سباق عالمي في الذكاء الاصطناعي: الصين في صدارة المواهب

في عالم النزاعات المسلحة التي يغرق فيها العالم حالياً، هناك نزاع آخر هو السباق الجاري على المستوى الدولي في مضمار الذكاء الصناعي. وأطلت النيويورك تايمز في عددها الصادر في 22 آذار/مارس الحالي بهذا العنوان: "في أحد المقاييس الرئيسية للذكاء الاصطناعي، الصين تتقدم على الولايات المتحدة في المواهب"، وقالت إن الصين أنتجت عدداً كبيراً من كبار مهندسي الذكاء الاصطناعي في السنوات الأخيرة، ويظهر بحث جديد أنه، من خلال بعض المقاييس، قد طغى بالفعل على الولايات المتحدة".

وعندما نتكلم عن الذكاء الصناعي، فلا ننسى أن المنطقة العربية تشهد نشاطاً واسعاً في هذا المضمار، وتحتل المملكة العربية السعودية ودولة الامارات العربية المتحدة موقع الريادة منذ أعوام. ومن الأمثلة، "القمة العالمية للذكاء الاصطناعي" التي استضافتها المملكة في خريف العام 2022، أما الامارات فأصبح لديها وزير دولة للذكاء الاصطناعي والاقتصاد الرقمي وتطبيقات العمل عن بُعد هو عمر بن سلطان العلماء.

بالعودة الى نيويورك تايمز، فهي قالت إنه عندما يتعلق الأمر بالذكاء الاصطناعي الذي يشغل روبوتات الدردشة مثل "ChatGPT"، فإن الصين متخلّفة عن الولايات المتحدة، ولكن عندما يتعلق الأمر بإنتاج العلماء وراء جيل جديد من التقنيات البشرية، فإن الصين تمضي قدماً.

وأظهر بحث جديد أن الصين قد تفوقت على الولايات المتحدة كأكبر منتج لمواهب الذكاء الاصطناعي، حيث أنتجت البلاد ما يقرب من نصف أفضل الباحثين في مجال الذكاء الاصطناعي في العالم. وعلى النقيض من ذلك، يأتي نحو 18 في المئة من المؤسسات الجامعية الأميركية، وفقاً لدراسة، من ماكروبولو، وهو مركز أبحاث يديره معهد بولسون، والذي يعزز العلاقات البناءة بين الولايات المتحدة والصين.

وتظهر النتائج قفزة للصين، التي أنتجت نحو ثلث أفضل المواهب في العالم قبل ثلاث سنوات. وعلى النقيض من ذلك، ظلت الولايات المتحدة على حالها في الغالب. يعتمد البحث على خلفيات الباحثين الذين نشرت أوراقهم في مؤتمر أنظمة معالجة المعلومات العصبية لعام 2022. وتركز NeurIPS ، كما هو معروف، على التقدم في الشبكات العصبية، والتي رسخت التطورات الأخيرة في الذكاء الاصطناعي التوليدي.

كان اختلال توازن المواهب يتراكم في الجزء الأكبر من عقد من الزمان. خلال معظم العام 2010، استفادت الولايات المتحدة من انتقال  أعداد كبيرة من كبار العقول الصينية إلى الجامعات الأميركية لإكمال درجة الدكتوراه، وبقي معظمهم في الولايات المتحدة، لكن البحث يظهر أن هذا الاتجاه بدأ أيضاً في التحول، مع بقاء أعداد متزايدة من الباحثين الصينيين في الصين.

ما سيحدث في السنوات القليلة المقبلة قد يكون حاسماً حيث تتنافس الصين والولايات المتحدة على الصدارة في الذكاء الاصطناعي - وهي تقنية يمكن أن تزيد الإنتاجية وتعزز الصناعات وتدفع الابتكار - ما يحول الباحثين إلى واحدة من أكثر المجموعات الجيوسياسية أهمية في العالم.

