إعصار "دانيال" يغيّر وجه ليبيا: الضحايا بالآلاف وخسائر بمليارات الدولارات

في أسوأ كارثة طبيعية شهدتها ليبيا منذ عقود، ضرب إعصار "دانيال" يوم الأحد الماضي مدناً واقعة في شرق البلاد، مخلّفاً خسائر بشرية واقتصادية فادحة في كل من بنغازي، والبيضاء، والمرج، وسوسة، ودرنة، وتجاوز منسوب مياه الأمطار 400 مليمتر منذ أكثر من 40 عاماً.

وأدّت السيول والفيضانات إلى مصرع ما لا يقل عن 5300 قتيل وفقدان أكثر من 11 ألف شخص، وجرف عدد كبير من المباني، وصولاً إلى اختفاء تام لأحياء كاملة في مدينة درنة داخل البحر حيث  جرى إعلان المدينة منطقة منكوبة وتم فرض حظر التجول والإعلان عن حالة الطوارئ في شرق ليبيا، كما أدّى هذا الإعصار إلى إغلاق موانئ رئيسية تستخدم لنقل النفط والبضائع، بالإضافة إلى تدمير سدود مائية ومرافق حيوية في ظل غياب التقديرات الرسمية حتى الساعة حول حجم الخسائر الاقتصادية في ليبيا.

للاطلاع:

"يورومني": "بنك بوبيان" أفضل مؤسسة إسلامية لهيكلة المنتجات عالمياً

تأثر حركة الصادرات النفطية الليبية

أدى إعصار "دانيال" إلى إقفال 4 موانئ رئيسية ليبية تستخدم لتوريد النفط إلى خارج البلاد وهي: رأس لانوف، والزويتينة، والبريقة وسدرة حيث يتزامن هذا التوقف مع وصول الإنتاج النفطي إلى مليون و200 ألف برميل يومياً وإنتاج المكثّفات عند 48 ألف برميل، إذ تصدّر ليبيا 85 في المئة من إنتاجها النفطي و7 ملايين متر مكعب من الغاز إلى أوروبا، في حين قال وزير الطيران المدني الليبي وعضو لجنة الطوارئ هشام أبو شكيوات في حديث إلى قناة "سي أن بي سي عربية" إن الإمدادات النفطية الليبية لم تتأثر بشكل عام نتيجة هذا الإعصار إذ إنها بعيدة عن مسرح العمليات وعن أماكن حدوث الفيضانات، مؤكداً أن الوضع طبيعي في باقي المدن الليبية حيث المطارات تعمل بشكل عادي.

ومن جهتها، قالت شركة "العمران المتحدة للخدمات البحرية واللوجستية" إن موانئ البريقة وسدرة ورأس لانوف أعيد فتحها يوم أمس الثلاثاء فيما أعيد فتح ميناء الزويتينة صباح اليوم الأربعاء أمام حركة الملاحة.

توقف الدراسة

في سياق متصل، تسببت السيول والفيضانات بتدمير وجرف عدد كبير من المدارس والجامعات في المدن المتضررة خصوصاً في مدينة درنة، وقامت مؤسسة مراقبة التربية والتعليم في بنغازي بتعطيل الدراسة في المنطقة وحوّلت مدارس المدينة إلى مراكز لإيواء متضرري الإعصار.

نقلاً عن النيويورك تايمز

30 ألف نازح من درنة

من جهتها، أفادت "المنظمة الدولية للهجرة في ليبيا" أن أكثر من 30 ألف شخص نزحوا من مدينة درنة وحدها نتيجة الفيضانات والسيول التي ضربتها وتوزعوا على مختلف المناطق والمدن المجاورة.

وأضافت المنظمة أن العدد المعروف للنازحين في مناطق أخرى ضربتها العاصفة بما في ذلك بنغازي هو 6085 شخصاً، ولم يتم التحقق من عدد الوفيات بعد.

وتابعت "المنظمة الدولية للهجرة وشركاؤها يقومون على الفور بالتجهيز المسبق للمواد غير الغذائية والأدوية ومعدات البحث والإنقاذ والأفراد للمناطق المتضررة".

