باتريك شلهوب: لم يعد جائزاً الفصل بين التجزئة الواقعية والإلكترونية

  • 2021-02-22
  • 11:10

باتريك شلهوب: لم يعد جائزاً الفصل بين التجزئة الواقعية والإلكترونية

حوار مع رئيس مجموعة شلهوب عن صناعة الرفاهية

  • برت دكاش

يعكس حوار "أولاً- الاقتصاد والأعمال" الخاص مع الرئيس التنفيذي لـ"مجموعة شلهوب" باتريك شلهوب، مدى تأثير جائجة كورونا على صناعة الرفاهية في العالم ومنطقة الشرق الأوسط، ويجيب شلهوب في بداية الحوار، رداً على سؤال عن توصيفه للصناعة في ضوء انتشار الوباء وتداعياته عليها قائلاً: "أستطيع وصف الوضع الراهن للقطاع، أما عن المستقبل، فلا يمكن التكهن به".

يضيف شلهوب: "يمكن التطرق إلى سوق الرفاهية من منطلقين اثنين؛ المنطلق الأول هو النمو المطرد الذي شهدته السوق عالمياً خلال الأعوام العشرة الماضية، وتحديداً منذ العام 2010 بعد الأزمة المالية العالمية العام 2008، هذا النمو قادته الصين، والأجيال الشابة أو الـ Mellennials والتجارة الإلكترونية، وأداء السوق العام 2019 كان أداء ممتازاً، إذ بلغ حجم سوق منتجات الرفاهية الشخصية مثل الموضة والساعات والمجوهرات والجمال 312 مليار دولار. وبداية العام 2020 كانت جيدة لغاية آذار/ مارس الماضي مع بداية انتشار الوباء عالمياً، ومن المتوقع وفق الأرقام الأولية المجمّعة تراجع يتراوح ما بين 22 إلى 25 في المئة عالمياً، ليصل حجم السوق إلى حدود الـ 240 مليار دولار تقريباً".

التعافي والعودة إلى النمو

ويزيد شلهوب: "كذلك نتوقع، على المستوى العالمي، عودة التعافي اعتباراً من العام الحالي، لكن لن تبلغ الأرقام مستويات العام 2019 قبل العامين 2022 أو 2023. والسبب الرئيسي في التراجع وبطء التعافي هو الهبوط الحاد في قطاع تجزئة السفر الذي يعدّ أكبر قناة توزيع لمنتجات الرفاهية عالمياً، ومن المرجح بدء تعافيها خلال العام الحالي وعودتها إلى مستويات العام 2019 منتصف العام 2022 مطلع العام 2023".

ويكمل شلهوب: "وتشير التوقعات والتي تظهر في دراسات بين أند كومباني وعلامات رفاهية أخرى، إلى بلوغ الأرقام المستوى الذي كان مرتقباً العام 2020 في حال لم يظهر الوباء العام 2025، ليصل بذلك حجم سوق منتجات الرفاهية الشخصية إلى ما بين 350 و360 مليار دولار، أي بزيادة نسبتها 3 في المئة سنوياً"، ويعقّب متوقعاً "أن تظهر سوق الرفاهية مرونة إنما توزّعها سيتغير كثيراً".

الشرق الأوسط والتباين بين الأسواق

على مستوى سوق الشرق الأوسط، يقدر حجم سوق الرفاهية في المنطقة بنحو 8.5 إلى 9 مليارات دولار بحسب شلهوب، أي ما نسبته 3 في المئة من سوق الرفاهية العالمية. ويضيف: "نتوقع تراجعاً مماثلاً  للتراجع العالمي أي ما نسبته 25 في المئة، ربما بنسب أقل في عدد من الأسواق وأعلى في عدد آخر، على سبيل المثال لبنان. وفي الأسواق السياحية مثل دبي والبحرين، تأثرت جداً تجزئة السفر، بينما كانت أقل تأثراً الأسواق التي تعتمد على السكان المحليين مثل السعودية، وقطر والكويت وأبوظبي والسبب في ذلك عدم مغادرة المواطنين نتيجة للقيود الموضوعة على السفر مما زاد الإنفاق الداخلي على الرغم من إغلاق دام ثلاثة أشهر، وذلك بدلاً من الشراء في لندن أو باريس أو الأسواق الأخرى حيث كانوا يجرون مشترياتهم، بالإضافة إلى عدم اعتماد هذه الأسواق بشكل كبير على السياح".

