الصين على عرش الطاقة الشمسية وفي صدارة مستوردي نفط الخليج

  • 2024-03-20
  • 13:53

الصين على عرش الطاقة الشمسية وفي صدارة مستوردي نفط الخليج

  • أحمد عياش

 

ما يشبه عودة الروح الى الاقتصاد العالمي تمثلت الانباء الآتية حديثاً من الصين. وآخر هذه الانباء، تجاوز نمو الصادرات والواردات الصينية خلال شهرَي كانون الثاني/ يناير وشباط /فبراير الماضيين التوقعات، ما يعكس تحسّن التجارة العالمية، ويعطي إشارة مشجعة لواضعي السياسات بعد التباطؤ الذي طال أمده في قطاع التصنيع وشكّل عبئاً على الاقتصاد.

وفي موازاة ذلك، ارتفعت واردات الصين من النفط الخام في أول شهرين من العام الحالي مقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي. وفي تقييم لوكالة "رويترز"، يأمل المصدرون مثل "أوبك+" في أن يستعيد الاقتصاد الصيني زخم النمو.

لكن النبأ الجديد الذي بدأ يعطي للصين بعداً غير مسبوق، هو ما أوردته صحيفة "النيويورك تايمز" قبل أيام تحت عنوان: "كيف هيمنت الصين على العالم في مجال الطاقة الشمسية".

ما يشبه السير فوق حبل مشدود، كما في عروض السيرك، أطلت الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم كمن يحمل عصا للتوازن وهو يسير على حبل ممتد بين الحاجة المستمرة للوقود الاحفوري المستورد، وبين السعي الى الطاقة البديلة. وهنا نعود مجدداً الى ما نشرته "النيويورك تايمز" حول ما تقوم به الصين على مستوى الطاقة الشمسية. وأوردت الصحيفة بداية، انه من المقرر أن تزيد بكين من تصنيعها وتركيبها للألواح الشمسية في إطار سعيها للسيطرة على الأسواق العالمية والاستغناء عن الواردات.

وجاء في تقرير أعدّه كيث برادشر للصحيفة الأميركية من العاصمة الصينية: "أطلقت الصين العنان للقوة الكاملة لصناعة الطاقة الشمسية في العام الماضي. قامت بتركيب ألواح شمسية أكثر مما قامت به الولايات المتحدة في تاريخها، وخفضت سعر الجملة للألواح التي تبيعها بمقدار النصف تقريباً، وارتفعت صادراتها من الألواح الشمسية المجمعة بالكامل بنسبة 38 في المئة بينما تضاعفت صادراتها من المكونات الرئيسية تقريباً". ويضيف : "بينما تحاول الولايات المتحدة وأوروبا إحياء إنتاج الطاقة المتجددة ومساعدة الشركات على درء الإفلاس، تسابق الصين الزمن إلى الأمام".

في الدورة السنوية للمجلس التشريعي الصيني هذا الأسبوع ، أعلن رئيس مجلس الدولة لي تشيانغ، ثاني أعلى مسؤول في البلاد بعد شي جين بينغ، أن البلاد ستسرّع بناء مزارع الألواح الشمسية وكذلك مشاريع الرياح والطاقة الكهرومائية.

ومع تراجع النمو الاقتصادي الصيني، يعدّ الإنفاق المتزايد على الطاقة المتجددة، وبخاصة الطاقة الشمسية، حجر الزاوية في رهان كبير على التقنيات الناشئة. ويقول قادة الصين إن "ثلاثياً جديداً" من الصناعات - الألواح الشمسية والسيارات الكهربائية وبطاريات الليثيوم- قد حل محل "الثلاثي القديم" من الملابس والأثاث والأجهزة.

والهدف من ذلك هو المساعدة في تعويض الركود الحاد في قطاع بناء المساكن في الصين. وتأمل الصين في تسخير الصناعات الناشئة مثل الطاقة الشمسية، التي يحب شي وصفها بأنها "قوى إنتاجية جديدة"، لإعادة تنشيط الاقتصاد الذي تباطأ لأكثر من عقد من الزمان.

والتركيز على الطاقة الشمسية هو أحدث دفعة في برنامج مدته عقدان لجعل الصين أقل اعتماداً على واردات الطاقة.

وقد اجتذبت صادرات الصين من الطاقة الشمسية بالفعل استجابات عاجلة. في الولايات المتحدة، قدمت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن إعانات تغطي الكثير من تكلفة صنع الألواح الشمسية وجزءاً من التكلفة الأعلى بكثير لتركيبها.

ولفتت "النيويورك تايمز" النظر الى ما طرأ على القارة الأوروبية: "إن ناقوس الخطر قد دقّ في أوروبا بشكل كبير، ويشعر المسؤولون بالمرارة لأنه قبل اثني عشر عاماً، دعمت الصين مصانعها لصنع الألواح الشمسية بينما عرضت الحكومات الأوروبية إعانات لشراء الألواح المصنوعة في أي مكان. وأدى ذلك إلى انفجار مشتريات المستهلكين من الصين التي أضرت بصناعة الطاقة الشمسية في أوروبا. واجتاحت موجة من حالات الإفلاس الصناعة الأوروبية، تاركة القارة تعتمد إلى حد كبير على المنتجات الصينية.  إن ميزة التكلفة التي تتمتع بها الصين هائلة، وبحسب وحدة بحثية تابعة للمفوضية الأوروبية في تقرير في كانون الثاني/ يناير الماضي، فإن الشركات الصينية يمكن أن تصنع الألواح الشمسية مقابل 16 إلى 18.9 سنت لكل واط من طاقة التوليد. على النقيض من ذلك، تكلف الشركات الأوروبية 24.3 إلى 30 سنتاً لكل واط، والشركات الأميركية نحو 28 سنتاً. ويعكس هذا الفارق جزئياً انخفاض الأجور في الصين، كما وفّرت المدن الصينية الأراضي لمصانع الألواح الشمسية بجزء بسيط من أسعار السوق. وقدمت البنوك المملوكة للدولة قروضاً كبيرة بأسعار فائدة منخفضة على الرغم من أن شركات الطاقة الشمسية خسرت أموالاً وأفلس بعضها، وقد اكتشفت الشركات الصينية كيفية بناء وتجهيز المصانع بتكلفة زهيدة.

