أسعار النفط تصعد: الطاقة الأحفورية ما زالت لها الكلمة
أسعار النفط تصعد: الطاقة الأحفورية ما زالت لها الكلمة
- أحمد عياش
عندما قفز سعر برميل النفط قبل أيام بدا وكأنه غير آبه بالصخب الناجم عن التوجهات المتضاربة في شأن مدى حاجة العالم الى الوقود الاحفوري. فهل من الحكمة الذهاب الى هذا النوع من المناقشة في ظروف حرجة تتعلق بإمدادات الطاقة؟
لعل الجواب على هذا السؤال لن يكون متاحاً في المدى المنظور. ولعل السبب وراء ذلك، ان هناك صراعاً لم يهدأ منذ عقود حول معالجة معضلة التلوث وآثارها على المناخ العالمي. وكلما وقعت كارثة مناخية، على غرار كارثة الفيضان الهائل في ليبيا، تجدد الجدل حول المسؤولية عن هذه الكوارث وتحديداً مسؤولية الوقود الاحفوري عن وقوعها.
وفي أي حال، واظبت أسعار النفط في بداية الأسبوع في 18 أيلول/سبتمبر الحالي على الارتفاع مدعومة، كما ذكرت رويترز، بتوقعات باتساع عجز المعروض في الربع الأخير من العام بعد أن مددت السعودية وروسيا التخفيضات وتفاؤلاً في شأن تعافي الطلب في الصين.
وارتفعت العقود الآجلة لخام برنت 71 سنتاً أو 0.8 في المئة إلى 94.64 دولار للبرميل، فيما بلغت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأميركي 91.55 دولار للبرميل مرتفعة 78 سنتاً أو 0.9 في المئة.
قد لا يكون السجال الذي اندلع الأسبوع الماضي بين وكالة الطاقة الدولية ومنظمة أوبك مرتبط مباشرة بموضوع الكوارث الطبيعية. لكنه، أي هذا السجال، يعطي دليلاً على ان الاطمئنان الى ان انتقال العالم من الطاقة الأحفورية الى الطاقة البديلة لن يتم بهدوء ما يعني ان مقالاً في صحيفة من شأنه أن يتسبب بمواجهة تنعكس على أسواق الطاقة بشكل او بآخر.
والبداية، مع المقال الذي نشرته صحيفة "فاينانشيال تايمز"، يوم الاثنين في 11 أيلول/ سبتمبر الحالي وقال فيه فاتح بيرول، المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية، إن الطلب على الوقود الأحفوري سيبلغ ذروته "خلال العقد الحالي". لم يرق كلام بيرول لمنظمة "أوبك" التي ردت في بيان، قائلة إن ما ذكرته المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية، لا تؤيده التوقعات المتسقة والمستندة إلى بيانات، وأضافت في أن استبعاد الوقود الأحفوري مصدراً للطاقة، أو الإيحاء بأنه "في بداية النهاية"، أمر "بالغ الخطورة"، و"غير عملي"، ونبّهت "أوبك" الى أن تلك التوقعات "غالباً ما تصحبها دعوات للتوقف عن الاستثمار في مشروعات النفط والغاز الجديدة".
ربما من قبيل الصدفة أو لا، أن ولاية كاليفورنيا رفعت دعوى قضائية ضد العديد من أكبر شركات النفط في العالم يوم الجمعة الماضي، مدعية أن أفعالها تسببت في أضرار بعشرات المليارات من الدولارات، وأنها خدعت الجمهور من خلال التقليل من المخاطر التي يشكلها الوقود الأحفوري. وكتب ديفيد جيليس في النيويورك تايمز أن القضية المدنية، التي رفعت في المحكمة العليا في سان فرانسيسكو، "هي أحدث وأهم دعوى قضائية تستهدف شركات النفط والغاز والفحم بسبب دورها في التسبب في تغيّر المناخ، وتسعى إلى إنشاء صندوق تخفيض لدفع الأضرار المستقبلية الناجمة عن الكوارث المرتبطة بالمناخ في الولاية".
وتستهدف الدعوى خمس شركات هي: "إكسون موبيل وشل وبي بي وكونوكو فيليبس وشيفرون، إضافة الى معهد البترول الأميركي، وهو مجموعة تجارية صناعية مقرها واشنطن، ومدرج أيضاً كمدعى عليه.
في المقابل، قال ريان مايرز، المستشار العام لمعهد البترول الأميركي: "هذه الحملة المستمرة والمنسقة لشن دعاوى قضائية مسيسة لا أساس لها ضد صناعة أميركية تأسيسية وعمالها ليست أكثر من إلهاء عن المحادثات الوطنية المهمة وإهدار هائل لموارد دافعي الضرائب في كاليفورنيا".
بالانتقال من كاليفورنيا الى النرويج تنقلب الصورة بالكامل. ففي اوسلو، قال وزير المناخ والبيئة النرويجي في الخامس عشر من الجاري إن بلاده ستواصل ارسال الغاز الطبيعي إلى أوروبا طالما دعت الحاجة إليها بينما تعمل أيضاً على إزالة الكربون من أنظمة الطاقة في القارة.
وفي حين أن النرويج هي أكبر مورد للغاز في أوروبا، كما تقول رويترز، فإنها تهدف أيضاً إلى تقليل انبعاثات غازات الدفيئة بنسبة 55 في المئة في حلول العام 2030 عن مستويات العام 1990 وأن تكون محايدة للكربون في حلول العام 2050. ومما قاله الوزير النرويجي: "نحن نحاول في الواقع تغيير نظام الطاقة بأكمله على هذا الكوكب. ولكن بعد ذلك ... نحن أيضاً المصدر الرئيسي (للغاز) إلى أوروبا".
