في مواجهة كورونا.. لبناني يدمج الطب بحياكة الملابس الواقية

  • 2020-04-12
  • 08:00

في مواجهة كورونا.. لبناني يدمج الطب بحياكة الملابس الواقية

  • كريستي قهوجي

محمد قبيسي شاب لبناني طموح ومندفع عمل في المجال الطبي على مدى 16 عاماً، متخصص في تكنولوجيا كهرباء القلب من أهم الجامعات اللبنانية والأميركية. شكلت وفاة شقيقه الطبيب بسبب أزمة قلبية مفاجئة نقطة مفصلية في حياته قرر إثرها الدخول إلى عالم الصحة والطب لخدمة المرضى. عرفه المقربون بعفويته وحبه للعمل الأمر الذي ساعده على التقرب أكثر من الناس وخدمتهم. جعل من شغفه أداة للابتكار والتميّز في العمل من خلال اختصاصه وتجربته الغنية والواسعة، والتي كان آخرها مساهمته في إجراء عملية زرع قلب اصطناعي لمريض عشريني في أحد مستشفيات بيروت.

عندما ظهر فيروس كورونا في لبنان، سارع لبنانيون كثر إلى التطوّع لمواجهة الفيروس كل على طريقته، أمر أدى إلى إشاعة جو من التضامن الاجتماعي في مواجهة عدو صامت وخفي. هذه الأزمة المستجدة شكّلت دافعاً لقبيسي الذي اتخذ مبادرة فردية تمثّلت في إنتاج الملابس الواقية لحماية الأشخاص من التعرض لفيروس كورونا، مشروع بدأ الشاب العمل عليه منذ نحو شهر تقريباً بعد أن تمكّن من إيجاد مصنع لحياكة الملابس في منطقة النبطية جنوب لبنان كان قد توقّف عن العمل بسبب الأزمة الاقتصادية الأخيرة. هكذا وفي ظل النقص الحاد بتأمين الملابس الواقية في الأسواق اللبنانية واحتكارها من قبل كبار التجار وارتفاع أسعارها بشكل جنوني، أقدم قبيسي على هذه الخطوة حيث نجح في تأمين منتجات ذات نوعية عالية وبأسعار مناسبة قام ببيعها إلى المستهلكين من جمعيات ومسعفين وأطباء وممرضين وعاملين في المجال الطبي والصحي.

المشروع يسير في طريق معبّدة بالألغام

سار المشروع بطريق معبّدة بالألغام خصوصاً مع غياب دعم الدولة والوزارات المعنية على الرغم من كل المناشدات التي أطلقها قبيسي دون الحصول على أجوبة شافية. وفي مواجهة ذلك، موّل مشروعه من جيبه الخاص ومن "اللحم الحي" واستخدم عائدات وأرباح مبيعات المنتجات في شراء المواد الأولية لتصنيع كميات جديدة وإعادة بيعها من أجل ضمان استمرارية الإنتاج وديمومة العمل.

كما واجه المشروع مطبات كثيرة أهمها ارتفاع أسعار الأقمشة وانخفاض المواد الأولية الخاصة بالتصنيع في الأسواق اللبنانية، وصعوبة تأمين نقل البضائع بشكل دوري من بيروت إلى النبطية. وفي ظل هذه التحديات وارتفاع الدولار إلى حدود 3000 ليرة لبنانية في السوق السوداء، توقع قبيسي أن يستمر العمل في هذا المجال لفترة شهر واحد على الأكثر في حال لم يتم تقديم الدعم له ما يؤثر بشكل كبير على استمرارية العمل والانتاج والبيع. ومن منطلق تعلقه بعمله وكفاحه على الجبهات كافة، قدم قبيسي اقتراحاً بنّاءً حول إعادة تدوير الثياب المستخدمة واستخراج المواد الأولية منها كالأزرار والسحابات والأقمشة وإعادة استعمالها في حياكة منتجات جديدة وتأمينها بأسعار مناسبة للجميع.

استطاع قبيسي وفريق عمله إنتاج عدد كبير من البدلات الوقائية والسترات العازلة والملابس المخصصة للأطباء والممرضين وأغطية الحماية للرأس والأحذية والكمامات، وبيعها للجمعيات الأهلية والمؤسسات الاجتماعية وبعض المستشفيات الحكومية وبعض مرضى السرطان والقلب، في إطار خطة متكاملة عنوانها الحصول على منتج بجودة عالية وبكلفة قليلة. ونجح إلى حد ما في توجيه المنافسة في العمل نحو مكانها الصحيح من خلال عدم السماح لسعر المنتج النهائي بتخطي سعر تكلفة الإنتاج بشكل كبير وهذه السياسة اتبعها منذ بدء العمل لكسب رضا الزبائن وتيسير أمورهم في ظل منافسة المنتجات المستوردة من الخارج وخصوصاً من سوريا التي تباع بأسعار منخفضة وبجودة أقل ما يقال فيها بأنها "ما بتسوى".

استطاع قبيسي أن يدمج مجال الطب والصحة في مجال خياطة الملابس مع فريق عمله المؤلف من قريبه علي قبيسي وصاحب المصنع حسين قاسم والموظفين، مستغلين أزمة كورونا لحماية الناس من هذا الوباء وتمكينهم من الاستمرار في عيش حياتهم بشكل شبه طبيعي. وتشكل مرحلة ما بعد فيروس كورونا وانتفاء الحاجة لهذا النوع من الملابس، نقطة أساسية في رؤية قبيسي المستقبلية الذي يراها بعين ثاقبة، معتبراً أن المحافظة على العمل جزء أساسي من خلال التحول الى تصنيع الملابس العادية وبيعها إلى المستهلكين بأسعار مناسبة.

قدم قبيسي نموذجاً للشباب اللبناني المبادر والناجح في مجال عمله وسط غياب إمكانيات الدولة التي تساعده على تطوير نفسه بطريقة كبيرة بدلاً عن السفر الى الخارج وخدمة دول أجنبية لا يمت لها بأي صلة. وفي المحصلة، يمثل الشباب اللبناني جيلاً واعداً ومبتكراً لمجتمعه من خلال المبادرات الفردية والجماعية التي يقوم بها في ظل الأزمات التي تفتك بوطنه.