السعودية وروسيا: النفط باب ترتيب العلاقات الثنائية
السعودية وروسيا: النفط باب ترتيب العلاقات الثنائية
- أدهم جابر
منذ أيام أنهى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين زيارة ناجحة إلى المملكة العربية السعودية، وقد جرى خلالها توقيع مجموعة من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم في مجالات غلب عليها الطابع الاقتصادي، وإن كانت النكهة السياسية قد غلّفتها بشكل واضح.
فالزيارة التي تكتسب أهميتها لكونها الأولى من نوعها منذ 12 عاماً عبّرت في مضمونها عن تقارب براغماتي واستراتيجي بين الطرفين، يستند إلى نجاح تجربة التعاون الاقتصادي بينهما خصوصاً في المحافظة على استقرار السوق النفطية.
وإلى هذا الهدف الرئيسي، تضمنت الزيارة جانباً مهماً من الناحية السياسية والأمنية، في ظل المستجدات الإقليمية تحديداً على الجبهتين اليمنية والسورية، وما يرافق ذلك من توترات في منطقة الخليج العربي والبحر الأحمر، الأمر الذي فرض على الطرفين استثمار تجربة التنسيق الاقتصادي الناجحة بينهما لتعزيز علاقاتهما وإيجاد نوع من التعامل السياسي المختلف الذي يدور حول نماذج عامة وخاصة بالنسبة للتعاطي مع الملفات الإقليمية والدولية الراهنة.
ويرى محللون أن زيارة بوتين إلى السعودية جاءت ترجمة للعلاقات الاقتصادية المتنامية بين الجانبين، وقال الاستراتيجي في أسواق البورصة العالمية وشؤون الاستثمار جهاد الحكيم لـ "اولاً" إن "زيارة الرئيس الروسي إلى الرياض شكّلت ترجمة لنجاح الدولتين في التنسيق المستمر في السنوات الأخيرة والذي أدى إلى المحافظة على سعر النفط من خلال خطوات قام بها الطرفان على صعيد تحديد كمية الإنتاج في بعض الأحيان حتى لا تنهار السوق النفطية، لذا كان طبيعياً أن يترجم هذا التنسيق برفع مستوى العلاقات بين الجانبين والذي بلغ ذروته مع زيارة الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود إلى موسكو العام الماضي، ثم زيارة بوتين الأخيرة إلى المملكة، وهذا يؤسس لمرحلة جديدة من العلاقات بين البلدين لم يختبر البلدان مثلها في زمان الاتحاد السوفيتي السابق".
مبادرة لتخفيف التوتر في المنطقة وإعمار سوريا
أعطت زيارة بوتين إلى الرياض أ الأولوية للأهداف الاقتصادية المطعمة بالسياسة، ويتضح ذلك من الهدف الأساسي الذي قامت عليه وهو تحقيق الاستقرار في السوق النفطية والذي منه يمكن الولوج إلى الملفات العالقة الأخرى. وقال الباحث في القانون الدولي والأستاذ المحاضر في كلية باريس للأعمال والدراسات العليا محي الدين الشحيمي لـ "اولاً" إن "الأولوية الاستراتيجية للسعودية وروسيا هي تحقيق الاستقرار في سوق النفط والعمل على مكافحة الخلل وتكريس ثبات منطق التوازن في العرض والطلب على البترول، إذ أن مصلحة كل الأطراف تكمن في بقاء أسعار النفط ضمن المعيار الأعلى من 80 دولاراً للبرميل، والذي يعكس بدوره الاستقرار في المنطقة والعالم ويجنب المضاربات".
لكن ذلك لم يمنع من اعتبار الزيارة:
أولاً: مبادرة لتخفيف التوتر في المنطقة، إذ يوضح الشحيمي أن "الأيام المقبلة قد تظهر إلى العلن واحدة من النتائج الهامة لهذه الزيارة والتي تتمثل بمسودة عمل هدفها تحقيق الاستقرار في المنطقة والتخفيف من حدة التوترات السياسية والأمنية بما يضع حدا لجموحها، ويؤمن الحد الأدنى من الاستقرار في المنطقة، وذلك ضمن إطار من التعاون والتضامن الاحترازي لمواجهة أي تهديدات قد تواجه الدولتين، خصوصاً بعد استهداف منشآت شركة (أرامكو)عملاق النفط السعودي".
ثانياً: يمكن القول إن الزيارة تنطوي على وساطة تقوم بها موسكو في موضوع الصراع اليمني والتوتر الحاصل بين طهران والرياض، وعليه هي محاولة للحد من الانعكاسات السلبية لهذا التوتر وخطوة سعودية للمحافظة على أمنها القومي والاقتصادي ودرء الأخطار الخارجية. كما أنها تفتح الباب لنقاش مستفيض للتحرّك بشكل جدي على صعيد الحوار السعودي الإيراني وحل الأزمتين السورية واليمنية.
