زيارة الرئيس الصيني إلى السعودية: تدشين عهد جديد بالعلاقات بين البلدين والمنطقة
زيارة الرئيس الصيني إلى السعودية: تدشين عهد جديد بالعلاقات بين البلدين والمنطقة
واشنطن تراقب بقلق الزيارة التاريخية والاتفاقات المرتقبة
- رشيد حسن
في الموازين والأدوار الإقليمية ترتقي المملكة العربية السعودية اليوم إلى دور إقليمي محوري، إذ تستقبل الرئيس الصيني زي جينبنغ، في زيارة رسمية هي الأولى له إلى الخارج منذ ست سنوات.
ومن المقرر أن تمتد الزيارة لأيام عدة، ويتخللها اجتماع قمة صيني خليجي، وآخر صيني عربي في التاسع من الشهر الحالي، يحضره ما لا يقل عن 14 رئيس دولة عربية.
ويتوقع، بحسب مصادر دبلوماسية خليجية، أن تشهد القمتان الصينية-الخليجية، والصينية-العربية، توقيع عشرات الاتفاقات ومذكرات التفاهم مع دول الخليج ودول عربية، تتناول شؤوناً استراتيجية مثل النفط والتجارة والاستثمارات و"الأمن الإقليمي"، وذلك بحسب تعبير لوزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية عادل الجبير.
ثمرة تطور مستمر في التعاون
وتعتبر الزيارة الحدث للرئيس الصيني امتداداً طبيعياً للتطور المستمر في العلاقات الصينية الخليجية والعربية خصوصاً منذ إطلاق بيجين لمشروع الحزام والطريق، والذي يتضمن استثمارات كبرى في عدد كبير من مشاريع البنى التحتية والمواصلات والطرق التجارية تشمل عدداً من الدول العربية، إلا أن توقيت الزيارة الحالية وترافقها مع مؤتمري قمة، والمستوى الرفيع للمشاركة وحجم الاتفاقات المتوقعة، يمثل نقلة نوعية لن تغيب دلالاتها عن الدول المعنية، ولاسيما الولايات المتحدة الأميركية التي ستنظر إلى الزيارة وما يرافقها من أحداث باعتبارها رسالة غير مباشرة جديدة من المملكة العربية السعودية ودول المنطقة، بأن العلاقات التقليدية بين الخليج والولايات المتحدة، يجب أن تستند إلى احترام متبادل لمصالح الطرفين، وأن لا تكون بالتالي علاقات من جانب واحد. لكن هناك أيضاً في هذا الحدث البالغ الأهمية، رسالة سعودية إلى الولايات المتحدة والدول الغربية، مفادها أن المملكة، وبعد ست سنوات من التحولات الكبرى والتركيز على بناء القوة الذاتية الاقتصادية والمكانة العالمية، باتت الآن البوابة الطبيعية لأي علاقات تحالف وشراكة بين القوى الكبرى وبين دول الخليج بل ودول المنطقة أيضاً.
الحصاد المرّ
ومن الواضح أن الحدث الصيني الخليجي والصيني العربي هو النتيجة الطبيعية لانحراف كبير في السياسة الخارجية الأميركية بدأ مع الرئيس أوباما (2009-2017)، وقضى بصورة خاصة بخفض أهمية دول الخليج والمنطقة العربية بالنسبة الى السياسة الخارجية الأميركية لصالح ما أطلق عليه التوجه شرقاً كما قضت السياسة الجديدة بإعطاء أولوية لعقد اتفاق نووي مع إيران، وبالتالي منحها حوافز ومكافآت اقتصادية لقاء القبول بتقييد برنامجها النووي.
وباستثناء التصحيح الذي قام به الرئيس دونالد ترامب خلال ولايته الوحيدة، فإن السياسة الأميركية عادت مع الرئيس جو بايدن إلى الموقف السلبي من السعودية والخليج بتأثير مجموعة مستشارين طبعوا عهد الرئيس بايدن، وساعدوا بالتالي على اتساع الشق بين المملكة خصوصاً وبين الإدارة الأميركية في الوقت التي أعطيت أولوية واضحة لتجديد الاتفاق النووي مع إيران، ومنحها حتى قبل التوصل إلى الاتفاق امتيازات وحوافز مالية ونفطية من دون التطرق الى دور ايران الاقليمي الذي كان ولا يزال عاملاً مزعزعاً للاستقرار في عدد من دول المنطقة.