والاتحاد الأوروبي نفسه، أو المملكة المتحدة، التي تريد أن تصبح نظيفة بمرور الوقت، سيكونون غير سعداء إلى حد ما إذا أخبرناهم بحلول الغد لم يعد هناك غاز جديد".
من ناحيته، كتب جون كيمب في رويترز ان ارتفاع أسعار النفط الخام الأميركي وتراجع قطاع العقود الآجلة، ناجمان عن استنزاف المخزونات في أوكلاهوما، حيث يقع "مفترق طرق خطوط الأنابيب" للولايات المتحدة (كوشينغ)، وهو مركز تخزين ولوجيستي رئيسي لنظام الإنتاج المحلي والتكرير. وتعتبر مخزونات النفط الأميركية الأكثر وضوحاً ومراقبتها عن كثب في العالم، لأنه يتم الإبلاغ عنها أسبوعياً مع تأخير لبضعة أيام فقط، مقارنة بالتقارير الشهرية مع تأخيرات متعددة الأشهر في البلدان الأخرى. وغالباً ما تستخدم التغييرات في المخزونات الأميركية كبديل لتوازن الإنتاج والاستهلاك العالمي بسبب زيادة ظهورها وتوقيتها.
في موازاة ذلك، خفضت المملكة العربية السعودية وحلفاؤها في أوبك + الإنتاج بأكثر من 1 مليون برميل يومياً منذ بداية تموز/ يوليو، في محاولة لخفض المخزونات العالمية وتعزيز الأسعار، وأزالت التخفيضات ما مجموعه 85 مليون برميل من السوق في تموز/ يوليو وآب/ أغسطس، وستصل إلى 245 مليوناً بحلول نهاية العام 2023 إذا تم تنفيذها بالكامل. ووجهت المملكة العربية السعودية صادراتها المتبقية بعيداً عن أميركا الشمالية ونحو آسيا من خلال الزيادات التفاضلية في أسعار البيع الرسمية. وتحتفظ هذه الاستراتيجية بحصة أعلى من الصادرات المخفضة لشركات التكرير في آسيا، وهي شركاء استراتيجيون يشترون كميات مضمونة بعقود طويلة الأجل. في الوقت نفسه، فإنه يقلل من تدفق النفط الخام إلى أميركا الشمالية، وهي أسرع طريقة ليكون لها تأثير واضح على المخزونات العالمية بالنظر إلى أن المخزونات الأميركية يتم الإبلاغ عنها أسبوعياً.
ما تشير اليه الفقرة السابقة، الى ان الولايات المتحدة الأميركية نفسها، التي تحكمها توجهات الطاقة البديلة، تجد نفسها تحت تأثير الطاقة الاحفورية انطلاقاً من مستوى مخزونها من هذه الطاقة. ما يعني، ان العالم عموماً، والولايات المتحدة خصوصاً ما زالا مرتبطيّن بما يخرج من باطن الأرض من مشتقات الطاقة.
بالعودة الى سجال وكالة الطاقة ومنظمة "أوبك"، قال أمين عام المنظمة هيثم الغيص، ان "مثل هذا الخطاب الذي يشير الى أن الطلب على الوقود الأحفوري سيبلغ ذروته "خلال العقد الحالي، سيؤدي إلى فوضى في قطاع الطاقة ربما على نطاق غير مسبوق، وستكون له تبعات خطيرة على الاقتصادات ومليارات البشر في جميع أنحاء العالم"، واعتبر رأي الوكالة هذا ينطلق من "دوافع آيديولوجية"، ولا يستند إلى حقائق ولا يأخذ في الاعتبار التطور التكنولوجي المستمر في القطاع للتوصل إلى حلول تسهم في خفض الانبعاثات. وخلص الغيص الى القول إن هذا النوع من الفكر "يتجاهل أن الوقود الأحفوري لا يزال يشكّل 80 في المئة من مزيج الطاقة العالمي كما كان قبل 30 عاماً، وأنه عامل حيوي في توفير أمن الطاقة".
وشبّه وائل مهدي في مقال في صحيفة "الشرق الأوسط" الحال بين "أوبك" وبين وكالة الطاقة الدولية بـ"أفلام حرب النجوم"، حيث "القوة هي كل شيء. ولهذا يودع كل شخص من محاربي الجيداي الآخر بقوله لتكن القوة معك"، أضاف: "يبدو أن القوة أصبحت حاضرة في المواجهات الإعلامية بين أوبك والوكالة ". وخلص الى القول ان هناك مليارات من المواطنين في العالم، لا تهمهم الجدالات الإعلامية، وانما يهمهم الحصول على الطاقة وبشكل رخيص".
يقول إدوارد مويا، المحلل في OANDA، المؤسسة التي تعني بتبادل العملات :"يبدو أن الأسعار ستجد بسهولة منزلاً فوق مستوى 90 دولاراً للبرميل، ما يعني أن التركيز قد يتحول إلى توقعات الطلب من أكبر اقتصادين في العالم". وفي الخلاصة إن نمو الطلب العالمي على النفط في طريقه ليصل إلى 2.1 مليون برميل يومياً تماشياً مع توقعات وكالة الطاقة الدولية ومنظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك).
الأكثر قراءة
-
المركزي الصيني: 98.5 مليار دولار تسهيلات إقراض متوسط الاجل
-
الخزانة الأميركية تعتزم بيع سندات طويلة الأجل بـ 183 مليار دولار الأسبوع المقبل
-
"جلف كابيتال" قوة استثمارية مؤثرة في الخليج وآسيا
-
ماذا تتضمن نشرة الإحصاءات الزراعية في السعودية لعام 2023؟
-
قطر: شراكة بين وزارة الاتصالات و"ستارتب جرايندر" لتعزيز الابتكار وريادة الأعمال