أزمة لبنان الاقتصادية: الموظفون في مهب العاصفة

  • 2020-02-18
  • 08:05

أزمة لبنان الاقتصادية: الموظفون في مهب العاصفة

  • رانيا غانم

ترخي الأزمة الاقتصادية والنقدية في لبنان التي تفاقمت في الأشهر الأربعة الأخيرة بظلالها على القطاعات الاقتصادية بمجملها، ولم يسلم الموظفون من تداعيات هذه الأزمة. تعمد الكثير من المؤسسات والشركات إلى تسريح بعض موظفيها فيما يعمد البعض الآخر إلى حسم الرواتب بنسب متفاوتة مترافقاً مع خفض في ساعات العمل أو الإبقاء عليها كما هي أحياناً.

تشير أرقام الاتحاد العمالي العام الذي شكل غرفة عمليات بالتعاون مع وزارة العمل لمتابعة ملف صرف الموظفين، إلى أن عشرة آلاف عامل على الأقل طلبوا وساطة وزارة العمل لأنهم صرفوا من عملهم خلال الأشهر الأربعة الأخيرة، و60 ألفاً خفضت رواتبهم. يقول حسن فقيه، رئيس الاتحاد العمالي العام بالإنابة: "تتذرع الشركات والمؤسسات بالوضع ​الاقتصاد​ي الصعب لتبرير عمليات الصرف وللتهرب من دفع مستحقات الموظفين كاملة". تعتبر النسبة الأكبر من المصروفين من المؤسسات الصغيرة وتحديداً من قطاع السياحة كالمطاعم والمقاهي والفنادق، وكذلك قطاع التجارة وتحديداً الكماليات، وفق الاتحاد العمالي. ويلفت فقيه إلى أن بعض المؤسسات أجرى اتفاقاً ودياً مع الموظف مفاده حسم نصف الراتب على أن يحفظ النصف الآخر إلى حين تحسن الأوضاع مع بقاء التقديمات الاجتماعية كالضمان على حالها.

 أيام البحبوحة ولت

لطالما كان القطاع المصرفي من أكثر القطاعات متانة وملاءة، لكن الأزمة الأخيرة طالته وتركت آثاراً سلبية لم تكن في الحسبان. تراجعت الأعمال المصرفية إلى حد كبير منذ ثورة 17 تشرين لتقتصر على عمليات السحب وقبض مستحقات العملاء، وباتت عمليات التسليف وفتح الاعتمادات وغيرها شبه مشلولة، وفقاً لجورج الحاج، رئيس اتحاد نقابات موظفي المصارف. انطلاقاً من هذا الواقع، عمدت المصارف إلى إلغاء ساعات العمل الإضافية التي تمتد إلى الساعة الخامسة، وإغلاق الصناديق عند الساعة الثانية. يشير الحاج إلى أن الموظفين خسروا بدل ساعات العمل الإضافية التي كانت تدفع لهم، وألغيت وجبة الطعام أو البدل المالي عنها الذي كان يعطى للموظفين. وبحسب الحاج، عمد مصرفان منتسبان إلى النقابة إلى صرف نحو 150 موظفاً ما يمثل نسبة عشرة بالمئة من عدد موظفين هذين المصرفين. ولكن ثمة مصارف كبيرة لا ينتسب موظفوها إلى النقابة. ويلفت الحاج إلى أن الاتحاد في طور التفاوض مع المصرفين بهدف إعطاء الموظفين تعويضات تتخطى تلك التي يقرها قانون العمل اللبناني. ويلزم القانون المصارف على تبليغ وزارة العمل وتبرير أسباب الصرف قبل شهر من صرف الموظف. يرجح الحاج أن يزداد انعكاس تراجع الأعمال على الموظفين في حال استمر الوضع القائم.

