءات من المتوقع أن تشهد السياحة الداخلية في دول الخليج دفعة مهمة في ظل استمرار إغلاق المطارات والقيود المفروضة على السفر، مستندة إلى الحاجة للعودة إلى التسويق وممارسة أنشطة الترفيه، ما سيعزز الانفاق المحلي الذي سيكون مدعوماً أيضاً بتقلص المصاريف طوال فترة الإغلاق.
السفر وشركات الطيران أمام بروتوكولات جديدة
الطيران والمطار تحت الرصد
كذلك، من المتوقع أن يكون قطاع الطيران والمطارات الأكثر عرضة لتغيير جذري مع إعادة الفتح، ووفقاً لموقع Simply Flying ، فإن هذه التغييرات تشمل تواجد الركاب قبل 4 ساعات من موعد الإقلاع، مع وجود خطط لإجراء فحوصات أولية للمسافرين كافة والمرور بنفق للتعقيم إلى جانب ارتداء الكمامات ومراعاة التباعد الجسدي. وفي هذا السياق، أعدّت طيران الإمارات بروتوكولاً للسفر يشمل إجراءات وأدوات وقاية صحية توزّع على الركاب عند إنجاز معاملات السفر في مطار دبي الدولي مع إلزام العاملين والركاب على ارتداء الأقنعة.
كما تشمل الإجراءات طرق الدخول إلى الطائرة تبدأ من الصفوف الخلفية إلى الأمامية على دفعات. وأوضح رئيس مجلس إدارة طيران الجزيرة مروان بودي أن السفر قبل ظهور الفيروس، لن يكون مشابهاً في ظل حالة التعايش مع الفيروس. بدوره، توقع نائب رئيس الاتحاد الدولي للنقل الجوي (أياتا) في منطقة أفريقيا والشرق الأوسط محمد علي البكري ارتفاع أسعار تذاكر الطيران ما بين 43 و54 في المئة، ولاسيما مع خفض عدد المقاعد المتاحة، مشيراً إلى أنه يجري البحث باستئناف الرحلات على ألا تتعدى الحمولة 50 في المئة كحد أقصى على بعض الطائرات.
وستكون المطارات تحت رقابة صارمة، ففي الوقت الذي سبق لـ البكري الإشارة إلى أن الاتحاد يتواصل مع الحكومات لوضع خريطة طريق تضمن الاعتراف المتبادل على الصعيد الدولي لجميع التدابير المتفق عليها لاستئناف السفر الدولي، لم تتضح الصورة بشكل كامل على مستوى المنطقة، كما أكد الرئيس التنفيذي لمؤسسة مطارات دبي بول غريفيث أن عودة رحلات الطيران لسابق عهدها تتطلب التوصل إلى لقاح للفيروس، مشيراً إلى أنه ومع تطبيق التباعد الاجتماعي فإن مطارات دبي لا تستطيع أن تتحمل أكثر 35 مليون مسافر في العام، مقابل 90 مليون مسافر في الأوقات الطبيعية.
التوسع باستخدام التكنولوجيا ضمن الإجراءات الاحترازية
توظيف التكنولوجيا في التحوط
خريطة الطريق الصينية لإعادة فتح الاقتصاد ترافقت مع إدارة دول آسيوية عدة بكفاءة توظيف التكنولوجيا في تتبع المصابين بالفيروس واستئناف النشاطات الاقتصادية والاجتماعية، حيث استخدم الروبوت في التأكيد على القواعد المعمول بها في مواجهة الفيروس، واستخدمت سنغافورة الروبوت الشهير (Spot) في ضمان المسافة الآمنة بين المتجولين في الحدائق العامة بما يضمن عدم انتشار الفيروس، وعمدت دول الخليج الى استخدام خوذات ذكية تمكّن رجال الشرطة من قياس درجة حرارة مئات الأشخاص من على مسافة 5 أمتار، ومن المتوقع أن تعزز دول المنطقة من استخدام التكنولوجيا خلال مرحلة إعادة فتح الاقتصاد.
في المقابل، يطرح استخدام الرقمنة والتكنولوجيا نقاشاً وخلافاً حول حماية البيانات الشخصية، وقد أعادت شركتا "آبل" و"غوغل" التأكيد على احترام سياسة الخصوصية وعدم استخدام البيانات الأفراد وترك الحرية أمام الأفراد للمشاركة بطواعية مع تطوير النسخة الأولى من تطبيق "كوفيد-19" لإخطار الأشخاص بوجود مصابين بالفيروس في محيطهم.