هل تتجه السعودية لبناء شراكة استراتيجية مع الصين؟
هل تتجه السعودية لبناء شراكة استراتيجية مع الصين؟
- وليد صافي
تمرّ الشراكة الاستراتيجية التي قامت بين السعودية والولايات المتحدة الأميركية منذ أكثر من 77 عاماً، بمرحلة دقيقة اذ تخضع لتغييرات في السياسة الخارجية لكلا البلدين. ويعتبر المسؤولون السعوديون أن الولايات المتحدة الأميركية تتجه منذ عهد اوباما للتخفيف من التزاماتها تجاه المملكة والمصحوب بالتصعيد من جانب إيران. وفي المقابل، ترى ادارة بايدن أن السياسة الخارجية للمملكة، قد بدأت بالتحول منذ بداية عهد الملك سلمان بن عبد العزيز. وبحسب مجلة فورين افيرز "لم يخفِ ولي العهد حقيقة أنه ينوي إعطاء الأولوية لمصالح المملكة في أسواق النفط العالمية ". وتذكر المجلة ايضاً، أنه "لسوء الحظ، تشير تصرفات إدارة بايدن على مدار الخمسة عشر شهراً الماضية إلى أن العديد من صانعي السياسة الأميركيين فشلوا في فهم مدى تغير موقف المملكة بشكل أساسي تجاه الولايات المتحدة، خصوصاً في السنوات الخمس الأخيرة التي انقضت"، وأن "هذا التحول حدث جنباً إلى جنب مع التخفيض المستمر للمصالح السياسية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، حيث قاد بايدن الإدارة الأميركية الثالثة على التوالي التي سعت إلى تقليص الالتزام بالعمل العسكري في المنطقة".
التغييرات الجيوسياسية في مواقف المملكة
بالفعل تتوجس المملكة من اهداف السياسة الخارجية الأميركية ولاسيما في عهد بايدن، إذ إن ثقة المملكة بمدى احترام الولايات المتحدة الاميركية لالتزاماتها الأمنية، اضحت ضعيفة جداً. وبالتالي، تقتضي مصالح السعودية الاستراتيجية، فهم ابعاد هذا التخلي والتعامل مع تحدياته لضمان الامن القومي السعودي.
بالتأكيد، هناك تحول كبير في السياسة الخارجية للمملكة، إذ لم يسبق أن تجاهل مسؤول سعودي كبير، طلب التحدث اليه من قبل الرئيس الاميركي. وتجاهل ولي العهد الامير محمد بن سلمان، طلب التحدث على الهاتف مع الرئيس بايدن، لا يمكن تفسيره فقط من خلال تردي العلاقة الشخصية، وذلك على خلفية قرار ادارة بايدن تجاهله في الاتصالات الرسمية بين البلدين، والافراج عن تقرير استخباراتي عن مقتل الصحافي جمال الخاشقجي، وصفته وزارة الخارجية السعودية "بأنه يتضمن استنتاجات خاطئة وغير مبررة". المسألة ابعد بكثير، حيث يتعلق الامر بنظر قادة المملكة، بالاستهداف لموقعها ومستقبل النظام الاقليمي، وكذلك بالتوجهات المتناقضة القائمة بين تقييم المملكة للتحدي الذي تمثله ايران، وتقييم ادارة بايدن، لما يمثله الاتفاق النووي من أهمية للامن القومي الأميركي. ويبدو أن رؤية بايدن في هذا المجال، تنبع من رحم التحولات التي جرت بعد احداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001، والتي فتحت لايران دوراً اقليمياً كبيراً من خلال احتلال اميركا لكل من افغانستان والعراق. وبالتالي، تستكمل ادارته وفق وجهة النظر السعودية تكريس هذا الدور على حساب المملكة وامنها القومي. هذا التحول في السياسة الخارجية الاميركية، استتبع تحولاً في سياسة المملكة التي سعت لتنويع مصادر التسليح من الصين وروسيا وفرنسا وبريطانيا والهند، وغيرهم من الدول الاخرى، بهدف الحفاظ على استقلالية المملكة وعدم جعل الحفاظ على امنها مرتبطاً بأي دولة بمفردها. ولا شك أن موقفها المتوازن من الحرب في اوكرانيا، شكل إحد التغييرات الجيوسياسية التي تستعد لها السعودية في سياستها الخارجية. فالموقف الذي كان لها اثناء الحرب الباردة من الصراع بين الجبارين، والذي انحازت فيه للولايات المتحدة الاميركية بشكل كامل، لم يعد متاحاً في ضوء الموازين التي يقوم عليها النظام الدولي الحالي، وفي ضوء التحديات الجيوستراتيجية التي نشأت من التحول في السياسة الخارجية الاميركية بعد احداث 2001، وقيام ادارتي اوباما وبايدن بربط الامن القومي الأميركي بسياسة خارجية ادت الى ميزان قوى جديد في المنطقة على حساب حلفاء اميركا التقليديين وفي مقدمهم المملكة العربية السعودية. كما لم يعد متاحاً تجاهل ابعاد السياسة الخارجية الاوروبية التي تتماهى مع السياسة الاميركية هذه، وتتغاضى عن الصعود الاقليمي الايراني. والآمال باستقلالية اوروبية تتلاشى خصوصاً بعد الحرب في اوكرانيا، والتي جعلت امن القارة رهينة القوة الاميركية، وقريباً، تتحول أوروبا من رهينة الغاز الروسي الى رهينة الغاز المسال الاميركي.
