مقوّمات الحياة إلى الجحيم .. وسكّان لبنان إلى "المقصلة"
مقوّمات الحياة إلى الجحيم .. وسكّان لبنان إلى "المقصلة"
- علي زين الدين
عجيب أمر السلطة، بكل مكوّناتها في البلد المنكوب. فهي تتلهّف لوضع "اليد" الغليظة على 860 مليون دولار سترد إلى لبنان في نهاية الشهر المقبل، وتمثّل حصّة لبنان من حقوق السحب الخاصة لدى "صندوق النقد الدولي"، أي إجمالي مساهماته من اشتراكات العضوية، بينما هي بدّدت بالتشريع وبالقوانين وبالأمر والنهي، أكثر من 15 مليار دولار خلال أشهر الأزمة للإنفاق على عجز الكهرباء ودعم تمويل مستوردات استراتيجية وأساسية.
فبمعزل عن "الاستعصاء" السياسي، تمضي "الدولة" في قيادة البلاد إلى أتون "الكساد المتعمّد" غير عابئة بالتّهم المباشرة التي تمطر على أركانها من قبل المجتمع المدني المحلي، ولا من قبل المجتمع الدولي دولاً ومؤسسات، بل هي ترنو إلى مزيد من "إجبار" حاكمية مصرف لبنان ومجلسه المركزي على فتح خزنة الاحتياطي الإلزامي للودائع "المحبوسة"، حتى لو اضطرت الى "تغليفه" بمظلّة التزامات قانونية وضمانات واهية اشترطها رياض سلامة.
الأنكى أن تتزامن الذكرى السنوية الأولى لكارثة انفجار مرفأ بيروت، مع نقل البلد وناسه الى أتون "جهنّم" الموعودة. ففي غضون أيام لا أسابيع، سيُضمّ السكان إلى لوائح "المفقودات" التي دشّنتها المحروقات والأدوية: الغذاء، الكهرباء، الخبز، المياه، الغاز المنزلي، المحلات والسوبرماركت والمطاعم وسواها. ومن يدري فقد تتفق العبقرية الحاكمة عن تقنين الهواء، تماماً كما أخرجت غصباً نخب الإنتاج والإبداع في الاقتصاد والمجتمع من أطباء ومهندسين وأساتذة وخبراء مهنيين إلى أرض الله الواسعة، وألزمت الصامدين من السكّان بقلب قواعد سلوكهم وتصرفاتهم، وحشرهم في طوابير الذلّ اليومية، وحولّت مؤسسات البلد وقطاعاته المتميّزة إلى هياكل شبه أثرية، فصارت البنوك شركات صرافة، وتحوّلت المستشفيات الى مستوصفات، فيما يتفشى الوهن في صروح الجامعات والمدارس.
يدرك الناس جيّداً، أنه محزن للغاية ما جاهرت به نجاة رشدي، نائب المنسّقة الخاصة والمنسّقة المقيمة ومنسّقة الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة في لبنان، بأنّ اللبنانيين، الذين لطالما عرفوا بضيافتهم وسُفرهم الغنية، مهدّدين اليوم بحقّهم بالحصول على الغذاء الكافي بسبب الارتفاع المستمر في أسعار السلع نتيجة الأزمات المتلاحقة في البلاد.
ومؤلم للغاية، أن تصرخ منظمة "اليونيسيف" بأن أكثر من 4 ملايين شخص، من بينهم مليون لاجئ، يتعرّضون لخطر فقدان إمكانية الحصول على المياه الصالحة للشرب في لبنان، وهذا الخطر مردّه إلى أن معظم محطات ضخّ المياه ستتوقف تدريجيّاً في مختلف أنحاء البلاد في غضون 4 الى 6 أسابيع مقبلة.
وتقول رشدي، في حوار افتراضي حول كيفية جعل النظام الغذائي في لبنان أكثر سلامةً وقوةً وإنصافاً، إنّ "الناس عاجزة عن توفير احتياجاتها الغذائية الأساسية وتستبدل الوجبات الصحيّة بخيارات أرخص غير صحية، مما يهدّد أمنها الغذائي".
وتزاجلها يوكي موكو، ممثلة "اليونيسيف" في لبنان "إن افتقار الوصول الى إمدادات شبكة المياه العامة قد يجبر الأسر على اتخاذ قرارات صعبة للغاية في ما يتعلق بحاجاتها الأساسية من المياه والصرف الصحي والنظافة. فقطاع المياه في لبنان يتعرّض للخراب والدمار بسبب الأزمة الاقتصادية الحالية التي يمر فيها لبنان، وهو غير قادر على العمل بسبب عدم قدرته على دفع كلفة الصيانة بالعملة الأجنبية، بالدولار، وخسارة المياه الناجمة عن فاقد المياه، الذي يتزامن مع انهيار شبكة الكهرباء، ومخاطر ارتفاع كلفة المحروقات".
