الدروس المستفادة من تطبيق الحلول الرقمية في الأسواق الناشئة

ندرك اليوم، وضمن إطار مُهمتنا لتعزيز فرص توافر الأدوية، أن تحسين جهود الابتكار في القطاع الدوائي لا يكفل وحده إحراز التقدم الكافي والمستدام لضمان سلامة الأفراد ممن هم بأمس الحاجة للأدوية، وخصوصاً في الأسواق التي تفتقر فيها أنظمة الرعاية الصحية إلى التطوّر اللازم. ويستوجب ذلك التركيز بشكلٍ أكبر على معالجة الحواجز والعقبات الكبرى التي تمنع الأفراد من تلقي العلاجات التي يحتاجونها.

ويساعد تطبيق التقنيات الحديثة في معالجة الكثير من تلك التحديات، على أن يترافق ذلك مع مُراعاة مدى تباين تأثير التقنيات الرقمية ومدى انتشارها بين المجتمعات في مختلف أنحاء العالم، كما تدرك جميع دول العالم المنافع المتنوعة للتقنيات الرقمية استناداً الى مدى تطور كل منها. فعلى سبيل المثال، تفتقر شريحة كبيرة من سكان الدول ضمن الأسواق الناشئة إلى إمكانية الوصول إلى شبكة الإنترنت. وبرغم دور التقنيات الرقمية في إحداث نقلة نوعية في منظومات الرعاية الصحية عموماً، ستكون التحسينات الفعلية على مستوى المجتمعات المحلية محدودة النطاق في ضوء الوتيرة الحالية للتطور التقني ومستويات التعليم في كل سوق. وآمل في هذه المقالة مشاركة بعض الدروس المرتبطة بالاستفادة من التقنيات الرقمية لتحسين الوصول إلى أنظمة الرعاية الصحية في الأسواق الناشئة.

المخاوف المرتبطة باعتماد الحلول الرقمية

تغيّرت الصورة النمطية المرتبطة بمقاومة استخدام التقنيات الجديدة بشكلٍ جذري، وبرهنت تجربتنا على وجود طرق مناسبة للتغلب على هذه المشكلة، برغم أن أفراد الجيل الأكبر سناً والأقل خبرة من ناحية التكنولوجيا قد يواجهون صُعوبات في التأقلم مع الخدمات الجديدة. وينبغي في هذا الإطار تسليط الضوء على دور الخدمات التقنية الجديدة في تحسين أنماط الحياة، مع بذل جهودٍ دؤوبة لمساعدة الجيل الأكبر سناً على استيعاب هذه الخدمات والتغييرات التقنية، ومن غير المستغرب أن يترافق الاعتماد الناجح للتقنيات الجديدة مع تحوّل أفراد الجيل الأكبر سناً إلى سفراء يدعمون مزايا التقنيات المتطورة، ويروّجون لها بين أفراد آخرين في مجتمعاتهم، مما يساعد في نهاية المطاف على رفع معدّل استخدام تلك التقنيات وزيادة انتشارها.

دور البنية التحتية التقنية القائمة

يؤدي الاعتماد على التقنيات الجديدة إلى تحسين توافر الأدوية، ولكن نجاح هذه الجهود يعتمد بشكل كبير على البنية التحتية التقنية القائمة حالياً. وعلى الرغم من الأفكار الواعدة والحلول المتميزة التي يمكن أن تنتج عن التطورات في مجال الابتكار الرقمي، إلا أنها قد لا تؤتي ثمارها في حال عدم قدرة البنية التحتية الحالية على مواكبة وتيرة الابتكار. وعلى سبيل المثال، يمكن أن يساهم إطلاق تطبيق جديد في تحسين أنظمة الرعاية الصحية، ولكن لن تجدي الجهود الرامية لتحقيق هذا الهدف في حال عدم امتلاك المستفيدين المستهدفين لأجهزة محمولة، أو في حال كانوا غير قادرين على التعامل مع ذلك التطبيق.

تنوّع قوانين البيانات

تختلف القوانين المتعلقة بالبيانات من دولة إلى أخرى، مما يؤثر على خطط نشر الحلول التقنية، خصوصاً عندما يتعلق الأمر ببيانات المرضى، نظراً إلى تزايد إجراءات التدقيق بشأن آلية تنظيم عمليات تخزين البيانات ومعالجتها في بعض المناطق. فيمكن مثلاً أن يؤدي اختلاف معايير خصوصية البيانات وتشريعاتها بين أوروبا ومنطقة الشرق الأوسط إلى ضرورة التزام الشركات بتقديم إيضاحٍ بشأن التوجيهات حول المعايير التي ترغب باعتمادها وتنفيذها، خصوصاً عندما تكون البيانات مملوكة و/ أو مُستضافة من قبل مؤسسة خارجية.

التدريب وفوائد الشراكات

يلعب التدريب دوراً جوهرياً في توسيع نطاق الحلول التقنية بطريقة مستدامة على المدى الطويل، لذا تبرز حاجة ماسّة لمواصلة توفيره، جنباً إلى جنب مع ضمان المشاركة المجتمعية عبر التعليم، على الرغم من التحديات التشغيلية التي غالباً ما تبرز عند تقديم التدريب المطلوب. وتحدد الحالة الراهنة للبنية التحتية التقنية مدى فعالية تنفيذ برامج التدريب بالاعتماد على مفاهيم التعلم الإلكتروني، ووجدنا أن التدريب الشخصي المباشر هو الخيار الأكثر كفاءة، رغم مشكلتي التكاليف المرتفعة وبطء وتيرة التغيير اللتين تترافقان مع هذا النهج، كما إن توفير التدريب الشخصي والمباشر يستوجب من الشركات إعداد عمليات مادية بالتوازي مع العمليات الرقمية، ويتطلب منها اغتنام أي فرصة لاستكشاف فرص التعاون مع المنظمات غير الحكومية والهيئات المحلية للحصول على المساعدة اللازمة لتقديم التدريب.

الرصد والتقييم

يُعدّ قياس أثر التكنولوجيا الرقمية وتقييمه مهمة شاقّة، خصوصاً مع اعتماد الشركات على معايير مرجعية ومصادر بديلة للبيانات بسبب نقص البيانات المتاحة للمقارنة، ومع ذلك، ينطوي قياس هذا الأثر على أهمية كبيرة لعملية تقييم الحلول وتحسينها أثناء إعداد البرامج وخلال مراحل تطويرها وتوسيعها، كما تساعد هذه الجهود في إدارة توقعات الجهات المعنية وتأمين الدعم المستمر لمثل تلك المشاريع.

نتائج رئيسية

تتمتع الحلول الرقمية بفرص نجاح كبيرة في الأسواق الناشئة، يتوقف ذلك على مدى طموح وكفاءة الشركاء الذين تختار المنظمات والشركات التعامل معهم. وفي حين يتمتع الشركاء المحليّون بمعارف عميقة حول أسواقهم، إلا أن خبراتهم تتباين من سوق الى أخرى، كما إن السجل الحافل بالإنجازات لبعض الشركاء الدوليين لا يغني عن افتقارهم للخبرة العملية في التعامل مع الأسواق الفريدة، مما قد يشكّل عقبةً أخرى في هذا المضمار. وبغضّ النظر عن التحديات المرتبطة بطرح الحلول الرقمية في قطاع الرعاية الصحية، قد يؤدي تطبيقها في الأسواق الناشئة إلى تحقيق فوائد كبيرة من شأنها تعزيز اهتمام المستثمرين المحتملين بتلك الحلول.