لبنان: ما هو مصير سعر صرف الدولار أمام الليرة؟
لبنان: ما هو مصير سعر صرف الدولار أمام الليرة؟
- كريستي قهوجي
مع كل ارتفاع في سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية، "تنقص قيمة" المواطن اللبناني يومياً في ظل الأوضاع الاقتصادية المتردية التي يعيشها، وتراجع قدرته الشرائية، وغلاء الأسعار، حيث بات بالتالي أسير التطبيقات الالكترونية "الناطقة" باسم السوق السوداء والمافيات الذين يتحكّمون بها بعيداً عن أعين الدولة "الساهرة" أصلاً على مصالح زعمائها. وشكّل ارتفاع سعر الصرف السريع إلى عتبة الـ20 ألف ليرة خلال شهر ونصف الشهر صدمة جديدة وقعت على كاهل الفقير الذي ازداد فقره ومتوسط الحال الذي أصبح راتبه لا يساوي شيئاً.
فما هي الأسباب الحقيقية لارتفاع سعر الصرف وما هي التوقعات حوله وما هي الحلول المقترحة لإعادة ضبطه؟
الخوري: لبنان فقد قدرته على استقطاب الاستثمارات الخارجية
وفي هذا السياق، يشير الأكاديمي والباحث الاقتصادي البروفسور بيار الخوري في حديث إلى "أولاً- الاقتصاد والأعمال" إلى أن هناك نوعين من الأسباب التي أدت إلى ارتفاع سعر صرف الدولار أمام الليرة، حيث إن الأسباب الأولى موجودة في الاقتصاد الحقيقي والأسباب الثانية في سوق المضاربة.
ويوضح الخوري أنه في الاقتصاد الحقيقي فقد لبنان قدرته على استقطاب الاستثمارات الخارجية والتحويلات المالية بسبب اعتماد نظام توليد الدخل في الفائدة، مشيراً إلى أنه لم يتم تحويل هذه المبالغ من أجل نمو اقتصادي يستطيع أن يضع إطاراً مستداماً لاستقطاب الرساميل والتحويلات المالية، مضيفاً أن الأموال التي دخلت إلى البلاد خلال السنوات الماضية استُخدمت في الاستهلاك، والاستيراد، وتمويل نفقات الطبقة السياسية والزبائنية المرتبطة بها، وإعادة توريدها إلى الخارج، وتهريب الرساميل حتى وصل الأمر إلى أن أصبحت الاحتياطات الرسمية اللبنانية أعجز من أن تلبّي الطلب على الدولار، لافتاً النظر إلى أن عرض العملة الأميركية أصبح أقل من الطلب عليها في السوق مما أدّى، بالتالي، إلى ارتفاع سعر صرف الدولار أمام العملة الوطنية وهذه من الأسباب الجوهرية.
سيطرة المافيات
ومن ناحية سوق المضاربة، يذكر الخوري أنه عندما تصل دولة ما إلى وضع مالي صعب يتدخل في العادة وسيط عبر تحويل سعر الصرف إلى سعر عائم بحسب العرض والطلب، مشيراً إلى أن السلطات في لبنان أنشأت سوقاً تمييزية للأسعار بحيث بات هناك 4 أسعار لسعر صرف الدولار مقابل الليرة (السعر الرسمي 1500 ليرة، 3900 ليرة، سعر منصة صيرفة 15000 ليرة وسعر السوق السوداء 19500 ليرة)، موضحاً أن هذه الخطوة تقوّي قدرة محتكري النقد على السيطرة على السوق والتحكم بكل شيء، ما يعني أن فوق العوامل الأساسية تتدخل مراكز مالية متموّلة لتتحكّم بالعرض والطلب بعيداً عن السوق الطبيعية التي تتحكّم بسعر الصرف في الاوقات العادية، بالإضافة إلى وجود مزاج سيىء تجاه التوقعات السلبية في لبنان مما يؤدي حكماً إلى ارتفاع سعر الصرف بشكل أكبر.
