تجديد الثقة الملكية بمحافظ مؤسسة النقد العربي السعودي "ساما" د. أحمد الخليفي لولاية جديدة، يعني أن هذه الشخصية النقدية والمصرفية الكفوءة مرشّحة لولاية تمتد لأربع سنوات أخرى على رأس أحد أهم المصارف المركزية في المنطقة والعالم، وهو يعني أيضاً أن الخليفي أثبت كفاءته القيادية في هذا المنصب الحسّاس، بما جعل الميزان يميل مجدداً نحو تأييد الاستمرارية، وهو مبدأ ظهر بأجلى صوره في الولاية الطويلة (26 عاماً) للمحافظ السابق حمد السياري الذي يبقى علامة فارقة في تاريخ المؤسسة بسبب الأدوار المفصلية التي لعبها في تطور النظام المصرفي والنقدي للمملكة. بعد السياري، إنتقلت المسؤولية إلى أحد أركان "ساما" د. محمد الجاسر لمدة قاربت الثلاث سنوات لتنتقل بعدها لمدة خمس سنوات إلى المحافظ السابق د. فهد المبارك.
تكريس الإستقرار
النقطة المهمة هنا، هي أن الخليفي مرشح لأن يصبح صاحب أطول ولاية على رأس "ساما" في مرحلة ما بعد السياري، والنقطة الثانية التي لا تقل أهمية، هي أن الخليفي هو أول محافظ لـ "ساما" بعد السياري يتم تمديد ولايته، وهذه النقطة ليست تقنية، بل لها معنى بليغاً لأن منح المحافظ ولاية ثانية كاملة يعتبر فعل ثقة بالمحافظ من قبل الدولة وعلى رأسها الملك وولي العهد، وهذا النوع من الثقة العلنية غالباً ما تمتد مفاعيله في ما يتعدى تجديد الولاية الى المضمون الذي يحمله.
المفارقة اللافتة للإنتباه، هي أن التجديد لـ الخليفي يتزامن مع تحديات غير مسبوقة تعطي لـ "ساما" أدواراً جديدة مهمة تتجاوز المعهود في دور البنك المركزي خلال الفترات العادية، فالخليفي هو الآن محط ثقة القيادة السعودية باعتباره يلعب مع وزير المالية محمد الجدعان دوراً محورياً ضمن أركان الفريق الحكومي المولج بمواجهة التحديات التي نجمت عن وباء كورونا العالمي، خصوصاً في شقها المالي والنقدي والمصرفي، كما إن المملكة التي ترأس اجتماعات مجموعة العشرين وتستضيف اجتماعاتها السنوية في الرياض في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل مكلفة كرئيسة لهذه الدورة بتنسيق حزمة السياسات والاقتراحات المطلوبة لمواجهة الآثار الموجعة في المديين القريب والمتوسط لوباء كورونا، وعلى رأس هذه الخطوات، اقتراح قيام دول مجموعة العشرين بضخ نحو 5 تريليونات دولار لدعم وتحفيز الاقتصاد العالمي، وهذا التوجه تمّت ترجمته على صعيد المملكة بمبادرة لدعم قطاعات الاقتصاد السعودي بحزمة تحفيزات اقتصادية بقيمة 50 مليار دولار، بالإضافة الى حُزم دعم أخرى تم الاعلان عنها حتى الآن.
إضافة إلى مسؤوليات اجتماعات مجموعة العشرين ثم التداعيات الكارثية لوباء كورونا، كان على المحافظ الخليفي أن يواجه الانعكاسات النقدية الدقيقة للتدهور المتسارع في أسعار النفط نتيجة انفراط عقد التنسيق داخل أوبك وبينها وبين روسيا. كل هذه المهمات يمثل كل منها كما تمثل في مجموعها تحدياً غير مسبوق لفعالية وأداء "ساما" وربما كانت من أهم الأسباب التي عززت ميل الحكومة السعودية إلى تجديد الثقة بقيادته لـ "ساما"،
والدور الذي تلعبه ضمن المجهود الوطني لاحتواء الآثار الاقتصادية المجتمعة لوباء كورونا والكساد الاقتصادي المقبل وآفاق التراجع الحاد في أسعار النفط.
الرجل والمؤسسة
يجب القول أخيراً، إن من أهم العوامل التي عزّزت موقع الخليفي، مساهمته المهمة في تعزيز الطابع المؤسسي لـ "ساما" ونقلها أكثر من أي وقت مضى من مرحلة التأثر بالشخصيات والأسلوب إلى مرحلة العمل كمؤسسة حديثة وشديدة الاعتماد على أحدث التقنيات الرقمية الحديثة ولا سيما في أنظمة المدفوعات، وذلك بما ينسجم مع برنامج التطوير المالي ضمن رؤية 2030.
وقد مكّنت الجهود الحثيثة لـ الخليفي من رفع نسبة التعاملات التي تتم بالدفع الإلكتروني في قطاع الأفراد إلى نحو 36 في المئة من الإجمالي حتى صيف العام 2019 وهو رقم يفوق بصورة ملموسة الهدف الذي وضعه برنامج التطوير المالي وهو 28 في المئة في بداية العام 2020.
كذلك، وضعت "ساما" في عهد الخليفي أسس البيئة التجريبية لاستقبال طلبات شركات التكنولوجيا المالية (Fintech)، وأصدرت قبل أسابيع ترخيصاً لشركة (STC Pay) كمحفظة إلكترونية في مجال التقنية المالية، وكان من المخطط أن يجري الترخيص لشركات جديدة من بين الشركات المنضوية تحت مظلة المرحلة التجريبية الأولى، كما إنها في صدد منح رخص لإنشاء مصارف رقمية مستقلة.
ومن الانجازات التي توضع في رصيد الخليفي، توفير بيئة رقابية متقدمة وفعّالة ساعدت المصارف السعودية على تجاوز انعكاسات تراجع أسعار النفط ووتيرة النمو الاقتصادي ما بين العامين 2015 و2017، وفي الوقت نفسه، تعزيز مكانتها المالية والمحافظة على تصنيف ائتماني جيد وتوفير التمويل المطلوب للقطاعين العام والخاص.
كما حرص المحافظ، بالتعاون الوثيق مع وزير المالية محمد الجدعان، على معالجة ملف رسوم الزكاة العالق منذ سنوات والإشراف على تطبيق المعيار الرقم 9 لإعداد التقارير المالية الدولية (IFRS9)، علماً أن معدّل كفاية رأس المال من الشريحة الأولى (Tier 1) بلغ نحو 18.1 في المئة في 2019 وهو بين أعلى النسب عالمياً، كما سجلت القروض المتعثرة تحسناً طفيفاً حيث بلغت نحو 1.9 في المئة من الإجمالي مقارنة بنحو 2 في المئة في 2018، كما سجل القطاع ارتفاعاً في نسبة الأصول السائلة إلى الإجمالي إلى نحو 39.6 في المئة مقارنة بنحو 35.5 في المئة في نهاية العام 2018.
وأولى الخليفي إهتماماً خاصاً بالمؤسسات المتوسطة والصغيرة والتي ارتفع حجم التسليفات المقدمة لها إلى نحو 117.2 مليار ريال بزيادة 8.1 في المئة وهو ما يعادل 6 في المئة من إجمالي التسهيلات حتى نهاية الربع الثالث من العام الماضي.