إهمال الأمن الخليجي
بصورة عامة اعتبرت المملكة العربية السعودية ودول الخليج أن السياسة الأميركة الجديدة، وتراجع الالتزام الأميركي بأمن المنطقة تضع دول الخليج في وضع حرج وانكشاف أمني يضطرها إلى التعويض عن طريق "تنويع" التحالفات الخارجية، ليس فقط على الصعد التجارية والاستثمارية بل على الصعيد الأمني أيضاً، وعبر التنويع المستمر للتبادلات التجارية والبترولية والاستثمارية.
إضافة إلى الانفتاح المتزايد على الصين، انفتحت المملكة ومعها الإمارات العربية المتحدة ودول الخليج الباقية على روسيا، وتوطدت العلاقات بين الطرفين خصوصاً بعد تحول روسيا إلى الشريك الفعلي للسعودية والدول الخليجية المنتجة للنفط والغاز على أثر انضمامها الرسمي إلى التجمع الجديد المسمى أوبك+.
وظهرت درجة الافتراق بين دول الخليج وبين الولايات المتحدة الأميركية بصورة خاصة في الموقف من الحرب الروسية على أوكرانيا، إذ رفضت هذه الدول مجاراة واشنطن في موقفها الحاد من الاتحاد الروسي، بل واستمرت في التعامل الطبيعي معها خصوصاً من خلال أوبك+. لكن الاستقلال الخليجي عن الحسابات و"الطلبات" الأميركية ظهر بصورة صادمة لواشنطن عندما قررت أوبك+ إجراء خفض بمليوني برميل على إنتاجها لأسباب ردتها إلى ضعف الطلب الدولي، وهذا برغم ضغوط شديدة من واشنطن كانت ذروتها زيارة سريعة من الرئيس بايدن إلى الرياض كان هدفها الأساسي التأكيد على طلب واشنطن عدم إجراء خفض في مستوى الإنتاج السنوي لأوبك+.
مقاربتان متناقضتان
ومن المفارقات أن زيارة الرئيس الصيني الرسمية للمملكة العربية السعودية ولقاءات القمة المرتقبة مع دول الخليج والدول العربية، سبقتها قبل مدة وجيزة مواقف أميركية متشنجة وتهديدات بالكاد جاءت مبطنة بـ "ثمن" لا بدّ أن تدفعه السعودية نتيجة عدم تدخلها لمنع أوبك+ من اتخاذ قرار بخفض كبير لإنتاج النفط، وباشارات اميركية رسمية متواصلة بأن العلاقات الاميركية السعودية هي تحت المراجعة. بذلك وخلال فترة شهرين، تكونت للعالم صورة مكبرة عن الاختلاف الكبير في المقاربتين الأميركية والصينية تجاه المملكة العربية السعودية ودول المنطقة، وجاء هذا التناقض الواضح ليوسع الشقة مع واشنطن ويزيد بالتالي من حوافز المملكة ودول المنطقة لتعزيز علاقات التحالف والتعاون مع الشريك الصيني.
وتعتبر المملكة العربية السعودية أكبر مصدر للنفط إلى الصين وأكبر شريك تجاري لها في المنطقة، لكن العلاقات الصينية الخليجية تطورت في المدة الأخيرة لتشمل التعاون في المجال التكنولوجي، بما في ذلك التعامل مع شركة هواوي الصينية، وكذلك بعض المقدمات للتعاون في المجال العسكري أو الأمني، وهو ما أثار حفيظة الإدارة الأميركية، إلا أن أحد أهم البنود التي ستراقب واشنطن الموقف المشترك السعودي الصيني بشأنها هو إمكان توقيع اتفاق حول تسديد الصين لبعض وارداتها من النفط السعودي بالعملة الصينية (رمننبي) بدلاً من الدولار. وقد أوردت صحيفة "فايننشال تايمز" تصريحاً لـ "مسؤول سعودي كبير" نفى فيه أن يكون على علم باتفاق من هذا النوع، إلا أن هذا الأخير أضاف قوله للصحيفة البريطانية "إن اتفاقاً من هذا النوع يجب أن لا يكون مستغرباً، فالصين هي أكبر شريك تجاري للمملكة العربية السعودية".
بدأت إذن زيارة الرئيس الصيني إلى السعودية وعلينا الآن أن نرتقب ما ستسفر عنه من نتائج.
الأكثر قراءة
-
المركزي الصيني: 98.5 مليار دولار تسهيلات إقراض متوسط الاجل
-
الخزانة الأميركية تعتزم بيع سندات طويلة الأجل بـ 183 مليار دولار الأسبوع المقبل
-
"جلف كابيتال" قوة استثمارية مؤثرة في الخليج وآسيا
-
ماذا تتضمن نشرة الإحصاءات الزراعية في السعودية لعام 2023؟
-
قطر: شراكة بين وزارة الاتصالات و"ستارتب جرايندر" لتعزيز الابتكار وريادة الأعمال