انهيارات بالجملة

تعاني المؤسسات التجارية من صعوبة في تحويل أموال إلى الخارج للاستيراد ما يعيق دخول سلع جديدة، فضلاً عن تراجع حركة المبيعات في الأسواق. يشير جهاد تنير، نائب رئيس جمعية تجار بيروت إلى انخفاض كبير في الواردات وتحديداً الكماليات مثل الألبسة والأحذية والمفروشات والمعدات الكهربائية والإلكترونية بسبب صعوبة تحويل الأموال إلى الخارج. وطال التراجع المواد الغذائية الرفاهية، حيث بات الطلب يتركز على المنتجات المحلية الصنع أو تلك التي تتمتع بأسعار تنافسية. أدى التراجع في المبيعات إلى أزمة في السيولة ودفع هذا الواقع المؤسسات التجارية إلى تقليص إجمالي نفقاتها لتشمل صرف موظفين وحسم رواتبهم. تشير تقديرات تنير إلى أن ثلثي الشركات التجارية عمد إلى حسم رواتب الموظفين، بنسب تترواح بين 30 و50 بالمئة. يترافق هذا الحسم أحياناً مع خفض ساعات العمل ساعتين في اليوم. ويقول: "إن جزءاً كبيراً من الموظفين المصروفين هم من القدامى في الشركات ويتقاضون رواتب مرتفعة".  يتوقع تنير أن تتفاقم المشكلة في الأيام المقبلة في حال لم تتوفر السيولة وأن تبدأ شركات كبيرة بتسريح موظفيها.

صرفٌ وحسمٌ...

أدت الأزمة الاقتصادية وارتفاع سعر صرف الليرة مقابل الدولار إلى تراجع القدرة الشرائية لدى المستهلك وانكماش غير مسبوق في الحركة التجارية. ووصل الحال ببعض المؤسسات إلى اتخاذ قرار بالإقفال، حيث أعلنت شركة Acres Development Holding التي تدير Le Mall في سن الفيل عن نيتها لإقفال المركز التجاري في الأول من نيسان. وعمد غيرها إلى تقليص ساعات تشغيل المركز بهدف خفض النفقات التشغيلية والخدمات المقدمة. يشير روني عون، رئيس مجلس إدارة SMAG الشركة المتخصصة بتقديم الخدمات الاستشارية للمراكز التجارية إلى أنه ليس بالضرورة أن يكون موظفو Le Mall قد سرحوا، لأن الشركة تدير وتملك مراكز تجارية عدة وقد يكون تم نقل الموظفين من فرع إلى أخر. يتأثر بتقليص ساعات العمل أيضاً الشركات المزودة للخدمات في المراكز التجارية مثل شركات الصيانة والتنظيم والأمن والشركة المشغلة للمواقف التي قد تعمد بدورها إلى تسريح موظفين أو خفض رواتبهم.  ويلفت عون إلى أن بعض المراكز التجارية بادرت إلى خفض الرواتب لموظفي الإدارة بنسبة بلغت 30 في المئة من راتبهم.