اختلاف تأثر الفئات

إلى ذلك يتابع شلهوب: "كذلك لا تنطبق نسبة التراجع أي الـ 25 في المئة على جميع الفئات والزبائن بنسبة متوازية، إذ لاحظنا تحولاً على مستوى الفئات وطريقة حصولها وبعض هذه التحولات باق على الأرجح. وقد حققت التجارة الإلكترونية والمبيعات الرقمية أداء جيداً، فهي كانت تنمو في حدود 20 إلى 25 في المئة سنوياً وتشكل ما بين 8 و10 في المئة من أعمال الرفاهية، وكانت توقعاتنا السابقة تشير إلى تشكيلها ما بين 15 و20 في المئة العام 2025، بيد أننا تجاوزنا نسبة 20 في المئة العام 2020، أي زادت النسبة بمعدل ضعفين ونصف إلى ثلاثة أضعاف ما كان عليه الحجم قبل كوفيد-19"، ويضيف: "أعتقد أن هذا الاتجاه في التجارة الإلكترونية باقٍ أيضاً"، موضحاً: "لا يعني ذلك أنه سيضاعف إيراداتنا من عام إلى آخر، إنما ربما يستقر بعض الشيء ونعود إلى نسبة نمو تتراوح ما بين 20 إلى 25 في المئة. وفي العام 2020 نتوقع زيادة بنسبة 25 في المئة مع استمرار النمو ليصل إلى 30 في المئة العام 2025، وذلك عوضاً عن الـ 25 في المئة التي كانت متوقّعة قبل كوفيد-19".

اقرأ أيضاً:
جوليان سوسيه: 30 مليار دولار حجم سوق العطور الفاخرة

تسارع وتيرة نمو التجارة الإلكترونية

ويكمل شلهوب شارحاً أن نمو قطاع الرفاهية ككل "لن يحصل بالوتيرة نفسها كما وتيرة نمو التجارة الإلكترونية. ومن ناحية توزيع الحصص بين المتاجر الواقعية والتجارة الرقمية، فإن الأولى ستعاني بلا شك، إذ قد تشهد استقراراً في حجم المبيعات فيها أو ينخفض قليلاً من عام إلى آخر، مقابل مواصلة التجارة الإلكترونية نموها وستكون المحرّك الأساسي للأعمال. وبناء على ذلك، علينا النظر من زاوية أخرى بعيداً عن الفكرة السائدة التي تفصل بين التسوق والشراء إلكترونياً والتسويق والشراء داخل المتجر. ومن الأمور التي أدى إليها تسارع الأحداث، هو توزيعنا جميعاً حضورنا بين الرقمي والواقعي. ومن خلال قراءاتنا ومراقبتنا للسوق ولما يجري على وسائل التواصل الاجتماعي عن أسباب شراء الناس رقمياً، يتبيّن أن بعضهم يجد ذلك مريحاً، أو لأن الفرصة سنحت لهم بذلك أو بسبب السعر، إلى جانب الشراء من المتجر. وما يهم، هو أن نضع الزبون محور اهتمامنا وإعطائه الإمكانية لأن يختار بين الرقمي أو المتجر، أي ترك الخيار له".

وينبّه شلهوب في هذا السياق من تراجع الحضور الواقعي أو زواله، إذ لا يمكن أن تقتصر تقديمات المتجر على بيع المنتجات فحسب، وهذا هو معنى التجزئة السيئة، حتى إن مقاربة الرقمي من هذه الزاوية تؤدي إلى زواله، والمطلوب هو البناء على تجربة ما. والمطلوب منا أيضاً كوكلاء تجزئة أن نملك الكثير من البراعة لإعادة ابتكار أنفسنا على مستوى الحضور المادي والرقمي، إذ نحتاج فعلاً إلى أن نجعل هذا الحضور المادي أي المتجر ذلك المكان الذي يتمتع بلمسة إنسانية، وخدمة مدهشة، وتجارب مذهلة، وحيث يمكننا أن نثير لدى الزبون الإعجاب والترحيب، ونعطيه سبباً لزيارة المتجر والذي إن توفر، نوفر له فرصة التفاعل معه وجعل زيارته ممتعة وفريدة، وإلا فإن الحضور الرقمي سيقضي على الحضور الواقعي الذي لا شك سيشهد تراجعاً في عدد الزوار. وفي ما يتعلق بالرقمي، علينا أيضاً تعزيز الثقة بالتجزئة الرقمية ومنحها بعداً عاطفياً وبث الحياة فيها".