استحوذ الذكاء الاصطناعي التوليدي على صناعة التكنولوجيا في وادي السيليكون والصين، ما تسبب في جنون التمويل والاستثمار، وقاد الطفرة عمالقة التكنولوجيا في الولايات المتحدة مثل Google والشركات الناشئة مثل OpenAI، وقال خبراء إن ذلك قد يجذب الباحثين الصينيين، على الرغم من أن التوترات المتزايدة بين بكين وواشنطن قد تردع البعض أيضاً.

لقد رعت الصين الكثير من مواهب الذكاء الاصطناعي جزئياً لأنها استثمرت بكثافة في تعليم الذكاء الاصطناعي. منذ العام 2018، أضافت البلاد أكثر من 2000 برنامج جامعي للذكاء الاصطناعي، مع أكثر من 300 في معظم جامعاتها النخبوية، على الرغم من أن البرامج لم تركز بشكل كبير على التكنولوجيا التي دفعت اختراقات من قبل روبوتات الدردشة مثل ChatGPT.

وقال داميان ما، المدير الإداري لشركة MacroPolo: "تدور الكثير من البرامج حول تطبيقات الذكاء الاصطناعي في الصناعة والتصنيع، وليس الكثير من أشياء الذكاء الاصطناعي التوليدية التي أصبحت تهيمن على صناعة الذكاء الاصطناعي الأميركية في الوقت الحالي".

في حين أن الولايات المتحدة كانت رائدة في تحقيق اختراقات في مجال الذكاء الاصطناعي، وكان آخرها مع القدرات البشرية الخارقة لروبوتات الدردشة، فقد تم تنفيذ جزء كبير من هذا العمل من قبل باحثين تلقوا تعليمهم في الصين.

ويشكل الباحثون من الصين الآن 38 في المئة من أفضل الباحثين في مجال الذكاء الاصطناعي العاملين في الولايات المتحدة، بينما يشكل الأميركيون 37 في المئة، وفقاً للبحث. وقبل ثلاث سنوات، كان الصينيون يشكلون 27 في المئة من أفضل المواهب العاملة في الولايات المتحدة، مقارنة بـ 31 في المئة من الولايات المتحدة.

قال مات شيهان، زميل في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي الذي يدرس الذكاء الاصطناعي الصيني: "تظهر البيانات مدى أهمية الباحثين المولودين في الصين بالنسبة للولايات المتحدة في ما يتعلق بالقدرة التنافسية للذكاء الاصطناعي".

وأضاف أن البيانات تظهر على ما يبدو أن الولايات المتحدة لا تزال جذابة، وقال: "نحن الشركة الرائدة عالمياً في مجال الذكاء الاصطناعي لأننا نواصل جذب المواهب والاحتفاظ بها من جميع أنحاء العالم، ولكن بشكل خاص الصين".

وقال بيتر أبيل، الأستاذ في جامعة كاليفورنيا في بيركلي، ومؤسس شركة Covariant، وهي شركة ناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي والروبوتات، إن العمل جنباً إلى جنب مع أعداد كبيرة من الباحثين الصينيين كان أمراً مفروغاً منه داخل الشركات والجامعات الأميركية الرائدة، وقال: "إنها مجرد حالة طبيعية".

في الماضي، لم يكن مسؤولو الدفاع الأميركيون قلقين للغاية في شأن تدفقات المواهب في مجال الذكاء الاصطناعي من الصين، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن العديد من أكبر مشاريع الذكاء الاصطناعي لم تتعامل مع البيانات السرية، وجزئياً لأنهم اعتقدوا أنه من الأفضل أن يكون لديك أفضل العقول المتاحة، كما إن نشر الكثير من الأبحاث الرائدة في مجال الذكاء الاصطناعي بشكل علني كبح المخاوف.

على الرغم من الحظر الذي فرضته إدارة ترامب والذي يحظر دخول الطلاب من بعض الجامعات المرتبطة بالجيش في الصين إلى الولايات المتحدة والتباطؤ النسبي في تدفق الطلاب الصينيين إلى البلاد خلال Covid، أظهر البحث أن أعداداً كبيرة من عقول الذكاء الاصطناعي الواعدة استمرت في القدوم إلى الولايات المتحدة للدراسة.

