كيف ستواجه مصارف الإمارات تعثّر "ان أم سي"؟

أخيراً تحوّلت المعلومات حول التلاعب المالي في مجموعة "أن أم سي" الطبية وإخفائها إلى واقع مدعّم بالبيانات بعد أن أعلنت مصارف وشركات إماراتية وخليجية عن انكشافها على المجموعة بمليارات الدولارات. فالشركة التي كانت أشارت، في إطار الإعلان عن نتائجها المالية للنصف الأول من العام الماضي، إلى أن ديونها تبلغ 7.7 مليارات درهم (2.1 مليار دولار)، تبين أنها كانت تخفي ديوناً لم تصرّح عنها واستخدمت لأغراض غير مرتبطة بأعمال المجموعة، لترتفع قيمة الديون الإجمالية إلى 6.6 مليارات دولار.

وإذا كانت الشركة قد تعمّدت إخفاء بياناتها المالية الحقيقية، فإن الأهم هو أن انكشاف المصارف الإماراتية المدرجة على المجموعة بلغ 9.2 مليارات درهم، ويمثّل هذا الرقم نحو 20 في المئة من أرباح العام الماضي ونحو 0.6 في المئة من إجمالي قروض هذه البنوك البالغة 1666 مليار درهم، ما سيرفع قيمة القروض غير العاملة ويدفع بالمصارف إلى اتخاذ مخصصات كبيرة تؤثر سلباً على أرباح القطاع وربما على متانته المالية، وهذا ما دفع بالمصارف المذكورة إلى إجراء مناقشات مع المجموعة ومستشاريها بهدف التحقق من الوضع المالي للشركة وتحديد التدابير الواجب اتباعها في مثل هذه الحالات. وكان لافتاً للانتباه في هذا السياق، الطلب الذي تقدّم به بنك أبوظبي التجاري من محكمة بريطانية تعيين حارس قضائي على الشركة بما يحافظ على أي سيولة متوفرة واستمرار أعمالها، غير إن الأمور لم تقف عند هذا الحد، إذ بدأت المصارف المعنية بالقضية في محاورة فرق من المستشارين القانونيين والمحامين الدوليين لبحث عدد من الإجراءات القانونية اللازمة لحماية حقوقها.

وفي ما لا تزال هذه الحوارات في مراحلها الأولى، وعلى الرغم من أن مبالغ الانكشافات باتت معلومة إلى حدّ ما، فإن المصارف رأت أنه من المبكر تحديد مقدار المخصصات المتوقع اتخاذها، أقلّه في الوقت الحالي، وهذا يعني أن هناك سيناريوهات عدة مطروحة، أولها أن قيمة المخصصات التي سيتخذها كل مصرف ستختلف تبعاً لعوامل عدة منها حجم الانكشاف والمخصصات العامة المتخذة سابقاً ومدى إمكانية تحويلها إلى مخصصات خاصة يمكن من خلالها تغطية الانكشاف على أعمال المجموعة. كذلك، فإن من العوامل المهمة في تحديد قيمة المخصصات الواجب اتخاذها معرفة ما إذا كانت القروض التي قدمها المصرف هي من ضمن القروض التي كانت المجموعة تصرّح عنها قبل فضح عملية التلاعب، ذلك أن هذه القروض تمّ استعمالها لأغراض تتعلق بأعمال الشركة، وهذا ما يقلل من احتمال اتخاذ مخصصات عليها بخلاف القروض الأخرى المكتشفة بعد عملية التلاعب والتي قد تكون استغلت لغير الأغراض المتعلقة بتوسيع عمليات الشركة.

وعليه، فإن انكشاف المصارف الإماراتية المدرجة على "أن أم سي" بمقدار 9.2 مليارات درهم لا يعني بالضرورة أنها ستضطر إلى اتخاذ مخصصات بالقيمة نفسها.

فمثلاً، قد تتخذ المصارف مخصصات بنحو 6.3 مليارات درهم وهو ما يمثل نحو ثلثي قيمة انكشافها على "أن أم سي"، ونسبة الثلثين هذه توازي قيمة الديون المكتشفة حالياً من إجمالي ديون المجموعة وذلك إذا اعتبرنا أن جزءاً من ديون المصارف استعملته "أن أم سي" في توسعاتها وليس من الضروري اتخاذ مخصصات عليه. وقد بلغ اجمالي مخصصات المصارف المدرجة 18 مليار درهم في العام الماضي منها نحو 2.6 مليار غير متكررة ومرتبطة معظمها بعمليات الاستحواذ والاندماج، وبالتالي، فإن قيمة الزيادة المتوقعة في مخصصات العام الحالي نتيجة الانكشاف على "أن أم سي" قد تبلغ نحو 3.7 مليارات درهم ليصل الإجمالي إلى 21.7 مليار، وتمثل هذه الزيادة في المخصصات نحو 7.9 في المئة من أرباح المصارف المدرجة في العام الماضي.

أما في حال رأت البنوك أنه من الأفضل اتخاذ مخصصات بكامل قيمة الانكشاف وتدوينها في النتائج المالية للعام الحالي، فهذا يعني أن قيمة الزيادة في المخصصات قد تبلغ نحو 6.6 مليارات درهم ليصل إجمالي مخصصات القطاع إلى 24.6 مليار درهم وذلك في حال لم يتم اتخاذ أي مخصصات إضافية لقروض اخرى غير مرتبطة بمجموعة "أن أم سي"، وتمثل هذه الزيادة في المخصصات نحو 14.3 في المئة من أرباح المصارف المدرجة في العام الماضي.