ويؤكد أن ما يحصل ليس سببه العناصر الاقتصادية التي لا تتذبذب بنسبة 40 في المئة خلال 10 أيام، موضحاً أن هذه العوامل تعطي اتجاهاً معيّناً وتساعد على كيفية قيام السوق بالحوكمة لضبط الأسعار، مشيراً إلى أنه لو كانت الأسعار محررة لكان هناك حوكمة سليمة واستطاعت السوق القيام بها وحدها من دون الحاجة إلى تدخل من أحد، مضيفاً بما أنه جرى ضبط أسعار الصرف بطريقة اصطناعية في لبنان فقد تم فتح الأبواب أمام المافيات لتدخل وتتغلغل في قلب النظام وتسيطر على ما يعرف اليوم بالسوق السوداء والتي من خلالها تعرض أو تقيّض العرض. ويضرب مثالاً على ذلك وهو أنه على الرغم من وجود عدد كبير من المغتربين في لبنان خلال فصل الصيف والذين يدخلون معهم العملة الصعبة، فإن سعر صرف الدولار مقابل الليرة مستمر في الارتفاع بسبب تحكّم المافيات في هذا القطاع مما يؤدي إلى اختفاء العنصر الاقتصادي لصالح السوق السوداء.
لبنان لا يزال في دوّامة ارتفاع سعر الصرف
وحول توقعاته لسعر الصرف، يلفت النظر إلى أنه عندما يسيطر المحتكرون على سوق ما تصبح كل التوقعات عبارة عن اتجاهات، مشيراً إلى أن لبنان لا يزال في دوّامة ارتفاع سعر الصرف لأن العناصر التي تشكّل السبب إن كانت العناصر الحقيقية في الاقتصاد كالزيادة في طباعة العملة اللبنانية، أو عناصر الحوكمة أي احتكار سوق النقد الأجنبي في بيروت كلها تدل على أن الاتجاه تصاعدي، مبيناً أنه من الممكن أن تحصل عمليات ارتدادية وجني أرباح تؤدي إلى انخفاض سعر الصرف وذلك بسبب قدرة السوق الاحتكارية على إدارة السعر صعوداً وانخفاضاً للحفاظ على أرباحها.
ويشير إلى أنه في شكل عام وبعيداً عن المشهد الحالي، فإن سعر الصرف لا يزال سائراً في الاتجاه التصاعدي ولا أحد يستطيع أن يعرف إلى أين ممكن أن يبلغ خصوصاً في حال استمرت الأزمة الاقتصادية لفترة طويلة، مستشهداً بقول الرئيس السابق للجنة الرقابة على المصارف في "مصرف لبنان" سمير حمود بأن الدولار قد يصل إلى 999 ألفاً و999 ليرة، معتبراً أن الانهيار يمكن أن يقود البلاد إلى محطات غير مسبوقة.
شلوق: أسباب هيكلية وتقنية ونفسية وراء ارتفاع سعر الصرف
من جهته، يشير العميد السابق في الجامعة اللبنانية وأستاذ العلوم الاقتصادية د. غسان شلوق الى أن هناك مجموعة من الأسباب أدّت إلى ارتفاع في سعر صرف الدولار امام الليرة وهي تتنوّع بين الاسباب الهيكلية والاسباب التقنية والاسباب النفسية.
ويقول شلوق إن الأسباب الهيكلية تتعلّق بالمشاكل الاقتصادية البحتة انطلاقاً من العجز الهائل في الميزان التجاري مروراً بمشاكل الإنتاج ووصولاً إلى ميزان المدفوعات القائم على تحويلات المغتربين اللبنانيين وعلى المساعدات الدولية، معتبراً أن الاقتصاد اللبناني كان قائماً على عناصر ظرفية غير جديّة، فيما العناصر الجدية البحتة كانت تشير كلها إلى مشاكل جوهرية كبيرة ترافقت مع مشاكل ضخمة بمالية الدولة، وتمثّلت بالعجز الهائل للمالية الذي تراكم خلال السنوات الماضية مقابل فوائد مرتفعة كلّفت عجزاً إضافياً في الفترة الأخيرة.