في الأثناء، يلوّح اتحاد المخابز والافران من أزمة رغيف على الأبواب اعتباراً من الأسبوع المقبل بسبب فقدان مادة المازوت، حيث ستضطر بعض الأفران والمخابز للتوقّف بعد نفاد الاحتياط المتوفر لديها من هذه المادة، في حين أعلنت مديرية النفط عن نفاد هذه المادة لديها، علماً أن مادة المازوت متوفرة في السوق السوداء بسعر 140 الف ليرة للصفيحة الواحدة.
وتنذر نقابة اصحاب السوبرماركت من "انقطاع مادة المازوت وعدم قدرة هذا القطاع الحيوي من الحصول عليها، لما لذلك من تأثير سلبي على سلامة المواد الغذائية التي تحتاج الى تبريد"، ولاسيما أن "الكثير من المواد الغذائية الموجودة في السوبرماركت بحاجة الى برادات وأخرى الى درجات حرارة منخفضة نسبياً، لذلك فإن انقطاع كهرباء الدولة وتوقّف مولدات السوبرماركت عن العمل بسبب عدم وجود مادة المازوت سيؤدّيان حتماً الى الإضرار بسلامة المواد الغذائية".
كما تحذّر نقابة العاملين والموزعين في قطاع الغاز ومستلزماته، من فقدان قوارير الغاز من الأسواق، وذلك جرّاء فقدان مادة المازوت التي تعمل على أساسها آليات موزّعي الغاز. وطالبت وزارة الطاقة بتأمين هذه المادة واستثناء الموزّعين وإعطائهم مادة المازوت ليستمر التوزيع في كل لبنان، وإلا سنكون أمام مشكلة أساسية جديدة تواجه اللبنانيين في حياتهم، خصوصاً وأن مادة الغاز من الحاجات الأساسية.
وتعلن بدورها، نقابة أصحاب المطاعم والمقاهي والملاهي والباتيسري حال الطوارئ السياحية، في ظل فقدان مادة المازوت حتى في السوق السوداء، وتحذّر من إقفال المؤسسات السياحية أبوابها خلال الـ48 ساعة الآتية، منوهةً بأن الكهرباء والمولدات هما حاجتان أساسيتان للمؤسسات المطعمية للمحافظة على المواد الأولية وسلامة الغذاء وللتحضير لوجبات الغداء والعشاء. وإذا اضطر الأمر، سيلجأ أصحاب المؤسسات المطعمية إلى الاعتماد على واحدة من الوجبتين إما الغداء أو العشاء، ما سيؤدي حتماً إلى كارثة.
يوجز تجمع أصحاب الصيدليات أحوال القطاعات بتوصيف حالهم أن "الحالة المأساوية التي وصل اليها القطاع الدوائي في لبنان أصبحت تنذر بعواقب خطيرة على الأمن الصحي مما يستدعي تدخلاً سريعاً من قبل وزارة الصحة لإيجاد حل عاجل للمشكلة المتفاقمة منذ أشهر، فالحلول الجزئية التي اعتمدتها وزارة الصحة في التعاطي مع مشكلة الدواء فاقمت، للأسف، المشكلة بدل أن تؤدي إلى حلّها. وأمام هذا الواقع المؤسف وبانتظار توفّر الادوية من المستورد او بدائلها لتلبية حاجة المرضى، نجد أنفسنا مضطرين للتوقّف القسري عن العمل اعتباراً من صباح يوم الجمعة 23 تموز/يوليو الحالي وإلى حين اتفاق وزارة الصحة مع نقابة المستوردين على تسليم الأدوية للصيدليات ورجوع وزير الصحة عن قراره باقتطاع جزء من جعالة الصيدلي بمخالفة صريحة وواضحة للقانون".
وبعد ..
لنفترض أن بعض الأموال والمدّخرات متوفرة في جيوب الناس وخزائنهم، فما نفعها طالما ستقفل الأفران تباعاً. محطات المحروقات بالكاد تضخّ البنزين في خراطيمها، فلا نقل ولا انتقال. لا أمل بتوفّر المازوت حتى لو تم فتح اعتماد لتفريغ باخرة جديدة تلبي الاحتياجات الملحة لأيام قليلة لا تتعدى منتصف الأسبوع المقبل. ستضطر المستشفيات إلى إطفاء تجهيزاتها الطبية كافة، وربما تكتفي بقسم الطوارئ. سيتوقف ضخ المياه. لا كهرباء من المؤسسة ولا من المولدات الخاصة المهددة بالإطفاء. لا مطاعم ولا مقاهي.
باختصار، لا حياة آدمية في "سويسرا الشرق".
الأكثر قراءة
-
المركزي الصيني: 98.5 مليار دولار تسهيلات إقراض متوسط الاجل
-
الخزانة الأميركية تعتزم بيع سندات طويلة الأجل بـ 183 مليار دولار الأسبوع المقبل
-
"جلف كابيتال" قوة استثمارية مؤثرة في الخليج وآسيا
-
ماذا تتضمن نشرة الإحصاءات الزراعية في السعودية لعام 2023؟
-
قطر: شراكة بين وزارة الاتصالات و"ستارتب جرايندر" لتعزيز الابتكار وريادة الأعمال