تحديات الشراكة مع الصين
المرونة التي تميّزت بها السياسة الخارجية السعودية بعد نهاية الحرب الباردة وقدرة الدبلوماسية السعودية على استثمارها، جعلت المملكة قادرة على تنويع تحالفاتها بما يتوافق مع مصالحها. وتمكنت السعودية بوصفها الاقتصاد الاول في المنطقة - مع ناتج اجمالي نحو 800 مليار دولار -، من الدخول الى مجموعة العشرين G20 في 2008 وقد لعبت دوراً بارزاً في هذه المجموعة التي تمثل 90 في المئة من الناتج العالمي، و80 في المئة من التجارة العالمية، ولاسيما في الازمة المالية العام 2008، وفي مواجهة جائحة كوفيد 19 وتداعياتها على الاقتصاد العالمي، اذ كانت السعودية تتولى رئاسة دورة مجموعة العشرين العام 2020.
قاد خيار المملكة بتنويع علاقاتها الى بناء شراكات تجارية مهمة، مع الهند والصين وبلدان آسيوية اخرى، إذ تشكل الصادرات السعودية النفطية الى آسيا، 70 في المئة من اجمالي صادراتها النفطية. وساهمت زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز الى الصين العام 2017، في نقل الشراكة مع بكين الى مستويات مهمة، بحيث تعتبر السعودية حالياً، أكبر شريك للصين في غرب آسيا وشمال أفريقيا، إذ بلغ التبادل التجاري بين البلدين عام 2020 نحو 67 مليار دولار. وفي الوقت الذي امتنعت فيه الولايات المتحدة الاميركية عن تزويد السعودية بالتكنولوجيا في المجال النووي، اتاحت الشراكة مع الصين الاستفادة من الخبرات الصينية في التكنولوجيا والبدء ببناء مفاعل نووي في السعودية لاغراض سلمية ومصنع للطائرات من دون طيار.
ويقيناً أن السعودية تمتلك مع الصين حزمة من الخيارات التي تمكنها من تعزيز هذه الشراكة واحداث تحولات جيوسياسية مهمة في علاقات المنطقة. ويشكل النقاش القائم منذ فترة بين السعودية والصين، حول امكانية قبول المملكة بتسديد عائداتها من النفط الذي تستورده الصين بعملة اليوان، أحد الخيارات التي تجعل السعودية بحل من الالتزامات التي استمرت اكثر من خمسة عقود، بتقاضي مستحقاتها النفطية بالدولار الاميركي. ولكن يجب أن يخضع استخدام هذه الورقة وتداعياتها لفحص دقيق، اذ علقت وول ستريت جورنال بأن مثل هذا القرار، "قد يفتح الباب أمام الصين لتقديم الرنمينبي كعملة تجارية لخصوم الولايات المتحدة مثل روسيا وإيران"، ويجعل "العقوبات الاقتصادية الأميركية أقل فعالية بكثير". لذلك من المبكر الحكم على قيام السعودية بهذا التحول، وبانتظار زيارة الرئيس الصيني المرتقبة الى السعودية بعد نهاية شهر رمضان، لمعرفة نتائجها والاتفاقات التي ستعقد خلالها، والآفاق التي ستذهب اليها العلاقات، بحيث ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال "بأن هذه الزيارة تأتي وسط تحول في الجغرافيا السياسية في الشرق الأوسط، حيث تتطلع الولايات المتحدة إلى تركيز المزيد من الاهتمام والموارد على آسيا، بينما توسع الصين وروسيا نفوذهما في المنطقة".