رفاق الدرب في خطر

حتى الماضي القريب، كانت المصانع ماضية في التوظيف إذ أعلنت في بداية تشرين الأول الفائت عن أربعة آلاف وظيفة شاغرة في القطاع. لكن الوضع تغير مع تفاقم الأزمة والمخاوف تتصاعد مع تراجع قدرة المصانع على تحويل الدولارات المطلوبة للمواد الأولية. يقول فادي الجميل، رئيس جمعية الصناعيين: "وصلت السكين إلى رقابنا ورقاب موظّفينا، لكن لن نتخلّى عن مصانعنا ورفاق الدرب وعن كلّ عامل وعاملة". لكنه يؤكد ضرورة الإفراج عن أموال الصناعيين المقيّدة في ​المصارف​ ليتمكنوا من استيراد المواد الأوليّة، أو وضع آلية شبيهة بتلك التي وضعت لاستيراد ​القمح​ و​المحروقات​ و​الدواء​. أما الشركات الصناعية الكبيرة، فتداركت الموضوع منذ بداية الأزمة ووضعت خارطة عمل بنيت بناءَ على تحليل للأحداث التي حصلت في العام 2019، ووضعت أيضاً خطة عمل بنيت على توقعات للأجواء التي ستسود في العام الحالي. يقول روجيه فرحات، مدير التوظيف في مجموعة ماليا، التي تملك مصنعاً للأدوية "فارمالاين" وآخراً لمستحضرات التجميل "كوزمالاين": "بنيت خطة العمل للعام الحالي استناداً إلى نتائج الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام الفائت حيث انخفضت المبيعات بنسبة 30 في المئة، معتبرين أن الوضع سيظل على حاله في 2020". وكانت مجموعة ماليا في بداية تشرين الأول تخطط لتوظيف نحو عشرين موظفاً، لكن "مع بدء الثورة وتراجع الأعمال أوقفنا جميع التوظيفات واعتذرنا من الأشخاص الذين كنا ننوي توظفيهم". يضيف فرحات أنه تم نقل عدد من الموظفين من الشركات التي تسجل تراجعاً في المبيعات مثل مندوبي مبيعات التجميل وصالونات الشعر إلى الأقسام التي بحاجة إلى موظفين مثل مندوبي مبيعات الأدوية وغيرها. يقول: "ساهمت هذه الخطوة بخفض نفقاتنا ويمكننا أن نستمر على هذا الحال في حال لم تتدهور الأمور أكثر"، لافتاً إلى أن المجموعة لم تبادر إلى صرف موظفين أو حسم رواتب ولن تتخذ هكذا قرار في المستقبل القريب، لأن ذلك ينافي قوانين العمل.

السياحة تحتضر

تكبدت المؤسسات الفندقية والمطاعم خسائر كبيرة على مدى السنوات الخمس الأخيرة نتيجة الأوضاع الأمنية غير المستقرة والاعتصامات، وتراجعت المداخيل بنسبة 40 في المئة، وفقاً لبيار الأشقر، رئيس اتحاد النقابات السياحية. وجاءت الأزمة الأخيرة والثورات والمظاهرات لتزيد الفنادق تعثراً وانهياراً حيث لم تعد قادرة على الإيفاء بالتزاماتها المالية وسداد ديونها للمصارف، وعمد بعضها إلى إغلاق طوابق والبعض الآخر قلص الخدمات المقدمة وحصرها في أوقات محددة. وانعكس ذلك حتماً، على موظفي الفنادق الذي يقدر عددهم نحو 60 ألفاً، بحسب الأشقر. ويقول: "لم نعد قارين على الاستمرار بالأعداد والرواتب ذاتها". يضيف: "وافق بعض الموظفين بالاتفاق مع إدارات الفنادق على تقاضي نصف راتب بدلاً من خسارة وظائفهم"، لافتاً إلى أن بعض الفنادق سرحت الموظفين المؤقتين. مني قطاع المطاعم أيضاً بخسائر كبيرة تمثلت بإقفال نحو 500 مطعم بأحجام ومناطق مختلفة خلال العام الفائت وآلت إلى تسريح جزء كبير من موظفي القطاع الذي يشغل نحو 150 ألفاً، بحسب نقابة أصحاب المطاعم والمقاهي والملاهي والباتيسري. تقول مايا بخعازي، أمين عام النقابة: "إن تراجع عدد السياح والمغتربين الوافدين وتراجع القدرة الشرائية لدى المواطن، أدى إلى انهيار مؤسسات كبيرة وأجبرها على خفض نفقاتها".

 

 

القطاع آثار الأزمة
المصارف مصرفان صرفا نحو 10 في المئة من موظفيهم، وخسر الموظفون بدلات العمل الإضافية
التجارة ثلث المؤسسات حسم بين 30 و50 من رواتب الموظفين
المطاعم أقفل نحو 500 مطعم وسرح العاملين فيها
الفنادق بعض الفنادق أقفل جزئياً وحسم نصف رواتب الموظفين
الصناعة إلغاء للوظائف التي أعلنت