اليابان: عندما تفرض الشيخوخة السكانيّة إصلاحات اقتصاديّة
اليابان: عندما تفرض الشيخوخة السكانيّة إصلاحات اقتصاديّة
- حنين سلّوم
لا، إنّ تسجيل أعلى نسبة دين إلى الناتج المحلّي في العالم ليست معضلة اليابان الوحيدة، فالاقتصاد الثالث من حيث الحجم في العالم ينزف بسبب ارتفاع معدل أعمار مواطنيه، فها هي اليابان تصبح المختبر العالمي لاستخلاص دروس الشيخوخة وتضاؤل عدد السكان، وذلك وفقاً لتقرير نشره صندوق النقد الدولي في شباط/فبراير الماضي.
سكّان اليابان ومعضلة التقدم في السن
إن أكثر من 20 في المئة من سكّان اليابان، أي نحو 25 مليون شخص، تجاوزت أعمارهم الـ 65 سنة، وهي النسبة الأعلى لهذه الفئة العمريّة عالميّاً، ومن المتوقّع أن يصبح في حلول العام 2030 واحد من كل ثلاثة أشخاص فوق سن الـ 65 وواحد من كل خمسة أشخاص فوق سن 75، ولهذه الشيخوخة السكانية في اليابان أسباب عدة، أبرزها:
- التغيرات في الهياكل الأسرية والاجتماعية في فترة ما بعد الحرب: كانت فترة طفرة المواليد، وهي فترة ما بعد الحرب العالميّة الثانية(baby boom) ودامت من 1946 حتّى 1964، قصيرة في اليابان مقارنةً في بلدان مجموعة السبع. فهي لم تدم سوى ثلاث سنوات في حين دامت بين 9 إلى 20 سنة في البلاد الأخرى وذلك وفقاً لقرير الصندوق النقد الدولي نفسه.
- تمتّع اليابان بمتوسط العمر المتوقع (life expectancy) الأعلى بين مجموعة العشرين وذلك منذ العام 1978 وقد ارتفع المتوسط من 72 إلى 84 سنة.
- انخفاض معدّل الخصوبة والولادات: شهدت الستة أشهر الأولى من سنة 2019 التدنّي الأكبر في الولادات في اليابان خلال 30 سنة حيث انخفضت بنسبة 5.9 في المئة على أساس سنوي.
- سياسة التحفظ بالهجرة واستقدام العمّال الأجانب: بخلاف بلدان مجموعة السبع، لم تستقدم اليابان سوى 2.2 في المئة من العمالة الأجنبيّة إلى إجمالي القوى العاملة في اليابان سنة 2018، مقارنة بـنسبة 17.4 في المئة في الولايات المتحدة و17 في المئة في المملكة المتحدة.
ما هي تداعيات الشيخوخة السكانيّة على اقتصاد اليابان؟
إنّ الشح في اليد العاملة هو أحد أبرز التداعيات المباشرة التي تنعكس بشكل سلبي على الاقتصاد الياباني، فكما ورد في تقرير صندوق النقد الدولي، بلغت القوى العاملة المحتملة في اليابان ذروتها خلال الفترة الممتدّة من 1991 و1993 حيث وصلت نسبة الأفراد التي تتراوح أعمارهم ما بين 15 و64 عاماً إلى 70 في المئة، لكنّها سرعان ما انخفضت وباتت 59 في المئة وهو أدنى مستوى بين مجموعة الدول السبع وأقل بكثير من المستويات التي سجّلت في منتصف الخمسينات. ومع محافظة اليابان على سياسة الهجرة خاصّتها، قد لا تستطيع المحافظة على المستوى الحالي للنشاط الاقتصادي. أيضاً، إنّ تدّني عدد السكان وارتفاع أعمارهم يؤثران بشكل سلبي على الانتاجيّة والنمو الاقتصادي، ولمواجهة هذه المشكلة، على اليابان أن تستخدم الذكاء الاصطناعي، والروبوتات والتكنولوجيا لزيادة إنتاجية العمّال، لكن، كان لذلك أثر إيجابي في المقابل، إذ انضم عدد أكبر من النساء وكبار السن (من هم خارج سن 15-64 سنة) إلى القوى العاملة وذلك لتعويض النقص.
