الهيدروجين مصدر واعد للطاقة المتجدّدة

بعد ان تعرّض قطاع الطاقة لواحدة من الأزمات الأسوأ على مر التاريخ هذه السنة ومع اقتراب استحقاقات اتفاق باريس، بدأت شركات الطاقة العالمية تعي مدى هشاشة القطاع وخصوصاً النفط ومدى ضرورة الإسراع في التحول إلى مصادر الطاقة البديلة.

وبالفعل، بدأ بعض الشركات بوضع خطط التحول إلى الطاقة المتجدّدة وكان أبرزها الشركة البريطانية بريتيش بتروليوم التي أعلنت عن استراتيجيّتها الجديدة عقب إعلان نتائجها للربع الثاني من 2020. ومن أبرز ما تضمّنت استراتيجية الشركة هو عزمها عدم القيام باستكشاف النفط في أي بلد جديد واستبدال ذلك بالاستثمار في مصادر الطاقة البديلة وذلك لخفض صافي الانبعاثات الكربونيّة إلى الصفر في حلول العام 2050 بحد أقصى.

 ومن بين مصادر الطاقة المتجدّدة المطروحة لإتمام التحول في قطاع الطاقة، برز الهيدروجين، فهل هو من بين الخيارات الأنسب؟

الهيدروجين من أبسط العناصر وأكثرها وفرة على وجه الأرض، ويمكن تخزينه واستخدامه لنقل الطاقة القابلة للاستخدام، فهو عنصر كيميائي حامل للطاقة وليس مصدراً لها وباستطاعته تخزين كمية هائلة من الطاقة كما يمكن استخدامه في خلايا الوقود لتوليد الكهرباء أو الطاقة والحرارة وهو وقود نظيف أي عندما يستهلك في خلية وقود لا ينتج إلا الماء والكهرباء والحرارة. لكن ليس من الممكن ايجاد الهيدروجين بمفرده في الطبيعة ويجب إنتاجه من المركبات التي تحتويه. في الواقع، نجد الهيدروجين في العديد من المركبات العضوية ولاسيما الهيدروكربونات مثل البنزين والغاز الطبيعي والميثانول والبروبان. وحالياً، يتم انتاج معظم الهيدروجين من الغاز الطبيعي، وتكمن المعضلة في طريقة انتاج الهيدروجين.

نما الطلب على الهيدروجين أكثر من ثلاثة أضعاف منذ سنة 1975 ويستمر في الارتفاع، ويتم توفيره بالكامل تقريباً من الوقود الأحفوري، حيث يذهب 6 في المئة من الغاز الطبيعي في العالم و2 في المئة من الفحم الحجري إلى إنتاج الهيدروجين. وبالتالي، فإن إنتاج الهيدروجين مسؤول عن نحو 830 مليون طن انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون سنوياً، أي ما يعادل انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون في المملكة المتحدة وإندونيسيا مجتمعتين.

انتاج وتصدير الهيدروجين

 يمكن الحصول على الهيدروجين من مصادر عدّة وبطرق مختلفة، كالبخار المحسن حيث تتم مفاعلة الغاز الطبيعي مع البخار في حرارة عالية تتراوح ما بين 800 و1700 درجة مئوية وفي غرفة احتراق وبوجود عامل مساعد.  ومن الممكن انتاج غاز الهيدروجين من خلال طرق أخرى كالتحليل الكهربائي للماء والذي يؤدي إلى كسر الروابط الكيميائية بين الأوكسجين والهيدروجين في الماء، غير إن هذه الطريقة مكلفة كونها تستهلك كميات كبيرة من الطاقة الكهربائية، ومن أجل تقليص كمية الطاقة الكهربائية اللازمة يتم إجراء عملية التحليل الكهربائي للماء على درجات حرارة عالية.

ومن الممكن أن تنتج العمليات البيولوجية أيضاً الهيدروجين من خلال التفاعلات البيولوجية باستخدام الميكروبات مثل البكتيريا والطحالب الدقيقة، في هذه العمليات، تستهلك الميكروبات المواد النباتية وتنتج غاز الهيدروجين.

في المحصلة، تعتبر المصادر غير المتجددة للهيدروجين، مثل النفط والغاز الطبيعي أقل تكلفة لإنتاج الهيدروجين، ولكن استخدامها لا يزال يستنزف إمدادات الوقود الأحفوري، ومن المفارقات أن ثاني أوكسيد الكربون الذي ينتج عن عملية إنتاج الهيدروجين من الوقود الأحفوري يلغي أي فوائد لاستخدام الهيدروجين كمصدر طاقة على البيئة. إذاً، طريقة انتاج الهيدروجين هي التي سوف تحدد مدى أهميته في التحول إلى الطاقة المتجدّدة وإنّ التوصل إلى انتاج الهيدروجين من مصادر متجدّدة بتكلفة منخفضة هو الحل الأنسب. في الواقع، إنّ انتاج الهيدروجين ليس المعضلة الوحيدة بل كيفيّة وتكلفة نقله وتصديره.  وقد تناولت صوفي كوربو، رئيسة قسم تحليل الغاز في شركة بريتش بتروليوم، هذا الموضوع الأسبوع الفائت في الحلقة النقاشية(webinar) التي نظمتها أبيكورب. قالت كوربو إن هنالك استخدامات متعددة ممكنة للهيدروجين في الصناعة والنقل والمباني، ولكن ما هو غير واضح حتّى الساعة ويحتاج إلى العديد من الدراسات، هو كيفيّة تصدير الهيدروجين وتكلفة ذلك.

ما هي استخدامات الهيدروجين؟

يستخدم الهيدروجين اليوم بشكل كبير في الصناعة لتكرير النفط، وإنتاج الأمونيا، وإنتاج الميثانول، وإنتاج الحديد، ويتم توفير معظم هذا الهيدروجين باستخدام الوقود الأحفوري. هناك استخدامات أخرى متعدّدة وممكنة ومنها:

في النقل: تعتمد القدرة التنافسية للهيدروجين لسيارات خلايا الوقود الهيدروجينية على تكاليف خلايا الوقود ومحطات التزود بالوقود، بينما الأولوية للشاحنات هي خفض سعر الهيدروجين الذي يتم تسليمه.

في المباني: يمكن مزج الهيدروجين في شبكات الغاز الطبيعي القائمة ولاسيما في المدن ذات الكثافة السكانية العالية.

في توليد الطاقة: يعدّ الهيدروجين أحد الخيارات الرائدة لتخزين الطاقة المتجددة، ويمكن استخدام الهيدروجين والأمونيا في توربينات الغاز لزيادة مرونة نظام الطاقة، ويمكن استخدام الأمونيا أيضاً في محطات الطاقة التي تعمل بالفحم لتقليل الانبعاثات.

في الواقع، استخدمت ناسا الهيدروجين السائل منذ السبعينات لدفع مكوك الفضاء وصواريخ أخرى إلى المدار. تعمل خلايا وقود الهيدروجين على تشغيل الأنظمة الكهربائية للمكوك، مما ينتج عنه منتج ثانوي نظيف - الماء النقي، الذي يشربه الطاقم. وفي المستقبل، يمكن أن ينضم الهيدروجين أيضاً إلى الكهرباء كناقل مهم للطاقة يتحرك ويوصل الطاقة في شكل قابل للاستخدام للمستهلكين.