بعد حادثة ايفرغيفن: هل تتبنى مصر خيار قناة ملاحية بمجريين متوازيين؟
بعد حادثة ايفرغيفن: هل تتبنى مصر خيار قناة ملاحية بمجريين متوازيين؟
- رشيد حسن
انتهت أزمة السفينة الجانحة "ايفرغيفن"، لكن الحادث غير المسبوق في السجل الطويل لقناة السويس اكتسب أهمية غير متوقعة ليس فقط بسبب مدة الإقفال التي تسبب بها للممر المائي الحيوي وحجم الخسائر التي تسبب بها بل أيضاً بسبب ما أظهره من الاعتماد الهائل للصناعات العالمية المهمة مثل السيارات والأجهزة الإلكترونية وسلع الاستهلاك والمنتجات الغذائية على الشحن البحري الذي يعدّ أرخص وسائل نقل البضائع وأكثرها أماناً وفعالية، وبحيث بات يمكن لتعطل حلقة واحدة في السلسلة الطويلة من عملية الإمداد إلى تداعيات فورية وتأخير مكلف جداً للعمليات الصناعية. وكما شرحنا سابقاً، فإن أحد الأسباب الأهم التي تجعل حادثاً ملاحياً واحداً يتحول إلى أزمة للصناعات في أمكنة واقتصادات متعددة هو تجزئة العملية الصناعية بين دول كثيرة بهدف خفض التكاليف وزيادة طاقة الإنتاج في الوقت نفسه، وقد أظهرت الأنباء كيف أدى الحادث إلى تأخير 100 حاوية قادمة من الصين تحتوي على قطع لصناعات المفروشات لشركة كيا السويدية، وكذلك تأخير رقائق كمبيوتر قادمة من الصين أيضاً ومخصصة لصناعة الكمبيوتر والإلكترونيات في أوروبا ولم يكن هذا المحذور قائماً عندما كانت العمليات الصناعية تتم كلها تقريباً أو معظمها في بلد المنشأ، فإيطاليا أو فرنسا كانتا تصنعان سياراتهما بالكامل في إيطاليا أو فرنسا أو في أسواق الاستهلاك المستهدفة، وشركة أبل كانت تصنع كمبيوتراتها في الولايات المتحدة وقس على ذلك. وقد ساهمت تجزئة العملية الصناعية في خفض تكلفة الإنتاج وتسريع عمليات التجميع كما ساهمت في التنمية الاقتصادية لبلدان نامية، إلا أنها زادت الحاجة لعمليات الشحن البحري والنقل عبر الدول لأنها أضافت إلى السلع المعتادة والمواد الأولية والنفط وغيرها المكونات الأساسية للصناعات المختلفة.
حادث واحد يكفي!
ولأن حادث قناة السويس كشف عن الأهمية الحيوية لانتظام سلاسل الإمداد العالمية فإنه جعل الشركات العالمية والأوساط الملاحية تأخذ مخاطر انسداد الممرات البحرية والمضائق بجدية أكبر من السابق، ولم يعدّ سبباً كافياً لتجاهل تلك المخاطر القول بأن حادث قناة السويس استثنائي، لأن مجرد احتمال حصول الحادث ولو لمرة واحدة بات يعتبر خطراً داهماً على سلاسل الإمداد والعمليات الصناعية في العالم، وليس هذا فحسب، بل إن حساب المخاطر وضرورة التحسب لها امتد ليشمل الممرات كافة أو ما بات يسمى "نقاط الاختناق" الملاحية وهي خمس أو ست نقاط حول العالم تمر عبرها النسبة العظمى من السلع وحركة التجارة الدولية. وإلى احتمال جنوح باخرة عملاقة مثل ايفرغيفن بات يضاف الآن احتمال هجمات سيبرانية على سلطات إدارة الممرات وعلى أنظمة التشغيل والاتصال التي يعتمد عليها التحكم بحركة البواخر في تلك الممرات، أو حصول عمليات إرهابية بقصد تعطيل الملاحة في الممر المستهدف. ورغم أن حادث قناة السويس لم يعطل الملاحة أكثر من أسبوع ورغم ما أظهره من كفاءة السلطات الملاحية المصرية في معالجة الوضعية المعقدة للباخرة الجانحة، فإنه تسبب بصدمة للشركات الصناعية بحيث أنه استثار على الفور عملية إعادة تقييم في تخطيط العمليات الصناعية بهدف تخفيف الانكشاف على الحوادث البحرية.