ويوضح أن الأسباب والعناصر التقنية لعبت دوراً أكبر من الأسباب الجوهرية وهي تتمثّل بالضغط على سعر الصرف 1500 ليرة لمدة طويلة، مشيراً إلى أن هذا السعر غير طبيعي وبالتالي فإن المحافظة عليه بتكاليف عالية لفترة طويلة أدى إلى ردّة فعل شرسة، مضيفاً أن الناس التي تمتلك دولارات غير مستعدة لبيعها في ظل الطلب المتزايد على العملة الأميركية وبالتالي فان شحّها في الأسواق سيزيد من اسعارها وفقاً لقاعدة العرض والطلب.
وعن الأسباب النفسية، يوضح شلوق أن هناك أزمة ثقة في النظام والسلطة والدولة تتمثّل بالهروب من الليرة اللبنانية وبالهجرة الى الخارج وبحالة الإحباط الموجودة وبالمشاكل النفسية عند المواطنين.
السعر الحالي للدولار ليس السعر الواقعي
وحول توقعاته لسعر الصرف، يرى أنه من الناحية التقنية يمكن لسعر الصرف أن يصل إلى 20 ألف ليرة أو يرتفع أو ينخفض ولكن من الناحية الاقتصادية فإنه يرى بأن هذا السعر ليس السعر الاقتصادي لليرة مقابل الدولار تماماً كما إن سعر 1500 ليرة لم يكن سعراً اقتصادياً وواقعياً لليرة، مشيراً إلى أنه لا يمكن معرفة السعر الحقيقي لهذا الأمر، لافتاً النظر إلى أنه في حال تمّ تشكيل حكومة جدية وإصلاحية في القريب العاجل فالدولار سينخفض بسرعة، ويرى أنه من الناحية التقنية سيرتاح الدولار قبل ان يرتفع او ينخفض من جديد في حال استمر الوضع على حاله في الوقت الراهن.
ما هي الحلول؟
وحول الحلول، يرى الخوري أنه يجب وجود استقرار يفترض حكومة وسلطة فاعلة يمكن أن يتم التواصل معها وذلك من خلال ايجاد صدمة إيجابية في البلاد، بالإضافة إلى القيام بإصلاحات اقتصادية وجذرية في القطاعات الاقتصادية كافة كقطاع الكهرباء مثلاً، ويضيف أنه يجب إيجاد سياسة مالية صحيحة وواضحة من خلال وزير مالية متخصص في هذا القطاع.
أما شلوق فيشير إلى أن الحل السياسي هو من أبرز العناصر التي تقف بوجه ارتفاع سعر الصرف وذلك عبر تشكيل حكومة لديها برنامج إصلاحي جذري لكل القطاعات الاقتصادية مشدداً على أن غياب الحل السياسي والاقتصادي سينعكس على ارتفاع سعر الصرف بشكل سلبي، موضحاً أن سعر الصرف يعكس قوة الاقتصاد الوطني والثقة بمستقبله ونظام الحوكمة في السوق مشيراً إلى أن غياب الاصلاحات الاقتصادية لن يؤدي إلا إلى المزيد من التدهور، مشدداً على ضرورة وجود آفاق مستقبلية للنظام الاقتصادي.
الأكثر قراءة
-
المركزي الصيني: 98.5 مليار دولار تسهيلات إقراض متوسط الاجل
-
الخزانة الأميركية تعتزم بيع سندات طويلة الأجل بـ 183 مليار دولار الأسبوع المقبل
-
"جلف كابيتال" قوة استثمارية مؤثرة في الخليج وآسيا
-
ماذا تتضمن نشرة الإحصاءات الزراعية في السعودية لعام 2023؟
-
قطر: شراكة بين وزارة الاتصالات و"ستارتب جرايندر" لتعزيز الابتكار وريادة الأعمال