غاز لبنان وترسيم الحدود: "أخطاء" تقنية و"خطايا" سياسية

  • 2020-03-08
  • 21:10

غاز لبنان وترسيم الحدود: "أخطاء" تقنية و"خطايا" سياسية

من يفاوض وعلى ماذا؟

  • ياسر هلال، الاقتصاد والاعمال

يتوقع أن تقفز مشكلة ترسيم الحدود البحرية اللبنانية ووجود مناطق واسعة متنازع عليها مع إسرائيل وسوريا وقبرص، إلى واجهة الاهتمام، بظل ثلاثة تطورات: الأول بدء عمليات الحفر الاستكشافي في البلوك رقم 4، والثاني، اقتراب الموعد النهائي لتقديم طلبات الاشتراك في دورة التراخيص الثانية التي تضم 4 بلوكات في مناطق متنازع عليها، والثالث هو تكثيف إسرائيل عمليات الحفر والإنتاج في المياه المحاذية للحدود اللبنانية.

وفي موازاة حالة الجمود والتأجيل في المفاوضات المباشرة مع سوريا وقبرص وغير المباشرة مع إسرائيل حول مشكلة الحدود وترسيم المنطقة الاقتصادية الخالصة، تتجمع معطيات وتصريحات تتعلق باحتمال وجود "خطأ" في ترسيم لبنان لمنطقته الاقتصادية الخالصة، يؤدي إلى تقديم هدية جديدة لإسرائيل تقدر بحوالي 850 كلم2، تضاف إلى "الهدية" السابقة التي قدمت لها بموجب الترسيم الخاطئ في العام 2006.

لنبدأ من الالتباسات والأخطاء في ترسيم الحدود والمنطقة الاقتصادية الخالصة، ومن التضارب في مساحات المناطق المتنازع عليها مع الدول المجاورة، ولننسَ سورية وقبرص فلذلك بحث آخر ونكتفي بالمنطقة المتنازع عليها مع "إسرائيل"، حيث تتفاوت الأرقام بشأنها ما بين 860 كلم2 و 1350 كلم2 و 1700 كلم2. أما السبب فلا يتعلق بعدوانية "إسرائيل" فقط، بل بأخطاء ارتكبها لبنان، ونبدأ بخطأين أو "خطيئتين"، تم تصحيح الأولى والثانية تنتظر التوضيح أو التصحيح، وهما: 

الخطيئة الأولى: إضاعة 860 كلم2!

ارتكبت في العام 2006، عندما قامت الحكومة ممثلة بوزارة الأشغال العامة والنقل، باعتماد دراسة أعدها المكتب الهيدروغرافي البريطاني United Kingdom Hydrographic Office، لإحداثيات الحدود البحرية وترسيم المنطقة الاقتصادية الخالصة، وانطلق الترسيم من النقطة (1) جنوباً إلى النقطة (6) شمالاً، وتبين في ما بعد أنه ترسيم "خاطئ" وأنه يحرم لبنان من نحو 860 كلم2 يقدمها على سبيل "الهدية" إلى "إسرائيل". والأدهى من ذلك مسارعة الحكومة في العام 2007 إلى إبرام اتفاقية مع قبرص على أساس هذا الترسيم الخاطئ. ومع أنه لم تتم المصادقة على الاتفاقية استجابة لضغوط تركية في حينه، فقد استغلت "إسرائيل" هذا الخطأ وقامت في العام 2010 بتوقيع اتفاقية مع قبرص لترسيم المنطقة الاقتصادية الخالصة لكل منهما، مكرسة مصادرة مساحة "الهدية" التي قدمها لبنان، علماً أن قبرص تتحمل جانباً من المسؤولية لأن توقيع الاتفاقية مع "إسرائيل" يتطلب موافقة لبنان باعتباره طرفاً ثالثاً فيها. 