خيارات مصر
لكن ماذا عن قناة السويس نفسها؟ وهل هناك دروس يمكن استخلاصها من الحادثة، أم أن السلطات المصرية ستعتبر أن ما حصل هو في ترتيب الاحتمالات أبعدها حدوثاً وأن ما يتعين عليها القيام به هو ربما رفع كفاءة إدارة الملاحة في القناة إلى مستويات أكثر تقدماً وربما استخدام تقنيات التحكم الروبوتي أو تقنيات الذكاء الاصطناعي، وفي الوقت نفسه استقدام معدات ثقيلة وذات قدرات شفط أو قطر أو شد ضخمة تحسباً لاحتمال تكرر حادثة الباخرة البانامية ولضمان أن تتم معالجة الأمر في وقت أقصر في حال تكرره في المستقبل.
ويجب التأكيد على أن مصر وبمبادرة من الرئيس عبد الفتاح السيسي قامت بإنجاز كبير قبل ست سنوات عندما نفذت مشروعاً ضخماً لبناء ما سمي قناة السويس الجديدة وذلك بتكلفة 8.5 مليارات دولار وتم إنجاز العمل في سنة واحدة فقط. وتضمن المشروع حفر قناة جديدة بطول 35 كيلومتراً وتوسيع القناة وتعميق مجراها في منطقة البحيرات المرة على طول 37 كيلومتراً مما يعني أن طول القناة الجديدة بلغ نحو 72 كيلومتراً وذلك مقابل طول القناة البالغ 190 كيلومتراً.
وكما يلاحظ من الرسم، فإن مشروع القناة الجديدة لم يستهدف خلق قناة سويس جديدة موازية للقناة الأصلية على طول المجرى الملاحي بل استهدف خلق ازدواج يغطي 50 في المئة من الرحلة البحرية، إلا أنه يساهم في الوقت نفسه في تسهيل الملاحة في القناة بما يسمح بتقليل زمن العبور من 18 إلى 11 ساعة للبواخر المتجهة شمالاً، وتقليل زمن الانتظار للسفن إلى 3 ساعات بدلاً من 8 أو 11 ساعة ومضاعفة حركة المرور من 49 سفينة إلى 97 سفينة يومياً في حلول العام 2023.
قناة بمجريين متوازيين؟
لقد كان حفر القناة الجديدة خطوة جريئة ولا شك من قبل الدولة المصرية، وقد اعتبرت السلطات يومها أن هذا القدر من التوسعة كافٍ لاستيعاب الطلب الإضافي على القناة وتسهيل حركة الملاحة فيها، واعتبرت في الوقت نفسه أن حفر قناة ثانية على طول المجرى الملاحي خطوة غير ضرورية ومكلفة وقد يصعب تبريرها اقتصادياً. إن السؤال الآن هو هل تؤدي حادثة انغلاق مجرى قناة السويس وما تسبب به من تداعيات إلى إعادة النظر في الموقف المصري من بناء قناة جديدة على طول الخط الملاحي للقناة الأصلية؟ وهل يمكن الآن إيجاد مبررات اقتصادية لخطوة بهذا الطموح، وهي خطوة ممكنة تقنياً وأظهر حفر القناة الجديدة سنة 2015 أنها قد لا تتطلب وقتاً طويلاً، كما إنها قد لا تجد صعوبة في إيجاد التمويلات عبر صيغ مبتكرة لشراكات مع القطاع الخاص أو طرح نسبة من أسهم الشركة للاكتتاب العام مع ربط مشروع تطوير القناة بمشاريع للاستغلال العقاري والسياحي والتجاري للمنطقة التي ستتكون حول المجرى المائي الموسّع؟
الأكثر قراءة
-
المركزي الصيني: 98.5 مليار دولار تسهيلات إقراض متوسط الاجل
-
الخزانة الأميركية تعتزم بيع سندات طويلة الأجل بـ 183 مليار دولار الأسبوع المقبل
-
"جلف كابيتال" قوة استثمارية مؤثرة في الخليج وآسيا
-
ماذا تتضمن نشرة الإحصاءات الزراعية في السعودية لعام 2023؟
-
قطر: شراكة بين وزارة الاتصالات و"ستارتب جرايندر" لتعزيز الابتكار وريادة الأعمال