ثالثاً: ترغب السعودية في لعب دور في إعادة إعمار سوريا، خصوصاً أن هناك حديث اليوم عن الشراكات والتلزيمات في تلك العملية، وهناك تنافس دولي للحصول على حصص استثمارية في سوريا، لذا ترى الرياض أن حجز مكان لها في هذا الإطار يكون من خلال مبادرات التقارب تحديداً مع روسيا التي تعدّ اللاعب الأبرز على الساحة السورية.
نحو مزيد من التقارب
استناداً إلى ما تقدم، فإن هناك رغبة جادة لدى الطرفين السعودي والروسي لتعزيز التقارب بما يخدم مصالحهما المشتركة، وهذا لا يمكن حدوثه إلا من خلال الاتفاقيات ومذكرات التفاهم الثنائية. وبحسب الشحيمي
فإن التطورات الدولية والإقليمية "تحتم وجود نوع من التقارب الودي المرفقي والمصلحي المجالي بين الدولتين، وذلك بغض النظر عن احتفاظ كل طرف بحلفائه، فإن الواضح هو اتفاقهما على تنظيم الخلافات خصوصاً في ظل التحرك الأخير على الساحة الروسية، إذ تعتبر موسكو أن الرياض تبذل جهوداً إيجابية لحل الأزمة السورية واحتوائها، بالإضافة إلى وجود تصور مشترك لديهما في ما يتعلق بمستقبل سوريا".
وإذا كان معظم تلك الاتفاقيات ومذكرات التفاهم يتخذ شكل الطابع الاقتصادي إلا أنه لم يمنع إضفاء نوع من التعاون العسكري والسياسي بينهما لكنه تعاون يظل في الإطار غير المنافس لنظيره مع الجانب الأميركي، إذ ستظل الولايات المتحدة الأميركية وحتى وقت بعيد الشريك الاستراتيجي الأول للمملكة وذلك لأسباب معروفة، لكن هذا السبب الأخير لم يمنع المحللون من توقع نهوض العلاقات السعودية الروسية ونموها بطريقة متسارعة مستندة إلى البيان المشترك الموقع بين الدولتين سنة 1990 والذي ينص على فكرة أساسية هي "إقامة علاقات ودية تصب في مصلحة شعبي البلدين"، علماً أن هذا البيان أصيب بالفتور لسنوات قبل أن يعود إلى الصعود منذ سنة 2017 إذ عاود الطرفان التقارب من بوابة الشراكة الاقتصادية. وقد تجلى ذلك بحسب الحكيم في "تفعيل دور المجلس الاقتصادي السعودي الروسي، الذي أنشئ خلال زيارة الملك سلمان إلى روسيا في العام الماضي، ورفع مستوى التنسيق الواضح في اتفاق الرؤية بتوجيه أسعار الطاقة ورفع الاستثمار بين البلدين إلى 10 مليار دولار 2 مليار منها قيد الاستثمار حالياً ثمّ زيادة وتيرة التعاون العسكري والتقني بنمو بلغت نسبته 35 في المئة".
إن اتجاه المملكة إلى تنويع شراكاتها الخارجية والدولية وتعزيز المنافسة بين الدول للتسابق إلى عقد الشراكات الاقتصادية معها، شجع بوتين على زيارة الرياض، في اعتراف ضمني بأهمية الدور السعودي من الناحيتين الاقتصادية والسياسية وتحقيق الأمن والاستقرار الاقتصادي والسياسي والاجتماعي في المنطقة، وهذا مطلب للدولتين ، لذا يمكن القول إن العلاقة بين روسيا والسعودية تتجه إلى نمط جديد عنوانه الأمن القومي الاقتصادي وفي الوقت نفسه المحافظة على الخطوط الحمر من النواحي السياسية والعسكرية، بطريقة تضمن استقرار المنطقة من الناحيتين.
ويختم الشحيمي أن "كل تلك الأمور تضفي حالة من الراحة النفسية والتنفس الإيجابي للمنطقة والعالم، وتساهم في تعزيز الاستثمارات المشتركة بين موسكو والرياض، وتحقيق هدف عدم تراجع سعر النفط عن 85 دولاراً للبرميل، وذلك بسبب حاجة الطرفين إلى تمويل مشاريعهما الاستثمارية، بعد أن استنزفا في الحربين اليمنية والسورية وصرفا أموالاً طائلة في النزاعين المذكورين".
الأكثر قراءة
-
المركزي الصيني: 98.5 مليار دولار تسهيلات إقراض متوسط الاجل
-
"جلف كابيتال" قوة استثمارية مؤثرة في الخليج وآسيا
-
ماذا تتضمن نشرة الإحصاءات الزراعية في السعودية لعام 2023؟
-
قطر: شراكة بين وزارة الاتصالات و"ستارتب جرايندر" لتعزيز الابتكار وريادة الأعمال
-
صندوق النقد الدولي يحذر من النمو المتسارع للديون العالمية: لإجراءات عاجلة تكبح نموها