وتم تدارك الخطأ في العام 2008 بإعداد دراسة جديدة لتعيين الحدود البحرية، تضمنت تعديل النقطة (1) لتصبح (23) ما أعاد قانوناً مساحة الـ 860 كلم2 الى السيادة اللبنانية، وتم في العام 2011 إصدار مرسوم المنطقة الاقتصادية الخالصة وإيداع إحداثيات الحدود البحرية اللبنانية الجنوبية لدى الأمم المتحدة. واتخذت الحكومة اللبنانية بعد ذلك الإجراءات اللازمة للاعتراض على الترسيم "الإسرائيلي" للحدود وكذلك على الاتفاقية الموقعة بين "إسرائيل" وقبرص، وحاولت أميركا التوصل إلى حل وسط من خلال المبعوث الخاص فريدريك هوف قضى بتقاسم المنطقة المتنازع عليها على قاعدة 500 كلم2 للبنان و350 كلم2 "لإسرائيل" وهو الخط الذي بات يعرف بخط هوف. (رسم رقم – 1 -)

 

خطيئة ثانية، و 840 كلم2 إضافية ؟

هل كان الترسيم "المنقح والمزيد" صحيحاً!؟ 

لم يصدر حتى الآن اعتراف رسمي بعدم دقة الترسيم وبارتكاب "خطيئة" ثانية، ربما لأن ذلك سيرتب تداعيات سياسية وقانونية مثل توسيع المنطقة المتنازع عليها ليصبح حقل كاريش "الإسرائيلي" مثلاً ضمن المياه اللبنانية، ولكن بدأت تتجمع معطيات ومؤشرات على وجود "خطأ" في الترسيم أهمها، إبلاغ رئيس مجلس النواب نبيه بري مساعد وزير الخارجية الأميركي دايفيد ساترفيلد أن "المساحة التي يطالب بها لبنان هي 1700 كلم2 وليس 860 كلم2"، وقيل يومها إن الرئيس بري اعتمد على دراسة أعدها الجيش اللبناني. ومع أن المؤسسة العسكرية لم تصدر أية خرائط أو دراسات بشكل رسمي حول هذا الموضوع حتى الآن، إلا ان بعض وسائل الإعلام نشرت تقريراً نسبته إلى "مصادر عسكرية" يبيّن ان المساحة المتنازع عليها هي 1350 كلم2. (جريدة الأخبار اللبنانية هي أول من نشر التقرير)، ونشير هنا إلى أن الجيش كان قد أجرى في العام 2011 مراجعة تقنية لعمل اللجنة المشتركة التي أعدّت دراسة ترسيم الحدود في 2008، ويتضح من القراءة بين سطور تقرير المراجعة وجود تحفظات على نتائج عمل اللجنة، فقد جاء فيه عبارات مثل "تمّ التوصل إلى رسم خطوط حدودية أكثر دقة" وفي مكان آخر، "إن مرسوم المنطقة الاقتصادية الخالصة، ترك الباب مفتوحاً أمام إمكان مراجعة هذه الحدود وتحسينها عند توافر بيانات أكثر دقّة"... واللبيب من الإشارة يفهم، وإذا استعصى الفهم، نشير إلى أن قيادة الجيش طلبت من مجلس الوزراء عبر وزارة الدفاع في العام 2012 تشكيل هيئة مختصة لترسيم الحدود، ولكن لم تتم الاستجابة لهذا الطلب حتى الآن.

860 أو 1350 أو 1700 كلم2؟

يتعلق التضارب في مساحة المنطقة المتنازع عليها مع "إسرائيل" بمتغيرين رئيسيين: الأول النقطة الفاصلة للحدود البرية في الناقورة، والثاني معايير احتساب تأثير الجزر.. ونشرح بإختصار: 

