أسعار النفط لا ترتفع فقط بسبب طبول أوكرانيا أو رقص فيينا!
أسعار النفط لا ترتفع فقط بسبب طبول أوكرانيا أو رقص فيينا!
- أحمد عياش
لم تكن التقلبات التي شهدتها أسعار النفط في الأيام القليلة الماضية، سوى عيّنة مما وصفها أخيراً وزير الطاقة الإماراتي سهيل المزروعي، بأنها ناتجة عن "التوترات الجيوسياسية"، لكن هذه التقلبات، لم تحجب الاسباب الاعمق للارتفاعات المتواصلة لهذه الاسعار، والتي يتوقع عدد من الخبراء ان تتجاوز في الصيف المقبل حد الـ 100 دولار للبرميل. فكيف بدت الصورة في الايام القليلة الماضية؟
وفق تقرير لوكالة رويترز أعدّه تشن إيتشو في سنغافورة، فقد استعاد النفط بعضاً من انخفاضه بنسبة تزيد على 2 في المئة في التجارة الآسيوية الخميس في 17 شباط/ فبراير، بعد أن اتهم المتمردون المدعومون من روسيا في شرق أوكرانيا قوات حكومة كييف بقصف أراضيها بقذائف الهاون.
وكان إعلان روسيا عن انسحاب جزئي لقواتها من قرب الحدود مع اوكرانيا، أوصل خام غرب تكساس، الوسيط الأميركي الى 92.98 دولار للبرميل، كذلك أوصل خام برنت الى 94.2. لكن اعلان روسيا هذا، قوبل بتحذير الحكومات الغربية من ان روسيا تقوم ببناء وجود عسكري بالقرب من الحدود الاوكرانية، ما ابقى التوتر محتدماً، وتالياً معاودة اسعار النفط الارتفاع.
في موازاة ذلك، تراجع النفط في وقت سابق، بعد أن قالت فرنسا وإيران إن الطرفيّن أقرب إلى اتفاق، لإنقاذ الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015 مع القوى العالمية، ما عوّض عن التوترات بشأن أوكرانيا.
ومع بدء التبشير بالاتفاق الجديد، ذكرت كوريا الجنوبية، التي كانت في السابق أحد كبار عملاء طهران في مجال البترول في آسيا، انها عقدت محادثات على مستوى العمل حول استئناف واردات البترول الخام الإيراني وفك تجميد الاموال الايرانية.
وفي مذكرة بحثية، قالت مجموعة أوراسيا في حال التوصل إلى اتفاق إن إيران ستكون قادرة على دخول السوق لزيادة الإمدادات بشكل أسرع من أعقاب الصفقة في العام 2015.
ولم تكن أسعار النفط وحدها التي تقلّبت في الايام الماضية، بل كذلك الاسهم في وول ستريت. وكتب كورال ميرفي ماركوس في النيويورك تايمز، أن تراجع المواجهة العسكرية التي أدت إلى انخفاض وول ستريت في الأيام الأخيرة، أظهر علامات على تراجع التصعيد، ما خفف المخاوف بشأن انقطاع إمدادات الطاقة العالمية.
وكان التوتر المتصاعد في أوروبا، قد زاد من المزاج المتوتر بالفعل في وول ستريت بسبب الارتفاع السريع في الأسعار، واحتمال زيادة أسعار الفائدة من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي، علماً أن العامليّن اللذيّن يركز المستثمرون عليهما - أوكرانيا والتضخم - ليسا منفصلين تماماً: فقد كان ارتفاع أسعار النفط مساهماً رئيسياً في التضخم العالمي. وعلى الرغم من ان المستثمرين حصلوا على تأجيل صغير في تراجع اسعار النفط الثلاثاء في 15 شباط/فبراير، قال المحللون إن المخاوف المتعلقة بهما، يمكن ان تستمر في الدفع الى تقلبات كبيرة في الاسواق المالية في المستقبل المنظور.
في المقابل، وفي النيويورك تايمز أيضاً، كتب كليفورد كراوس ان أسعار النفط والغاز شهدت ارتفاعاً منذ أشهر، حيث تعاني البلدان المصدرة مثل ليبيا من مشاكل الإنتاج، وكذلك التعافي السريع للطلب بعد عامين من وباء كورونا. ولفت الانتباه الى ان إنتاج النفط العالمي، لم يواكب نمو الطلب على الرغم من الوباء المستمر. وانخفض إنتاج عدد من أعضاء منظمة البلدان المصدرة للنفط، وحدثت انقطاعات في الإنتاج خارج الكارتل، بما في ذلك في إكوادور وكازاخستان، بسبب الكوارث الطبيعية والاضطرابات السياسية، كما إن تجدد التوتر السياسي قد يدفع ليبيا إلى الحرب الأهلية، الأمر الذي قد يعرض للخطر 300 ألف برميل من الإنتاج أو أكثر. وفي الوقت نفسه، تخلى العديد من الركاب عن وسائل النقل الجماعي بسبب المخاوف من الإصابة بالفيروس التاجي ويقودون المزيد من المركبات.