التجربة هي الأساس في الواقعي والرقمي

ويكمل موضحاً: "سواء كان حضوراً مادياً أو رقمياً، لن نجذب الزبون ما لم نقدم له شيئاً ما. لا يمكننا، على المستوى الرقمي، الاعتماد على السعر أو الترويج وحسب، إذ سيؤدي بنا ذلك إلى الإفلاس ما لم نحقق الحجم الذي يحققه أمازون، وهو أمر مستحيل، وأن نعرض منتجاتنا على رفوف متجر التجزئة كما لو داخل متحف، فلن يزور أحد المتجر. لذلك نحتاج كوكلاء تجزئة إلى إعادة ابتكار أنفسنا كما ذكرت والتفاعل مع زبوننا لنخلق لديه، لدى رؤيته منتجاً ما أونلاين، الرغبة في التوجه إلى المتجر ولمسه، أو أن يشتريه أونلاين لدى الترويج له في وسائل التواصل الاجتماعي، أو لكونه يعرف موظف البيع الذي سيقدم له معلومات وافرة عنه إلخ، إذا بتنا ننظر المتاجر والتجارة الإلكترونية كعالم واحد وليس كعالم مقسوم إلى اثنين".

تحليل البيانات لخدمة الزبائن والمجموعة بشكل أفضل

وعن إمكانية وكيفية استفادة صناعة الرفاهية من تحليل البيانات، يجيب شلهوب: "أجل وكثيراً. عندما بدأنا نهتم بالبيانات منذ بضعة أعوام، وأدخلناها إلى أنظمتنا، انطلاقاً من رغبتنا جمع قاعدة بيانات خاصة بنا، وفرزها، وتحليلها من ثم استخدامها. ففرز البيانات يساعدنا على معرفة أعمق للزبون الراغبين بالتوجه إليه على المستوى الفردي والشخصي داخل المتجر، من دون أن يعني ذلك التدخل في حياته الشخصية، إنما تحديد ما الذي يعجبه وما الذي لا يعجبه، ماذا يشتري وما الذي يمكننا أن نقترحه عليه، ما هو تاريخ زواجه وأعمار أولاده، لإرسال رسالة صغيرة له، إذا كل هذه البيانات التي يمكن مراكمتها، والحصول على المزيد منها، قطعاً هذه المعلومات تمكننا من بناء علاقة شخصية أكثر مع الزبون ومحصورة به كفرد، مقارنة بما لو كنا لا نملك بيانات. أضف إلى ذلك، إن هذه البيانات، إلى جانب كونها ترشدني إلى ما يشتريه هذا الزبون أو ذاك، تساعدنا على تحديد مشترياتنا وتوقعاتنا بشكل أفضل بشأن المقاسات والألوان وهذا الاتجاه في الموضة أو ذاك والتشكيلة ككل وأين نعرضها. وفي كل مرة نحلل بيانات ما، نتمكن من الحصول على معلومات تسهل علينا عملية اتخاذ القرار وتعزّز تجربة التسوق ككل".

اقرأ ايضاً:
تريليون دولار حجم سوق الرفاهية في 2020

 التحول الرقمي

وحول الدخول في عصر الرقمنة، يتناول شلهوب مدى جهوزنة الناس للدخول في الرقمنة، أي المستهلكين والمستخدمين والعاملين في مؤسسات والأشخاص الذي يقودون عملية الرقمنة والتكنولوجيات الداعمة لها، بالإضافة إلى وجود دول تفتقر إلى البنية التحتية اللازمة لذلك وكلفة تأمينها العالية. وإذا تحدثنا بشكل أساسي حول دول مجلس التعاون الخليجي، فالبنى التحتية فيها متوفرة نتيجة حجم الاستثمار وعلى الأرجح بسبب سرعة التحرك والمبادرة في هذا المجال، بينما بعض الدول الناشئة أو التي تعاني من مشاكل مالية أو بطيئة في التحرك تعاني من بنية تحتية غير مهيأة لدخول عصر الرقمنة.

في الشق المتعلق بالأفراد، وعلى مستوى المنطقة ككل، فهي تمتاز بعدد سكانها الكبير من فئة الشباب، مما يعني قدرة أعلى على استيعاب جميع الأدوات الرقمية والاتصال من خلالها، وإذا أخذنا بعض الدول حيث هنالك نوع من المحدودية مثل محدودية اجتماعية ومحدودية في السفر إلخ، فإن الرقمي يعني الانفتاح على العالم ورؤية العالم من دون الحاجة إلى التنقل، مما يسهل الوصول إلى عدد كبير من الأمور على الرغم من بعض القيود سواء كانت اقتصادية أم اجتماعية، علماً أننا منخرطون على نطاق واسع في العالم الرقمي، فإذا أخذنا حجم انتشار الهاتف المحمول، يصل في بعض الدول إلى جهازين لكل شخص، وهو رقم مرتفع".