النقطة B1 في الناقورة: معروف أن النقطة البرية التي تعتمد لترسيم الحدود البحرية يكون لها تأثير كبير في رسم اتجاه خط الحدود البحرية وبالتالي المنطقة الاقتصادية الخالصة، والقصة هنا، تبدأ في النقطة المعروفة بـ B1 في الناقورة، وهذه النقطة كان يتمركز فيها الجيش "الإسرائيلي"، مع أنها تقع ضمن الأراضي اللبنانية. وقد نجح الجيش اللبناني في مارس 2018، بعد ضغوط متواصلة وبعد تدخل قوي من اليونيفيل، بدخولها والكشف عن العلامة المثبتة منذ اتفاقية الهدنة والتي تؤكد لبنانية هذه النقطة. واستطاع لبنان تبعاً لذلك، إبعاد النقطة الفاصلة مع إسرائيل لمسافة 35 متراً جنوباً. ويقدّر الخبراء ان استرجاع هذه المسافة البسيطة على البر يعني استرجاع نحو 17 كلم عند نقطة نهاية المنطقة الاقتصادية الخالصة في البحر. (رسم رقم – 2 ).

 

جزيرة تاكيلت Tekhelet: يمكن اعتبارها "القطبة المخفية" التي "حاكها" عن قصد أو غير قصد، المكتب البريطاني ولم تنتبه لها الحكومة اللبنانية (عن غير قصد طبعاً)، وهذه الجزيرة، هي عبارة عن "صخرة" مقابل الشاطئ "الإسرائيلي"، بالكاد تظهر على google earth، إذ لا يتجاوز طولها 70 متراً وعرضها 40 متراً تقريباً، وقد اعتبرها المكتب البريطاني، امتداداً للبر الإسرائيلي وتم التعامل معها على أساس ما يعرف بقانون البحار بـ "التأثير الكلي للجزر" في ترسيم الحدود. والغريب بل المريب، أن لبنان اعتمد هذا المعيار في النسخة الأولى "الخاطئة" للترسيم في 2006، وكذلك في النسخة الثانية في 2008، التي يفترض أنها أعدّت لتصحيح الخطأ. وذلك أمر مستهجن في قانون الأمم المتحدة للبحار الذي لا ينصّ في أي مادة منه على إعطاء تأثير كلي للجزر الصغيرة عند ترسيم الحدود وبخاصة غير المأهولة والتي تغمر مياه المد الجزء الأكبر منها. كما إن هناك عشرات الأحكام الصادرة عن محكمة العدل الدولية والمحكمة الدولية لقانون البحار في حالات مشابهة تتعلق بجزر كبيرة وليس "صخرة" قضت بعدم إعطاء أي تأثير لهذه الجزر أو بإعطاء نصف تأثير في الحد الأقصى. ومن الحالات ذات الدلالة، نشير إلى النزاع القانوني التركي ـ اليوناني على إعطاء تأثير كلي لجزيرة كريت في ترسيم الحدود البحرية اليونانية، علماً أن طولها 255 كلم وعرضها 50 كلم، وعدد سكانها 800 ألف نسمة). 

.. وعند "ساترفيلد" الخبر اليقين

أما الأكثر غرابة والأكثر إثارة للريبة، فهو أن ديفيد ساترفيلد أبلغ وفداً ضم النائبين ياسين جابر وإبراهيم كنعان ومستشار الرئيس نبيه بري علي حمدان خلال زيارتهم إلى الولايات المتحدة بكثير من "الصراحة"، ان موقف الولايات المتحدة محسوم بعدم الربط بين رسم خط الحدود البحري وبين النقطةB1  على البر، "وزادهم من الشعر بيتاً" بتأكيده، "أن الخط البحري يجب أن يرسم انطلاقاً من نقطة تبعد عدة أميال عن البر وليس من النقطة الفاصلة بين الحدود البرية"، وعندما استفسر أعضاء الوفد إذا كان يقصد احتساب جزيرة "تاكيلت"، وان لدى لبنان دراسة موثقة تثبت وجهة النظر اللبنانية ويمكن تزويده بها، كان ردّه بأنه "ليس مستعداً للإطلاع على أية دراسات قانونية مخالفة للنظرة الأميركية".

