العمالة الأجنبية في الكويت إلى الواجهة: هل تحقق الحكومة رغبتها بتخفيضها؟

  • 2020-06-16
  • 19:04

العمالة الأجنبية في الكويت إلى الواجهة: هل تحقق الحكومة رغبتها بتخفيضها؟

  • رشيد حسن

 مع التوافق السياسي الكويتي على ضرورة إجراء خفض كبير في حجم العمالة الوافدة عادت هذه القضية الحساسة لتحتل موقع الصدارة في المناقشات السياسية وفي وسائل التواصل الاجتماعي الكويتية، كما إنها تعود لتتخذ موقع الأولوية في جدول أعمال الحكومة الكويتية التي باتت مقتنعة بأن هذا الملف المزمن لم يعد يحمل تأجيلاً أكثر في ضوء التحديات الاقتصادية التي ولدتها إجراءات احتواء وباء كورونا وأوضاع سوق النفط على الاقتصاد في الكويت.

 

معالجة الاختلال السكاني في الكويت تتطلب وقتاً

وإدارة واقعية لعوامل العرض والطلب في السوق

 

تمثل العمالة الأجنبية تحدياً خاصاً لدولة الكويت بالنظر إلى حجمها الغالب على السكان (نحو 70 في المئة من المجموع) وكذلك لكون الكويت في حقيقتها مدينة كبيرة، ما يجعل الكثافة السكانية للعمال الأجانب سمة دائمة من سمات الحياة اليومية في الكويت، وبالتالي سبب لضيق دائم عبر عنه رئيس وزراء الكويت الشيخ صباح الخالد الصباح عندما أشار إلى رغبة حكومته في معالجة "خلل التركيبة السكانية"، بتقليص العمالة الأجنبية في البلاد من 70 في المئة إلى 30 في المئة فقط.

نمو بلا توقف

الظاهرة المقلقة في نظر الساسة الكويتيين هي أن عدد السكان الكويتيين يزداد سنوياً بمعدلات أكبر من المعدل العام للنمو السكاني، فهو مثلاً ارتفع بنحو 45 في المئة ما بين العامين 2012 و2019 في مقابل معدل زيادة في السكان الكويتيين لم يتجاوز الـ 20 في المئة، وفي عام واحد فقط هو العام 2019 زاد عدد السكان غير الكويتيين بنسبة 10 في المئة في مقابل زيادة في عدد الكويتيين لم يتجاوز الـ 5 في المئة.

في نظر القيادات السياسية كما الرأي العام في الكويت، فإن تطور البنية السكانية وفق النمط الحالي سيؤدي مع الوقت إلى اختلال فادح في التركيبة السكانية ومعها الهوية السكانية والثقافية للكويت، وعلى سبيل المثال، فإن نسبة غير الكويتيين من مجموع السكان كانت في العام 2012 نحو 65 في المئة من المجموع لكنها في سبع سنوات فقط قفزت إلى 70 في المئة من المجموع، بتعبير آخر، فإن الوزن النسبي للسكان الكويتيين تراجع الآن إلى نحو 30 في المئة من المجموع السكاني.

 

خصوصية الكويت

هناك سبب آخر لمشاعر القلق الكويتي حول الملف السكاني، وهو أن الكويت هي بلد له تاريخ طويل يمتد لما قبل مرحلة النفط وهي دولة مختلفة عن بلدان خليجية أخرى تقوم مصالحها على اجتذاب الأجانب الذين يشملون مستثمرين وتجاراً وموظفين بمهارات عالية،  وهؤلاء تختلف طبيعتهم عن نوع الوجود الأجنبي في الكويت الذي يتميز بغلبة العمالة الاجنبية في الصناعات والمؤسسات العامة وقطاع الصحة والمرافق والخدمات البلدية والمهن والتجارات الصغيرة وغيرها فضلاً عن قطاع الخدمة الخاصة (الخادمة، السائق، الطباخ ، الخ) الذي يشغل وحده نحو 700,000 أجنبي بمعدل 2.5 لكل أسرة.