وعن جاهزية قطاع الرفاهية، فقد كان بطيئاً عموماً في الانخراط في العالم الرقمي إذ لطالما اعتمد على مقاربة تقليدية للوصول إلى الزبائن انطلاقاً من اعتقاد سائد بأن الناس ليحصلوا على التجربة، يحتاجون إلى الإحساس واللمس والحوار ومعرفة القصة إلخ، وبالتالي فضلت صناعة الرفاهية التجربة المادية في جوانبها كافة، لكنها باتت الآن منخرطة بالكامل ليس فقط بسبب كوفيد-19، إنما حتى قبل ذلك بسبب الضغوط في بعض الأسواق".

كوفيد-19 سرع عملية التحول

ويتابع: "في ما يخص مجموعتنا، نحن كذلك تأخرنا بعض الشيء. بدأنا تحولنا الرقمي منذ 3 أو 4 أعوام، لبناء البنية التحتية والوعي والتدريب لتحويل الكثير من الأمور إلى الرقمنة، مثل برنامج تعلمنا وتطورنا الرقمي، والقدرة على خلق موقعنا الخاص بالتجارة الإلكترونية، وأن نكون نشيطين في التواصل الاجتماعي. لقد قطعنا شوطاً كبيراً، على الرغم من أننا لا نزال بعيدين عن هدفنا. وخلال كوفيد-19 سرعنا العملية بشكل كبير إذ ما كان يحتاج إلى شهور للقيام به فعلناه في غضون أيام".

ويضيف: "خلال كوفيد-19 أطلقنا أكثر من 30 موقعاً للتجارة الإلكترونية في غضون ثلاثة أشهر بينما يحتاج إطلاق موقع في العادة إلى ما بين 9 أشهر إلى 15 شهراً. وخلال كوفيد-19 أيضاً أضحى جميع الزملاء مجبرين على اللجوء الى الوسائط الرقمية للتواصل حتى من لم يكن متآلفاً معها في السابق، إذ لم يكن من وسيلة أخرى للتواصل ومواصلة العمل". 

أضف إلى ذلك أننا نعيش في عصر تتطور فيه التكنولوجيا بشكل سريع جداً وهذا الاتجاه المتسارع باقٍ مستقبلاً.

ويلفت الانتباه موضحاً أنه "تخلينا منذ نحو خمسة أعوام من مقاربتنا الدفاعية لمواجهة عمالقة التجارة الإلكترونية، بينما أصبح ذلك اليوم جزءاً من التجربة، وجزءاً منا ومما سيجعلنا أفضل من ناحية التجزئة ومن ناحية الرقمي. لكن ذلك يعني الحاجة إلى الاستثمار الصحيح وإلى التغيير لتحقيق ذلك. لم تعد هنالك حاجة إلى أن نفتح متجراً يقدم المنتجات نفسها في كل زاوية، بل أن نتأكد أن فتح متجر سيوفر كما ذكرت التجربة واللمسة الإنسانية والخدمة وغيرها. هنالك حاجة كبيرة إلى تقديم تجربة فريدة والرقمي سيساعد كثيراً على توفير المزيد من الزبائن إلى متجر التجزئة، مع التأكيد أن دخول العالم الرقمي، يعني وجودنا حيث يوجد الزبون".

اقرأ أيضاً:
صناعة الساعات في 2020: عام الخسائر والصبن تبقى الحصان الرابح

"وكيل تجزئة هجين"

ويختم قائلاً: "لقد انتقلنا من كوننا وكيل تجزئة وموزعاً تقليدياً لمنتجات الرفاهية رائداً في الشرق الأوسط، لنصبح وكيل تجزئة هجيناً Hybrid Retailer يقدم تجربة رفاهية أونلاين وأوفلاين وأينما كان، وهذا يرافقه الاستثمار في الناس، والتعلم، والمال، والتكيف مع التغيرات، والكفاءات على مستويي المتاجر والرقمي. وفي كلتا الحالتين جعل الزبون محور الاهتمام والقيام بذلك بطريقة ذكية وبتطور مستمر، فكل شيء يتحرك باستمرار وعلينا التكيّف مع هذه التغيرات لنكون الأفضل ضمن فئتنا".