ماذا يعني نصف تأثير أو تأثير كلي؟

لتوضيح سبب "الاستغراب" "والارتياب" في اعتماد الحكومة ترسيم المكتب البريطاني الذي قد يكون مستنداً إلى جزيرة "تاكيلت"، نشير إلى النتائج الدراماتيكية لحالات التعامل مع هذه الجزيرة "الصخرة"، وانعكاس كل حالة على مساحة المنطقة المتنازع عليها مع إسرائيل، (انظرالرسم الرقم – 3 -)

في حال عدم إعطاء أي تأثير لجزيرة "تاكيلت"، ينتهي خط الحدود اللبنانية الإسرائيلية عند النقط   (A) (اللون الأبيض)، ويؤدي ذلك إلى إضافة نحو 840 كلم2 إلى المنطقة الاقتصادية الخالصة   للبنان، جنوب الخط المعلن من قبل الدولة اللبنانية، تضاف إلى الـ 860 كلم2 المتنازع عليها حالياً  ليصبح إجمالي المنطقة المتنازع عليها 1700 كلم2 وهو الرقم الذي أبلغه الرئيس بري لـ ساترفيليد.

في حال إعطاء نصف تأثير لجزيرة "تاكيلت"، ينتهي خط الحدود عند النقطة  (B) (اللون الأزرق)، ما  يؤدي إلى زيادة المنطقة الاقتصادية اللبنانية بنحو 500 كلم2، تضاف إلى الـ 860 كلم2 المتنازع عليها حالياً لتصبح المساحة الإجمالية للمنطقة المتنازع عليها نحو 1350 كلم2 وهو الرقم الثاني المتداول.

في حال إعطاء تأثير كامل" للصخرة" ينتهي خط الحدود عند النقطة C وهي النقطة (23) أيضاً (اللون الأخضر المتقطع)، وهو نفس الخط المعتمد من قبل الدولة اللبنانية بموجب مرسوم المنطقة الاقتصادية الخالصة الرقم 6344/2011، وتكون مساحة المنطقة المتنازع عليها 860 كلم2.

 

 

من يفاوض وعلى ماذا؟

عند هذا الحد قد يكون المطلوب تجميد المفاوضات وتعليق الاحتفالات، بانتظار إنجاز الخطوة البديهية الأولى وهي تحديد المنطقة الاقتصادية الخالصة بشكل دقيق ونهائي، وبذلك يعرف المفاوض اللبناني على ماذا يفاوض. فهل يتخيل عاقل ان المفاوضات التي يخوضها لبنان منذ سنوات مع المبعوثين الأميركيين من هوف إلى شينكر مروراً بـ هوشتاين وساترفيلد، كانت مضيعة للوقت وللموارد وأن خط هوف الشهير هو كمن "يعطي لبنان من كيسه" وأن المفاوضات الحقيقية يجب أن تكون حول المياه التي باتت إسرائيل وبدعم أميركي تعتبرها خارج إطار التفاوض. 

والمضحك المبكي أن هناك تقنيات حديثة تعتمد صور الأقمار الاصطناعية ورسم الخرائط باستخدام تطبيقات LOS، تتيح انجاز الترسيم بدقة متناهية وبمدة لا تتجاوز الخمسة أيام. ويؤكد الخبراء ان هذه التقنيات تعطي لبنان "حقه وزيادة" (راجع الكادر). 

أما الخطوة البديهية الثانية فهي تحديد الجهة المخولة دستورياً مهمة التفاوض مع الشقيق والصديق والعدو، وربما حان الوقت للبحث بتشكيل هيئة وطنية لترسيم الحدود وتولي المفاوضات تضم المؤسسات المعنية وفي مقدمها الجيش اللبناني الذي يمتلك الخبرة والموضوعية والوثائق، على ان تلحق بهذه الهيئة لجنة فنية تضم المؤسسات ذات الصلة وتستعين بشركات ومكاتب قانونية وخبراء. وتشرح د. ريان عساف في دراسة نشرت في مجلة الجيش اللبناني أهمية ذلك بقولها "إن أي تفاوض يحتاج إلى إمساك دقيق بالنواحي التقنية والتأقلم مع قواعد التفاوض، ويؤدي عدم الإدراك الدقيق من الطرف المفاوض لحقوقه إلى نتائج يشوبها الغبن وحلول غير متكافئة". 