كذلك، من المرجح أن تؤدي الشيخوخة إلى زيادة الطلب على الخدمات مثل الرعاية الصحية وهو قطاع كثيف العمالة labor-intensive وذات إنتاجية قليلة. وتتفاقم الأزمة بالنظر إلى عدد القوى العاملة النشطة الذي يتدنّى، علماً أنّ جيل طفرة المواليد سيتخطّى 75 سنة خلال ثلاث سنوات (ما بين 2022 و2025)، والمشكلة تكمن في التالي، إنّ القوى العاملة النشطة هي التي تدفع الضرائب المستخدمة في تمويل الرعاية الصحيّة والمعاش التقاعدي، وإذا استمرّت على التدني في هذا الشكل، ستكون اليابان في مأزق، ذلك أنه للوفاء بالالتزامات المتعلقة بالضمان الاجتماعي مع الحفاظ على الوضع المالي المستدام، يتعين عليها إجراء تغييرات مهمة في كل من إطار الفوائد benefits framework وهيكلها التمويلي. وبحسب دراسات صندوق النقد الدولي، فإن أحد الخيارات الممكنة هو رفع ضريبة الاستهلاك، التي تطبّق على جميع الفئات العمريّة، فلديها الآثار السلبية الأقل على الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، كما أشارت الدراسة أنّ الاستدانة بدلاً من إقامة التعديلات ستكون سلبيّة على الناتج المحلي الإجمالي خصوصاً أنً اليابان تسجّل أعلى نسبة دين إلى الناتج المحلّي في العالم.
وقد تؤدّي هذه التغيرات الديمغرافيّة إلى تفاقم التفاوت في الدخل بين الأجيال خصوصاً أنّ نسبة أصغر من السكان تتحمل تكاليف التمويل المتزايدة للضمان الاجتماعي. فالأجيال الأكبر سناً، يستفيدون أكثر من إعادة التوزيع المالي (عبر الضرائب والتحويلات)، وهم أكثر ثراء من الأجيال الشابة.
السيّاسة النقديّة لمواجهة الأزمة
إنّ التغير الديمغرافي قد يحدّ من مساحة السياسة النقديّة وذلك من خلال خفض معدل الفائدة الطبيعي natural rate of interest وهو معدل الفائدة الذي يدعم اقتصاد البلد عند التوظيف الكامل full employment والحد الأقصى من الإنتاج وذلك مع الحفاظ على نسبة ثابتة من التضخم. لكن وضع اليابان حرج في هذا المجال، فقد وجدت دراسات صندوق النقد الدولي أنّ التغيير الديمغرافي في اليابان كان له تأثير سلبي كبير على معدل الفائدة الطبيعي في السنوات الأخيرة، وتشير نتائج هذه الدراسات أيضاً أن المعدل الطبيعي للفائدة في اليابان قد انخفض إلى المنطقة السلبية، مما يبرز مجدداً ضرورة المضي قدماً في الإصلاحات الهيكلية لتعزيز النمو المحتمل ورفع المعدل الطبيعي وقد يكون ذلك عبر تعديل سياسات الهجرة لتعويض التأثير الديمغرافي السلبي المتزايد على المعدل الطبيعي.
ومن جهة أخرى، من المرجح أن تؤثر الاتجاهات الديمغرافية على سلوك الادخار والاستثمار، ومن الممكن أن تكون لذلك تداعيات على الطلب والعرض للأموال القابلة للإقراض، ويشكّل ذلك تحدّياً للمؤسسات المالية اليابانية نظراً الى اعتمادها على أنشطة الإيداع والإقراض المحلية ما يجعلها غير محصّنة مقابل التغيرات الديمغرافية، ما لم تعثر البنوك الإقليمية اليابانية على مصادر واستخدامات بديلة للأموال. إن عدد السكان المتقلص في البلاد سيؤدي بالضرورة إلى ميزانيات أصغر وتراجع نسب القروض إلى الودائع، وذلك وفقاُ لتقرير النقد الدولي.
الأكثر قراءة
-
المركزي الصيني: 98.5 مليار دولار تسهيلات إقراض متوسط الاجل
-
الخزانة الأميركية تعتزم بيع سندات طويلة الأجل بـ 183 مليار دولار الأسبوع المقبل
-
"جلف كابيتال" قوة استثمارية مؤثرة في الخليج وآسيا
-
ماذا تتضمن نشرة الإحصاءات الزراعية في السعودية لعام 2023؟
-
قطر: شراكة بين وزارة الاتصالات و"ستارتب جرايندر" لتعزيز الابتكار وريادة الأعمال