هناك أيضاً عامل مهم قد لا يجري التطرق إليه لكنه عامل كامن ومؤثر في سلوك الرأي العام الكويتي تجاه الأجانب وهذا العامل هو صدمة الغزو الصدامي للكويت في العام 1990 وما رافقه من تعاون عدد من المقيمين مع القوات الغازية، ورغم مضي 30 عاماً على تلك التجربة القاسية وتبدّل الظروف فإنها لم تتغلب على شعور الكويتيين الدفين بالقلق تجاه الموضوع السكاني.

هاجس الاختلال السكاني

لكن إذا كان المكون غير الكويتي في التركيبة السكانية الكويتية يسبب شاغلاً للدولة وللرأي العام فلماذا يستمر هذا المكوِّن في النموّ سنة بعد سنة وهو كما سبق وأشرنا قفز بنسبة 10 في المئة في العام 2019 عن العام الذي سبقه؟ الجواب المنطقي هو أن الطلب على هذه العمالة بشتى مصادرها ووظائفها لا يزال قوياً في السوق الكويتية وبالتحديد في قطاعات واسعة من الاقتصاد ليست جاذبة للكويتيين، ولولا وجود الطلب والوظيفة الاقتصادية لما وجدت العمالة الأجنبية سبيلها إلى الكويت أو غيرها من البلدان، لكن العلة الواضحة هنا هي أن هذه الفئة مستمرة في النمو بوتائر تفوق معدلات نمو الاقتصاد الكويتي ومعدلات نمو المكون السكاني الكويتي الذي يعتمد بصورة أساسية على التكاثر الطبيعي. وظاهرة التكاثر السريع للمكون غير الكويتي تثير ولا شك أسئلة وتفرض إجراء تقييم شاملاً للوضع السكاني بما يساعد أولاً على تحديد مصادر الزيادة المستمرة في السكان غير الكويتيين وثانياً العمل على احتواء الظاهرة تمهيداً لتقليصها.

إن الحكومة الكويتية باتت تدرك طابع الإلحاح في واقع العمالة الوافدة والاختلال السكاني للمجتمع الكويتي، لكن أي خطة ناجحة لتقليص عدد المقيمين الأجانب يحتاج إلى وضع دراسات معمقة لسوق العمل بالتعاون مع القطاع الخاص والجهات المعنية الاخرى وربما بعض الخبراء الدوليين، وهذه الدراسات يمكن أن تشكل الأساس لخطط خفض المكون السكاني غير الكويتي بصورة تدريجية ومن دون الإضرار بالاقتصاد وقطاعات الأعمال والحياة اليومية للكويتيين.

مكون أساسي في الاقتصاد

إن العمالة الأجنبية في الكويت مكونة من عشرات الجنسيات ولا تمارس أي تأثير في الحياة السياسية وهي غالباً ذات وجود مؤقت وينظر إليها في المحصّلة الأخيرة كمورد اقتصادي فقط وكمكوِّن أساسي من الناتج المحلي. وعلى سبيل المثال، فإن أكثرية الكويتيين تعتمد بصورة كبيرة على تقاضي الإيجارات من توفير المساكن لأكثر من 3.4 ملايين وافد وبهذا المعنى، فإن الوافدين هم أحد مرتكزات القطاع العقاري ومصدر دخل أساسي للكويتيين مثلما أنهم مصدر أساسي للطلب في قطاعات أخرى مثل الاتصالات والنقل والتجارة الداخلية،  في الوقت نفسه، فإن العمالة الوافدة هي المتولية لأكثر المهام غير الجذّابة والمتدنية الأجر في قطاع البناء والخدمات البلدية والنقل الداخلي والأعمال اليدوية والفنية في قطاع الصناعة  وفي المطارات والموانئ  والصحة وغيرها، لذلك، فإن مواجهة الاختلال السكاني يجب أن تمر بتقييم شامل لحاجات القطاعين العام والخاص لهذه العمالة من خلال تحديد أهداف نوعية لهيكل العمالة الأجنبية المطلوبة في كل قطاع أو مكون من مكونات الاقتصاد الكويتي.  