وتكمن أهمية الهيئة الوطنية في أنه لا يجوز ولا يمكن تحميل أي مؤسسة دستورية أو جهة سياسية منفردة مسؤولية المفاوضات والحلول التي تتطلب اتخاذ قرارات مصيرية قد تشمل على سبيل المثال: تقاسم المكامن المشتركة مع إسرائيل وتكليف شركة روسية او أميركية أو مصرية تصدير الغاز اللبناني عبر شبكة الأنابيب الإسرائيلية ـ القبرصية ـ المصرية، أو اتخاذ قرار التنازل عن مساحة معينة من المياه البحرية للتوصل إلى تسوية، بحيث يطالب لبنان مثلاً بمساحة الـ 1700 للحصول على مساحة الـ 860 كلم2، أو اتخاذ قرار "التمسك بكل شبر وبكل نقطة مياه من بحرنا" حتى لو أدى ذلك إلى الحرب دفاعاً عنها. وبذلك يتم تحصين القرارات بإجماع وطني ما يضمن عدم استغلالها من قبل أي جهة في "حروب" المزايدات و"النكد السياسي".

 "حكي سياسة"

في محاولة لفهم الأبعاد السياسية لمسألة ترسيم الحدود، لجأنا إلى سياسي مخضرم، تمنى عدم ذكر اسمه تجنباً للإحراج مع "رفاق الدرب"، خاصة وأنه يرجح فرضية وجود "خطيئة سياسية" بدأت في الترسيم الأول وتواصلت في الترسيم الثاني ولا تزال مستمرة حتى اليوم بعدم الاعتراف بالخطأ وسحب مرسوم الترسيم. ويعرب عن تخوف كبير من خروج ملف النفط والغاز في المياه البحرية اللبنانية من أيدي اللبنانيين ليدخل ضمن "البازار الإقليمي" للنزاعات والتسويات التي ترسم بحروب الدمار في العراق وسورية واليمن وبحروب الإفقار ـ حتى الآن ـ في إيران ولبنان. ويرجح أن يتمثل الحل بالنسبة الى لبنان في نهاية المطاف، بتوافق أميركي روسي على إدارة مشتركة للملف بحيث تتولى روسيا ترسيم الحدود مع سورية والمشاركة الفعالة في عمليات الاستكشاف والإنتاج، ويعتبر أن دخول شركة نوفاتك الروسية في الكونسورتيوم الفائز بأول عقد للاستكشاف والإنتاج، وكذلك تلزيم شركة روزنفت الروسية إدارة منشآت النفط في طرابلس.. هو أول الغيث. أما أميركا فتتولى ترسيم الحدود مع إسرائيل والمشاركة الفعالة في الاستكشاف والإنتاج والأهم في تصدير الغاز، ويعتبر أن إعلان شركة "إكسون" نيتها المشاركة في دورة التراخيص الثانية وما تردد عن عرضها شراء حصة من شركة "توتال" في البلوك 9، هو أول الغيث أيضاً. 

ويختم بالقول إن هذا التفاهم على ملف النفط والغاز سيكون جزءاً من تفاهم أوسع بين "العدوين الودودين" على إدارة ملف لبنان ككل تماماً كما هو حاصل في سورية. أما إذا لم تكن حرب الإفقار الدائرة الآن كافية "لإقناع اللبنانيين" بالحلول المتوافق عليها والمفروضة عليهم، فليس هناك ما يمنع من اعتماد وسائل أكثر إقناعاً مثل التوترات الأمنية على قاعدة مذهبية ومناطقية، مع ترك الحرية "للشعوب اللبنانية العظيمة" باختيار التسمية التي تناسبهم للتكيف مع الأمر الواقع المفروض، بين فيدرالية، ولا مركزية موسعة إدارية ومالية ونفطية أيضاً، بحيث يكون لكل منطقة "بلوكات" نفط، ومعامل كهرباء ومحطات تغويز "بضهر البيعة". 

