مؤشر على القوة المتنامية للسعودية في الاسواق العالمية: الأهلي السعودي يشتري 9.9% في بنك كريدي سويس

اصبح البنك الاهلي السعودي أحد كبار المستثمرين في مصرف كريدي سويس الذي يتخذ من زوريخ سويسرا مقراً له ويعتبر أحد أكبر 30 بنكاً في العالم.

وبموجب اتفاق زيادة رأس مال البنك، الذي يواجه مشكلات كبيرة خصوصاً في مصرفه الاستثماري، سيساهم البنك الأهلي بنحو 1.5 مليار فرنك سويسري أو نحو 38.5 في المئة في الزيادة المقررة وهي 4 مليارات دولار، بينما ستتم تغطية الجزء الباقي من مستثمرين آخرين.

ويمكن للبنك الأهلي عقد صفقة شراء الحصة في البنك السويسري من دون الحاجة لموافقات حكومية سويسرية بالنظر لأن الحصة التي اكتتب بها وهي 9.9 مليارات تقل عن الحد الأقصى (10 في المئة) والتي يحتاج استكمالها لإجراءات وتراخيص وإلى إفصاح البنك رسمياً عن الصفقة عبر سوق المال.

سابقة مهمة

وتعتبر صفقة شراء أكبر بنك تجاري في المملكة لأحد أكبر البنوك السويسرية سابقة مهمة، إذ تؤشر من جهة للمشاكل التي تواجهها العديد من المصارف الأوروبية نتيجة ذيول الأزمة المالية العالمية والمعايير القاسية التي جرى تطبيقها في تقييم أصول البنوك ومخاطرها ومعدل كفاية رساميلها كما إنه يشير في الوقت نفسه إلى القوة المالية المتصاعدة للبنوك السعودية والخليجية والصناديق السيادية التي تلعب دوراً متزايداً في المجال الاستثماري العالمي. ومعروف أن البنك الاهلي السعودي مملوك بنسبة 37.2 في المئة من صندوق الاستثمارات العامة السعودي  ونتيجة لحصته المهيمنة في البنك ولخبراته الواسعة في الاستثمارات الخارجية يمتلك تأثيراً كبيرة في  قرارات البنك الاستراتيجية، بل إن الصندوق يمكنه أن يوفر اشكالاً مختلفة من الدعم لضمان نجاح هذه العملية الاستراتيجية. ويمكن القول أيضاً إن البنك الأهلي حصل على الحصة بسعر جيد نظراً لأن سعر سهم البنك السويسري تراجع بنحو 45 في المئة خلال العام الحالي وذلك بتأثير الخضات التي مرّ بها والمعلومات التي تمّ تداولها مؤخراً حول تراجع كبير في ملاءته وفي قدرته على الوفاء بالتزاماته المالية. 

إعادة هيكلة شاملة

بالتوازي مع إتمام هذه الصفقة، أعلن البنك السويسري عن خطة شاملة لإعادة هيكلة عملياته وذلك من خلال العمل على تقليص كبير لعملياته الاستثمارية واستيعاب خسائره الكبيرة وتركيز قيادته التنفيذية التي شهدت تقلب أشخاص عدة عليها في السنوات الأخيرة الأمر الذي تسبب بأزمة ثقة بين البنك وقاعدته الكبيرة من المستثمرين. 

وكان البنك أعلن عن تعرضه لخسائر بقيمة 342 فرنكاً سويسرياً (346 مليون دولار) في الفصل الثالث من العام الجاري بعد أن كان سجل أرباحاً بلغت مليار دولار في العام الماضي لكن إذا أضيف إلى الخسارة التشغيلية الضرائب الباهظة ومؤونات الخسائر والتكلفة الكبيرة المتوقعة لعملية إعادة الهيكلة، فإن الخسارة الحقيقية للفصل الثالث من العام ستزيد على 4 مليارات دولار.

وشهد كريدي سويس سلسلة طويلة من الأزمات طيلة العقد الماضي، كما شهد تقلب عدد كبير من القيادات التنفيذية وخسائر متاجرة بمليارات الدولارات كان اكبرها خسارته لقرابة 5.5 مليارات دولار من افلاس Archegos Capital Management والتسويات القانونية للقضايا التي رفعت ضده.

ورحّب الرئيس التنفيذي لبنك كريدي سويس أولريك كورنر بالصفقة التي وصفها بـ "الحدث التاريخي" مؤكداً "أننا نعمل بكل جهودنا لإعادة هيكلة البنك بهدف خلق بنك جديد يكون  أكثر بساطة واستقراراً وتركيزاً على النشاطات التي تهتم بتلبية حاجات العملاء، وهو ما يعني التركيز على صلب عملنا وخبرتنا في إدارة الثروات والتي تساهم بأكثر من ثلث الدخل الذي يحققه البنك سنوياً والذي يتولى حالياً إدارة محافظ بقيمة 644 مليار دولار".  

إحياء البنك الاستثماري

وأعلن الرئيس التنفيذي للبنك السويسري عن نيته تحويل خدمات الدمج والمشورة المالية إلى مؤسسة جديدة هي كريدي سويس فرست بوسطن  CS First Boston وبالتالي إحياء الاسم التجاري السابق لذراعه الاستثمارية الذي تملكه قبل سنوات على أمل أن يعزّز قدرته التنافسية تجاه المصارف الأخرى في وول ستريت . لكن رئيس البنك قال إن مصرفه سيعود إلى السوق بهدف تأمين تمويلات لإعادة هيكلة البنك الاستثماري الجديد، وهو ما يعني أن البنك الأهلي السعودي ستكون له في وقت لاحق الفرصة لزيادة مساهمته في المجموعة عبر دعم إعادة تمويل بنكها الاستثماري (كريدي سويس فرست بوسطن) بعد استهلاك خسائره وإعادة هيكلته وتصويب استراتيجية عمله وتجديد قيادته التنفيذية.

ويمكن القول إن هذه الصفقة تمثل تحولاً مهماً للبنك الاهلي من الناحية الاستثمارية كما من الناحية الاستراتيجية. فمن الناحية الاستثمارية يعتبر سعر السهم جذاباً بعد الهبوط الكبير الذي سجله في العام الحالي خصوصاً وأن الزيادة الحالية لرأس المال تعطي البنك فرصة لتحسين ملاءته المالية ولاسميا في ظل إعادة الهيكلة وامكانية زيادة جديدة لرأس المال. اما على الصعيد الاستراتيجي، فيمكن للبنك الاهلي من خلال علاقته مع كريدي سويس ان يحدث تطويراً مهماً لخدماته في الصيرفة الاستثمارية وادارة الاصول والاستفادة من خبرات عالمية في مجالات اخرى. وبالطبع من المبكر احكام نهائية على مفاعيل الصفقة على المصرفين اعتماداً على ردة فعل الاسواق حيث سجل سهم "الاهلي" هبوطاً فاقت نسبته 6 في المئة نهار الخميس الماضي بعد الاعلان عن الصفقة بسبب موجة بيع من المستثمرين الاجانب، كذلك سجل سهم كريدي سويس هبوطاً ملحوظاً عقب الاعلان عن الصفقة.