بنية تحتية متهالكة

كشف إعصار "دانيال" عن ضعف البنية التحتية في ليبيا، وسط شكاوى الليبيين من سوء الخدمات اليومية في قطاعات الكهرباء والطاقة والنقل والمياه والصحة والتعليم. وأدى الإعصار إلى غرق عدد كبير من الشوارع الرئيسية بمياه الفيضانات والسيول في ظل غياب الأماكن المخصصة لتصريفها وعدم امتلاك البلديات والمؤسسات في المدن المتضررة للوسائل الكافية لمواجهة هذه المخاطر بحيث كان الإنفاق يرتكز بصورة رئيسية على مناطق حضرية منتقاة مع نقصٍ واضح في سائر المناطق الحضرية والمناطق الريفية الأخرى، وظهرت فوارق واسعة عدة في تقديم نوعية الخدمات العامة مما تسبب في مظاهر من عدم المساواة بين المناطق والأقاليم الليبية. وتركز "رؤية إحياء ليبيا 2030" على إنشاء بنية تحتية حديثة ذات كفاءة وفعالية لدعم التنمية البشرية والتنمية الاقتصادية، وتوفير الخدمات العامة.

فاتورة اقتصادية غير واضحة

لا تزال فاتورة الخسائر الاقتصادية لإعصار "دانيال" في ليبيا غير واضحة حتى الساعة وهي بحاجة إلى مزيد من الدراسة في الاقتصاد الوطني البالغ ناتجه المحلي الإجمالي 46 مليار دولار، والذي يحاول جاهداً المضي قدماً بعد انكماش طاوله خلال العام الماضي وبلغت نسبته 1.2 في المئة.

ارتفاع أسعار النفط عالمياً

ارتفعت أسعار النفط ليوم الأربعاء لتحوم مجدداً عند أعلى مستوى في 10 أشهر والذي لامسته في الجلسة السابقة، إذ طغت توقعات تقلص الإمدادات العالمية والمخاوف من انقطاع الإمدادات الليبية على المخاوف من تباطؤ الطلب في بعض الدول مثل الصين.

وبحلول الساعة 07:53 بتوقيت غرينتش، ارتفعت العقود الآجلة لخام "برنت" 60 سنتاً بما يعادل 0.65 في المئة إلى 92.664 دولار للبرميل، في حين زاد خام غرب تكساس الوسيط الأميركي 62 سنتا أو 0.70 في المئة إلى 89.46 دولار للبرميل، وارتفع الخامان القياسيان بنحو 2 في المئة يوم أمس الثلاثاء ليغلقا عند أعلى مستوياتهما منذ تشرين الثاني/نوفمبر 2022.

وفي هذا السياق، قال محلل السلع الأولية لدى "راكوتين سكيوريتيز" ساتورو يوشيدا: "التوقعات الإيجابية للطلب من أوبك وتنبؤات إدارة معلومات الطاقة الأميركية بانخفاض مخزونات النفط العالمية عززت وجهات النظر في السوق بشأن شح الإمدادات في المستقبل".

وأضاف أن "الأنباء عن إغلاق ليبيا العضو في أوبك أربع من محطات تصدير النفط الشرقية بسبب عاصفة مميتة ساهمت أيضاً في رفع أسعار النفط".

ضعف السدود الليبية

كشف انهيار سدود وادي درنة جراء اعصار "دانيال" عن تسرع في بناء السدود المائية في ليبيا وعدم الالتزام بمعايير السلامة الضرورية، وخصوصاً في ظل غياب أعمال الصيانة الدورية لتلافي الفجوات في الطبقات الصخرية فيها. وتؤدي هذه الفجوات إلى هبوط السد بشكل كامل وانهياره بأي لحظة ما يسبب مخاطر كبيرة على سكان المدينة والمناطق المجاورة. وقبل الإعصار كانت وضعية السدود في درنة متهالكة خصوصاً مع تغير المناخ وسقوط كميات كبيرة من الأمطار الأمر الذي يؤكد وجود عشوائية في العمل.

وضع صحي كارثي

وصف مسؤول في وزارة الصحة بحكومة الوحدة الوطنية الليبية الوضع الصحي في المدن المتضررة من الإعصار المتوسطي "دانيال" الذي اجتاح مدن شرقي البلاد وبخاصة مدينة درنة، بالكارثي.

وأضاف المسؤول في حديث إلى وكالة "الأناضول" أن المستشفى الموجود في درنة خارج الخدمة حالياً، فيما تم نقل الجثث والناجين إلى مستشفيات ميدانية".

وذكر المسؤول أن "وزارة الصحة بحكومة الوحدة أرسلت طائرة محملة بالاحتياجات الطبية العاجلة وعدد من الأطقم الطبية"، مشيراً إلى وصول عدد من القوافل الطبية لمدينة بنغازي فيما يتم العمل على توزيعها على المستشفيات الميدانية في المناطق المتضررة.