وتجدر الإشارة الى ان تصنيع المواد الخام الرئيسية للألواح الشمسية، البولي سيليكون، يتطلب كميات هائلة من الطاقة، ويجب أن تولد الألواح الشمسية عادة الكهرباء لمدة سبعة أشهر على الأقل لاسترداد الكهرباء اللازمة لصنعها. ويوفر الفحم ثلثي الكهرباء في الصين بتكلفة منخفضة، لكن الشركات الصينية تعمل على خفض التكاليف بشكل أكبر من خلال تركيب مزارع شمسية في صحاري غرب الصين، حيث الأراضي العامة مجانية بشكل أساسي، ثم تستخدم الشركات الكهرباء من تلك المزارع لصنع المزيد من البولي سيليكون.

وفي موازاة الصورة الواعدة في الصين على مستوى انتاج الطاقة الشمسية، تطل صورة مماثلة من عالم الطاقة التقليدية التي تتربع على عرشها دول الخليج العربي، وتوقع الأمين العام لمنظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول (أوابك) جمال عيسى اللوغاني، عودة الحياة حول العالم إلى شكلها البدائي، في حال توقفت الدول المنتجة عن إنتاج النفط والغاز، استجابة لدعوات نشطاء المناخ، وقال إن العالم وقتها "سيشهد انقطاعات واسعة النطاق في الكهرباء، وستضطر المصانع إلى الإغلاق، ولن يكون أمام التجارة العالمية خيار آخر سوى التوقف في ظل عدم وجود الوقود الذي من شأنه أن يعوق سلاسل الإمدادات المعتمدة بشكل أساسي على النقل بالشاحنات والسكك الحديدية والنقل البحري، بما في ذلك سلاسل الغذاء، وسينهار النظام الصحي العالمي الذي لا يعتمد على النفط والغاز لتشغيل المستشفيات ونقل المرضى فحسب، بل يمتد لتصنيع الأدوية والمعدات والمستلزمات الطبية... بشكل عام سيغرق الاقتصاد العالمي في كساد اقتصادي عميق". لكن اللوغاني، اكد في المقابل في حوار أجرته معه صحيفة "الشرق الأوسط"، أنه "أمر مستبعد حدوثه نهائياً" في أن تتوقف الدول المنتجة عن إنتاج النفط والغاز، قائلاً: "يجب التأكيد على أنه لا يمكن تخيّل وضع الاقتصاد العالمي من دون المحرك الرئيسي له وهو صناعة النفط والغاز، التي تُعد أيضاً من أهم الركائز الأساسية التي تُبنى عليها العلاقات الاقتصادية بين الدول، وتوفر الملايين من الوظائف على مستوى العالم".

غير إنه أشار إلى ازدياد التحديات أمام تطوير الصناعة النفطية وتنسيق سياسات الطاقة بين الدول الأعضاء، من خلال توحيد الجهود لتأمين وصول البترول إلى أسواق استهلاكه بشروط عادلة ومعقولة وتوفير الظروف الملائمة لرأس المال والخبرة للمستثمرين في صناعة البترول للدول الأعضاء. 

وعن الدور العربي في تأمين إمدادات النفط لقطاع الطاقة العالمي، أكد الأمين العام لمنظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول (أوابك)، أن "الدول العربية تقوم بدور رئيسي في تأمين الإمدادات النفطية لقطاع الطاقة العالمي، في ظل ما تمتلكه من احتياطات ضخمة واستحواذها على حصة كبيرة من الإنتاج العالمي وما يرتبط به من صناعات مثل صناعة التكرير والبتروكيماويات.

وفي الاطار نفسه،  اتفق أعضاء تحالف "أوبك بلس"  قبل أيام على تمديد خفض إنتاج النفط في الربع الثاني من هذا العام بعدما كانوا وافقوا في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، على خفض طوعي للإنتاج بلغ زهاء 2.2 مليون برميل يومياً إجمالاً في الربع الأول.

وكان قرار الإبقاء على تخفيضات الإنتاج متوقعاً ويبدو أنه يهدف إلى تعزيز ما قد يكون أسعار النفط ضعيفة، ويتوقع بعض المحللين أن يتجاوز المعروض من النفط الطلب في النصف الأول من هذا العام. ومن دون تخفيضات مستمرة، قد تنخفض الأسعار.

وقال جياكومو روميو المحلل في بنك جيفريز الاستثماري يوم الأحد إن القرار يؤكد أن المجموعة "ليست في عجلة من أمرها لإعادة الإمدادات".

لكن أسعار النفط ارتفعت يوم الجمعة في 8 آذار مارس الحالي، وأوضحت رويترز ان عودة أسعار النفط مجدداً أتت "مدفوعة بتنامي الطلب في الولايات المتحدة والصين، أكبر مستهلكين في العالم، في حين أعطى مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأميركي) إشارة إيجابية بشأن إمكانية خفض أسعار الفائدة".

في خلاصة ما يجري في الصين وما يدور في عالم النفطـ يتبيّن ان الشمس التي تطل دوماً من الشرق، تحمل حالياً انباء واعدة.