الأبعاد الجيوسياسية لصراعات الطاقة والنفوذ في شرق المتوسط
الأبعاد الجيوسياسية لصراعات الطاقة والنفوذ في شرق المتوسط
- د. خطار أبو دياب - باريس
تطرّق الاجتماع الأخير لوزراء الدفاع في حلف شمال الأطلسي للشكوى الفرنسية من تصرفات "عدائية" قامت بها البحرية التركية ضد سفن أوروبية تعمل ضمن مهمة تطبيق حظر تصدير الأسلحة إلى ليبيا، وتزامن ذلك مع التوتر المستجد بين تركيا واليونان (بسبب تنقيب أنقرة عن النفط والغاز بالقرب من جزيرة كريت في مياه متنازع عليها) وكل ذلك يتم في سياق التمدد التركي نحو ليبيا وبدء التنقيب عن مصادر الطاقة هناك، ويأتي ليسلط الضوء على صراعات الطاقة والنفوذ في البحر الأبيض المتوسط في العقد الثاني من هذا القرن، تلاحقت أحداث عدة متعلقة باستخراج وملكية الغاز الطبيعي في منطقة شرق البحر المتوسط: الخلاف على الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل؛ رفض تركيا بدء قيام قبرص بأي عمليات تنقيب طالما ظلت أزمة انقسامها قائمة؛ وتفرع ذلك إلى تجاذب بين مصر وتركيا، فالأخيرة رفضت اتفاقية ترسيم خط الحدود البحرية بين القاهرة وقبرص الموقَّعة العام 2013، باعتبار أنها تمس بحقوقها الاقتصادية، وتصاعد التجاذب مع مبادرة مصر تأسيس منتدى غاز شرق المتوسط في 2015 (بعد اكتشافات كبيرة في مصر ويضم المنتدى اسرائيل والاردن وقبرص واليونان وايطاليا وانضمت اليه فرنسا حديثاً).
هكذا يخفي تداخل الحدود البحرية بين مصر وإسرائيل وقبرص ولبنان وتركيا واليونان وبعيداً ليبيا، تسابقاً للفوز بالثروة الجديدة في حوض المشرق الذي يشبه البعض طفرة الغاز المنتظرة فيه بطفرة النفط في الخليج العربي في بداية السبعينات، لكن تقديرات الموجودات فيه التي تصل على الأقل إلى 3454 مليار قدم مكعبة من الغاز، وقربه من أوروبا يجعلاننا نقارنه بحوض بحر الشمال الحيوي.
بيد أن إحاطة حوض المشرق بسبعة بلدان متعارضة مع بعضها بعضاً منذ عقود ستعقّد الاكتشافات والتقدير الفعلي لكميات الغاز، والأدهى أن يؤدي التنافس على موارد الغاز والنفط المكتشفة إلى مسار جديد للصراع في منطقة مأزومة تعيش منذ 2011 مجريات "اللعبة الكبرى الجديدة". (اللعبة الكبرى القديمة والشهيرة كانت في القرن التاسع عشر في افغانستان وجوارها).
ويمكن لتداخل صراع النفوذ بين القوى الكبرى والإقليمية والتجاذب حول الطاقة أن يهددا باتخاذ النزاع أبعاداً أكثر خطورة في المستقبل القريب.
لا يمكن تجاهل أهمية حروب المياه في تشكيل المشهد الشرق الأوسطي مع ندرة هذا "الذهب الأخضر"، والأمثلة لا تنقص حول أنهار الفرات والأردن واليرموك والنيل، وكان لذلك دور في اندلاع حرب حزيران/يونيو 1967، واليوم يمثل الصراع حول سد النهضة الكبير فوق النيل مصدر قلق متزايداً.
ومما لا شك فيه أن اتصال أمن الطاقة العالمي بموارد واحتياطات البترول في الشرق الأوسط، سلط الأضواء على هذه المنطقة الواقعة في وسط الكرة الأرضية، وقاد ذلك واشنطن لبلورة سياساتها من خلال عامليْ حماية إسرائيل والتحكم بمواقع ونقل الطاقة.
واليوم، في موازاة اكتشافات الغاز والبترول الصخري، وأفق استنفاد موارد البترول الخام، يزداد التركيز على الغاز الطبيعي، ولذا تتنبه روسيا الأولى في سوق تصدير الغاز (تملك لوحدها نحو ربع إجمالي احتياطات الغاز المؤكدة في العالم، ويشكل إنتاجها 71 في المئة من واردات الغاز لوسط وشرق أوروبا) لتطور اكتشافات حوض المشرق الذي يهدد هيمنتها على السوق الأوروبية، ويمكن أن يحرر الاتحاد الأوروبي من التبعية لروسيا في مجال طاقة الغاز، ومن الواضح أنه من خلال القواعد الروسية على الساحل السوري تنسج روسيا سياسة تعتمد على البقاء لاعباً أساسياً في الشرق الأوسط، وتعتبر أن نفوذها المكتسب يمنع المنتجين في حوض المشرق من المسّ بمصالح موسكو على المدى المتوسط.
الأكثر قراءة
-
"سوفيرين برو بارتنر" تعيّن نيل ويلسون مديراً عاماً لفرعها في قطر
-
منتجع وسبا فندق إنديغو الجبل الأخضر: أكثر من مجرّد وجهة للإقامة الفاخرة
-
صافي أرباح "لولو للتجزئة" الإماراتية يرتفع 126% خلال الربع الثالث 2024
-
"مبادلة" الإماراتية تعزز تعاونها مع "سافران" الفرنسية في صناعة الطيران
-
"طلبات" الإماراتية تجمع ملياري دولار من عوائد طرحها العام الأولي في سوق دبي