الخفض الطبيعي

إن كون سوق العمل محصلة متحركة لعاملي العرض والطلب، يعني أن جزءاً مهماً من عملية التصحيح المطلوبة قد لا تحتاج إلى تدخل سياسي، بل إلى ترك عوامل السوق تلعب دورها، وهذا إضافة إلى ممارسة الدولة دورها في ضبط العمالة المخالفة أو السائبة في أوساط العمالة الأجنبية، وهذا العمل تقوم به الدولة الكويتية بفعالية بما لسلطات الأمن الكويتية من خبرة في هذا المجال، وهو ما يترجم بترحيل عشرات الألوف من الأجانب سنوياً.

أضف إلى ما سبق، أن الإجراءات الصارمة التي استهدفت احتواء وباء كورونا تسببت بانكماش في الاقتصاد الكويتي (والعالمي) وقد يتسبب  في خسارة نسبة كبيرة من الموظفين الأجانب لأعمالهم، كما سيفرض على العديد من أصحاب المهن الحرة التي توقفت مصالحهم الخروج من السوق والعودة إلى بلدانهم، وبحسب دراسات لصندوق النقد الدولي ومنظمة العمل الدولي، فإن من المتوقع أن تؤدي ظروف الانكماش المتوقعة في الاقتصادات الخليجية إلى خروج ما قد يتراوح ما بين 8 و10 في المئة من العمالة الأجنبية من المنطقة، ومثل هذا التراجع يوازي خروج نحو 300,000 من العاملين الأجانب في الكويت، وكلا المثلين السابقين يشيران إلى أن السوق نفسها تتكفل عموماً بالحفاظ على التوازن المطلوب في سوق العمل.

الوجه الآخر للعمالة

إن النقاش الحالي حول العمالة الوافدة في الكويت، يسلط الضوء على الثمن الذي لا بدّ لأي اقتصاد أن يتحمله من جرّاء الحاجة إلى العمالة الوافدة، مثل الضغط على البنى التحتية أو الاكتظاظ أو التذويب النسبي للشخصية المحلية، وكذلك خسارة الكويت لتحويلات قدرت بنحو 14 مليار دولار في العام 2019. لكن الحديث المتكرر حول هذا الأثر السلبي يحتاج إلى أن يوازن بالدور الحيوي الذي يلعبه الوافدون في الاقتصاد الكويتي، وبالتالي الأثر الانكماشي الهائل الذي سيولده خروج الأعداد المقترحة من الوافدين على سوق العقار والإيجارات وكذلك الأثر السلبي المباشر لخفض الكتلة السكانية على قطاعات الاقتصاد كافة وبالتالي على مستوى معيشة الكويتيين.

كما إن النقاش حول اختلالات سوق العمل وخفض الاعتماد على العمالة الأجنبية، لا بدّ أن يتطرق إلى أحد نظام التقاعد المبكر الذي كان يساهم في حرمان البلد من نسبة مهمة من الموظفين الذين يكونون قد اكتسبوا الخبرة، وهذا في وقت تعاني الكويت من نقص كبير في العمالة الماهرة، لكن تعديل الأخير لهذا النظام قلّص من بعض المزايا الممنوحة للراغبين بالتقاعد المبكر من الموظفين الحكوميين وبالتالي جاذبية مثل هذا القرار، كما إن البعض يرى وجهاً ايجابياً للتقاعد المبكر وهو انه يساعد على تجديد الادارة الحكومية عبر ضخ أجيال جديدة من الشباب فيها.    

بالمعنى نفسه، فإن الكويت تحتاج من أجل حسم موضوع العمالة الأجنبية إلى نزع ورقة الخوف واستبدال الكلام السياسي بخطة علمية متكاملة لإعادة هيكلة سوق العمل وتعزيز جاذبية البلد لاستقطاب المهارات والكفاءات المطلوبة لاعادة هيكلة وتنويع الاقتصاد.