لكن هذا الشهر، اتهم مواطن صيني كان مهندساً في غوغل بمحاولة نقل تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي - بما في ذلك بنية الرقائق الدقيقة المهمة - إلى شركة مقرها بكين دفعت له سراً، وفقاً للائحة اتهام فيدرالية.

تمثل الأعداد الكبيرة من الباحثين الصينيين في مجال الذكاء الاصطناعي العاملين في الولايات المتحدة الآن لغزاً لصانعي السياسات، الذين يريدون مواجهة التجسس الصيني مع عدم تثبيط التدفق المستمر لكبار مهندسي الكمبيوتر الصينيين إلى الولايات المتحدة، وفقاً للخبراء الذين يركزون على القدرة التنافسية الأميركية.

وقال سوباراو كامبامباتي، أستاذ وباحث في الذكاء الاصطناعي في جامعة ولاية أريزونا: "يكاد العلماء الصينيون يقودون الطريق في مجال الذكاء الاصطناعي" ، أضاف أنه إذا حاول صانعو السياسة منع المواطنين الصينيين من البحث في الولايات المتحدة ، فإنهم "يطلقون النار على أقدامهم".

تجدر الإشارة الى ان سجل صنّاع السياسة في الولايات المتحدة مختلط، ومنذ ذلك الحين، تعرضت سياسة إدارة ترامب التي تهدف إلى الحدّ من التجسس الصناعي الصيني وسرقة الملكية الفكرية لانتقادات بسبب مقاضاة عدد من الأساتذة عن طريق الخطأ. وقال المهاجرون الصينيون إن مثل هذه البرامج شجعت البعض على البقاء في الصين.

في الوقت الحالي، أظهر البحث أن معظم الصينيين الذين أكملوا الدكتوراه في الولايات المتحدة يبقون في البلاد، مما يساعد على جعلها المركز العالمي لعالم الذكاء الاصطناعي. ومع ذلك، بدأت الولايات المتحدة في التراجع، لاستضافة نحو 42 في المئة من أفضل المواهب في العالم، انخفاضاً من نحو 59 في المئة قبل ثلاث سنوات وفقاً للبحث.

ومن الولايات المتحدة الأميركية الى فرنسا، أعلنت هيئة المنافسة الفرنسية قبل أيام إن شركة التكنولوجيا العملاقة "جوجل" فشلت في التفاوض على صفقات ترخيص عادلة مع وسائل الإعلام ولم تخبرهم أنها تستخدم مقالاتهم لتدريب روبوت الدردشة الخاص بها.

وقال المنظمون الفرنسيون إن "جوجل" فشلت في إخطار ناشري الأخبار بأنها تستخدم مقالاتهم لتدريب خوارزميات الذكاء الاصطناعي الخاصة بها، كجزء من حكم أوسع ضد الشركة بسبب ممارساتها التفاوضية مع وسائل الإعلام.

وفي سياق الانباء حول عالم الذكاء الصناعي، برز قبل أيام إسم السوري مصطفى سليمان، المؤسس المشارك لشركة DeepMind، فقد قامت شركة Microsoft أخيراً بتوظيف سليمان في اطار بناء الشركة قيادة لا يمكن تعويضها في الذكاء الاصطناعي. وسبق لسليمان ان كان مديراً تنفيذياً سابقاً في Google لإدارة وحدة الذكاء الاصطناعي للمستهلكين. وكان سليمان كما اسلفنا، ساهم في تأسيس DeepMind، وهي شركة بريطانية ناشئة استحوذت عليها "جوجل" العام 2014 واستمر في العمل هناك حتى العام 2022.

هل يحتاج المرء الى كثير من الذكاء الطبيعي ليدرك ان الذكاء الصناعي صار ميداناً متقدماً على المستوى العالمي؟ فلنطلب الجواب ولو في الصين.