كذلك، تمثل السعودية للمشروع الصيني "مبادرة الحزام والطريق"، محوراً مهماً، وذلك من خلال موقعها الجيوستراتيجي المهم، والحجم الذي تحتله عالمياً باحتياطات النفط والغاز، وحاجة الصين الماسة للنفط السعودي. وحسب العربية Net ، "حلت السعودية بنهاية 2020 كثاني أكبر دول العالم من حيث احتياطات النفط المثبتة بـ267.1 مليار برميل، بحصة 17.2 في المئة من الاحتياطي العالمي النفطي، البالغ نحو 1.55 تريليون برميل". ولكن أن تصبح الصين شريكاً استراتيجياً للسعودية، وتحل مكان الولايات المتحدة الاميركية على المدى المنظور، فإن ذلك يستدعي الحذر، حيث ما زال نحو 80 في المئة من واردات الاسلحة الى السعودية، يأتي من الولايات المتحدة، فضلاً عن قطع الغيار والمسائل اللوجيستية والتدريبات والتنسيق الامني الكبير بين البلدين على خلفية الحرب ضد الارهاب. وعلى الرغم من التحولات في السياسة الخارجية الاميركية المتعلقة في المنطقة، والتراجع في الالتزامات تجاه المملكة، لا تزال ادارة بايدن تنظر الى الاهمية الاستراتيجية للسعودية، اذ وصف وزير الخارجية بلينكن العلاقات مع السعودية بأنها "شراكة حيوية"، وقد يشكل الاتفاق الاستراتيجي الذي وقعته الصين مع ايران، واهميتها على الصعيد الجغرافي بالنسبة الى مشروع الحزام والطريق، عقبة امام شراكة استراتيجية صينية سعودية عميقة تعوض غياب الضمانات الأمنية الاميركية. ومن غير المرجح أن يجري اي تحول في السياسة الخارجية الحالية للصين، من شأنه أن يقود بكين إلى التأثير على السلوك الايراني في المنطقة العربية وضبطه بما يتوافق مع مصالح السعودية.
من المؤكد أن السياسة الخارجية للمملكة العربية السعودية، تشهد تحولات كبيرة، لم يكن تصورها منذ عشر سنوات. وفي انتظار معرفة مصير العودة الى اتفاقية العمل المشتركة مع ايران وبيان الخيط الابيض من الخيط الاسود، وما ستؤول اليه الانتخابات النصفية للكونغرس الاميركي، فضلاً عن نتائج الحرب على اوكرانيا وتداعياتها على العلاقات الدولية والتحالفات القائمة، تحتفظ السعودية بالعديد من الخيارات، من تطوير علاقاتها بالصين وتوسيع شراكاتها في آسيا إلى تعزيز تحالفاتها الاقليمية. ولا شك في أن تعزيز العلاقات داخل مجلس التعاون الخليجي، سيعطي المملكة مرونة كبيرة في سياستها الخارجية، ويشكل احدى نقاط القوة في موقعها في المشهد الجيوسياسي الآخذ بالتشكل في المنطقة، كما ستشكل الجهود التي بذلتها المملكة في إقرار الهدنة بين الاطراف في اليمن، من فرصة لانهاء هذه الحرب التي ستتيح للسعودية تركيز الجهود على التحديات التي ستنشأ اذا ما عاد العمل باتفاقية العمل المشترك بين ايران ومجموعة خمسة + واحد. واخيراً السياسة الخارجية الجديدة للمملكة، تكتسب زخماً قوياً من المركز الجيواقتصادي الذي تحتله السعودية، ومن التقدم الذي تشهده رؤية 2030، اذ تحولت المملكة بفضل هذه الرؤية إلى قاطرة النمو الاقتصادي الاقليمي في العقد الحالي، كما تكتسب الزخم، من مركزها الجيوستراتيجي في أسواق الطاقة العالمية، وفي منظمة اوبك + ولاسيما في توفير امدادات الطاقة والتعامل مع التوترات الجيوسياسية الناشئة عن الحرب في أوكرانيا.
الأكثر قراءة
-
المركزي الصيني: 98.5 مليار دولار تسهيلات إقراض متوسط الاجل
-
الخزانة الأميركية تعتزم بيع سندات طويلة الأجل بـ 183 مليار دولار الأسبوع المقبل
-
"جلف كابيتال" قوة استثمارية مؤثرة في الخليج وآسيا
-
ماذا تتضمن نشرة الإحصاءات الزراعية في السعودية لعام 2023؟
-
قطر: شراكة بين وزارة الاتصالات و"ستارتب جرايندر" لتعزيز الابتكار وريادة الأعمال