وقال سكوت شيفيلد، الرئيس التنفيذي لشركة بايونير للموارد الطبيعية، وهي شركة نفط وغاز كبرى في تكساس، إن "الطلب قوي وليس هناك ما يكفي من العرض على المدى الطويل، وبالتالي فإن النفط في نهاية المطاف سيكون أكثر من 100 دولار بغض النظر عن ذلك".
وتوقع تقرير صدر يوم الاثنين في 14 شباط/ فبراير، عن محللين في بنك "آر بي سي"، وهو بنك استثماري، أن تصل أسعار النفط إلى 115 دولاراً للبرميل أو أعلى هذا الصيف، واضاف ان "دورة النفط ستسعر بشكل اكبر حتى تجد مستوى من كبح الطلب".
إلى متى سيستمر ارتفاع أسعار النفط؟ يسأل روبرت رابييه في مقال اورده موقع "أويل برايس" الالكتروني. ويجيب الكاتب باستعراض الحقبة الممتدة ما بين العام 2014 وهذه السنة. ويشير الى ان سعر خام غرب تكساس الوسيط (WTI)، إفتتح العام 2022 عند نحو 75 دولاراً للبرميل (bbl). وفي الأسبوع الماضي، ارتفع السعر فوق 90 دولاراً للبرميل للمرة الأولى منذ العام 2014. وكان ذلك أيضاً في العام الماضي كان سعر خام غرب تكساس الوسيط فوق 100 دولار للبرميل. وخلاصة القول، في النصف الأول من العام 2014، أمضت أسعار النفط معظم الوقت تتأرجح ما بين 100 دولار للبرميل و 105 دولارات للبرميل. لكن طفرة الصخر الزيتي وضعت ملايين البراميل الجديدة من النفط في الأسواق على مدى سنوات عدة، وبحلول منتصف العام 2014 كانت السوق تقترب من حالة الإفراط في العرض. بدأ سعر النفط في الانخفاض، ولكن بعد ذلك في النصف الثاني من العام شرعت أوبك في حرب أسعار لاستعادة حصتها في السوق التي فقدت بسبب طفرة الصخر الزيتي الأميركية، وكانت النتيجة أن القاع سقط من سوق النفط. وبحلول نهاية العام 2014، كان السعر قد انخفض إلى 53 دولاراً للبرميل. وظل السعر مكتئباً طوال العام 2015، وبحلول أوائل العام 2016 انخفض خام غرب تكساس الوسيط إلى أقل من 30 دولاراً للبرميل.
والسؤال الآن هو، ما إذا كان الوضع الحالي أشبه بالنصف الأول من العام 2014، أو ما إذا كان أشبه بالعام 2011، عندما ارتفعت الأسعار إلى أكثر من 100 دولار للبرميل وبقيت هناك إلى حد كبير للسنوات الثلاث التالية؟ يجيب رابييه:"أود أن أزعم أننا في مكان ما بينهما. في العام 2011، لم تكن الأسواق تعاني من فائض في المعروض، ولكن هذا هو المكان الذي كانت تتجه إليه في نهاية المطاف. لقد زاد إنتاج الولايات المتحدة من النفط بمقدار 600,000 برميل يومياً على مدار العام، ولكننا ما زلنا أقل بمقدار 1.5 مليون برميل يومياً من المستويات التي كانت عليها قبل أن يضرب وباء كوفيد-19 الولايات المتحدة مباشرة. وهكذا، ومع إعادة الطلب إلى مستويات ما قبل الوباء، ما زلنا نعاني من نقص في الإمدادات مقارنة بما كان عليه قبل عامين".
ما يمكن قوله، ان قضية ارتفاع أسعار النفط، مرتبطة كما قال الكاتب في "أويل برايس"، بنقص الامدادات، وستبقى القضية باقية، ولو بدا لوهلة انها مرتبطة ظرفياً بالمخاوف من طبول الحرب التي قد تنشب في أوكرانيا، أو انها مرتبطة بالآمال الناجمة عن "الرقص" في مفاوضات الاتفاق النووي الجارية في احدى قاعات فيينا.
الأكثر قراءة
-
المركزي الصيني: 98.5 مليار دولار تسهيلات إقراض متوسط الاجل
-
"جلف كابيتال" قوة استثمارية مؤثرة في الخليج وآسيا
-
ماذا تتضمن نشرة الإحصاءات الزراعية في السعودية لعام 2023؟
-
قطر: شراكة بين وزارة الاتصالات و"ستارتب جرايندر" لتعزيز الابتكار وريادة الأعمال
-
صندوق النقد الدولي يحذر من النمو المتسارع للديون العالمية: لإجراءات عاجلة تكبح نموها