لا حلول عبر الوسائل القانونية

لا حلّ لمعضلة النزاع حول الحدود مع إسرائيل إلا بالمفاوضات غير المباشرة، لأنه لا يمكن اللجوء إلى الوسائل القانونية والقضائية الدولية والمتمثلة بمحكمة العدل الدولية التابعة للأمم المتحدة، أو المحكمة الدولية لقانون البحار، للأسباب التالية:

إن التقاضي أمام أي من المحكمتين محصور بالدول، وبشرط الموافقة المسبقة لكلا الطرفين على صلاحية المحكمة وإقرارهما بولايتها الجبرية، وفي حال لجأ لبنان إلى القضاء الدولي فذلك يعني اعترافه بـ  «إسرائيل».

إسرائيل لم تنضم إلى أي من الاتفاقيتين، وبالتالي فلا يمكنهما النظر في أي نزاع تكون إسرائيل طرفاً فيه. مع أن لبنان وقّع اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار في 1984، وانضم إليها في 1995، لكنه لم يصادق على آلية تسوية النزاعات وفقاً لهذه الاتفاقية، ما يعني أنه غير مخول مراجعة هذه المحكمة، وإن كان بإمكانه المصادقة في أي وقت.

يمكن للبنان اللجوء إلى مجلس الأمن، استناداً إلى المادة 10 من القرار 1701 حيث يصدر القرار تحت الفصل السابع، وهناك سابقة في هذا المجال تتعلق بترسيم الحدود الكويتية العراقية العام 1993، ولكن هذا المسار يتطلب موافقة ومباركة أميركا لضمان إجماع الدول دائمة العضوية، وهو أمر مستبعد تماماً.


ترسيم الحدود باستخدام تطبيقات LOS:

80 في المئة علم و 20 في المئة قانون ومفاوضات

بات ترسيم الحدود البحرية باستخدام التقنيات الحديثة عملية بالغة السهولة والدقة استناداً إلى ما يقوله الخبراء ومنهم الخبير الدولي رودي بارودي، الذي وجّه رسالة مفتوحة إلى وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو جاء فيها:«كما تعرف سيدي الوزير.. فإن تقنيات رسم الخرائط باستخدام تطبيقات LOS تتيح تسوية جميع النزاعات البحرية بسهولة ودقة شبه مطلقة. مضيفاً أن «إعداد قضية LOS بات يعتمد بنسبة 80 في المئة على النواحي العلمية وبنسبة 20 في المئة فقط على النواحي القانونية»، معتبراً ان اعتماد هذه التقنية سيؤدي حكماً إلى منح لبنان معظم مساحة الـ 881 كيلومتراً المتنازع عليها.

وطالب بارودي في رسالته بأن تواصل أميركا مساعيها لتسوية النزاع بين لبنان وإسرائيل كحكم عادل، والتوقف عن سعيها لفرض حل غير متوازن لصالح إسرائيل، ودعا أميركا لاعتماد تقديم النصيحة للإسرائيليين بقبول ترتيب ترسيم الحدود وفقاً لقواعد الـ  LOS خصوصاً وأنها قبلت بتطبيق هذه القواعد في ترسيم حدودها مع قبرص.  وبالمناسبة... الخبير رودي بارودي هو لبناني كان ولا يزال يتمنى كغيره من الخبراء اللبنانيين لو أن «جهابذة» وزارة الأشغال العامة والنقل، الذين تولوا مهمة ترسيم الحدود، تنازلوا وطلبوا، أو «سمحوا» لهم بتقديم المساعدة.