هل تنتهك أنظمة المراقبة التكنولوجية خصوصية الأفراد في أوروبا؟
هل تنتهك أنظمة المراقبة التكنولوجية خصوصية الأفراد في أوروبا؟
- "أوّلاً- الاقتصاد والأعمال"، وكالات
بدأت غالبية الدول الأوروبية بالعودة تدريجياً إلى الحياة الطبيعية بعد فترة الإغلاق العام بسبب تفشي وباء "كوفيد-19" حول العالم، والذي أدى إلى وفاة أكثر من 167 ألف شخص في القارة العجوز، وبدت مرحلة ما بعد كورونا مختلفة عن تلك التي سبقتها خصوصاً على صعيد الشركات والمؤسسات والمرافق العامة الأوروبية التي شرعت في اختبار أنظمة مراقبة تكنولوجية متطورة لمتابعة حركة موظفيها عبر تثبيت كاميرات لقياس درجة الحرارة واستخدام أنظمة الكشف عبر الأقنعة وأنظمة تعقّب الأشخاص من أجل منع انتشار الفيروس التاجي مجدداً في ما بينهم، وتوزّعت هذه الأنظمة على المصارف والمكاتب ومستودعات التجارة الالكترونية، مروراً بالمصانع والنوادي الرياضية ووصولاً إلى المطارات ومراكز التسوق الكبرى.
وأدت هذه الإجراءات إلى خلق حالة من الخوف لدى الكثير من الأوروبيين في حال استمرت الشركات باعتمادها لفترات طويلة تبعاً لتطورات حركة الفيروس، باعتبار أنها تنتهك خصوصية الأفراد التي لا طالما افتخرت الدول الأوروبية بالعمل على حمايتها واحترامها، وذلك بحس تقرير أعدّته وكالة "بلومبيرغ".
استخدام أنظمة المراقبة انتهاك لخصوصية الأفراد
وانقسمت آراء الأوروبيين بين مؤّيد لاعتماد هذه التقنيات خصوصاً من قبل الشركات المصنّعة لها ومعارض يدافع عن مبدأ احترام خصوصية الأفراد. وفي هذا الإطار، قالت الباحثة في جمعية "إدري" لحقوق الإنترنت إيلا جاكوبوفسكا إن استخدام أنظمة المراقبة التكنولوجية لفترات طويلة سيؤدي إلى التطبيع مع هذه الأدوات، مشيرة إلى أن الانتاج السريع للتطبيقات والأجهزة والكاميرات سيؤدي في نهاية المطاف إلى تفكك الثقة بين أصحاب العمل وموظفيهم.
وأظهرت دراسة أجرتها شركة "برايس ووترهاوس كوبرز" أن 23 في المئة من الشركات العالمية تسعى إلى اعتماد مبدأ تتبع موظفيها وجهات اتصالاتهم قبل انتقالهم للعمل في مقراتها، وأشار الشريك في مكتب "كوفينغتون وبرلينغ" للمحاماة ديفيد كوبر إلى أن الشركات تسير بخط رفيع بين الحفاظ على سلامة الأفراد وحماية خصوصياتهم، معتبراً أن غياب التوجيهات الواضحة من المنتجين الأوروبيين لأنظمة المراقبة الالكترونية سيجبر الشركات التي قد تقع في مأزق إذا لم توفر الحماية الكافية لعمالها، على اتخاذ قرارات صعبة للغاية. وبحسب "بلومبيرغ" شدّد كوبر على ضرورة أن تؤمن الشركات التوازن بين حقوق خصوصية الأشخاص التي تعمل على جمع بياناتهم والحصول على هذا التوازن بشكل صحيح وعدم انتهاك القانون.
بدوره، رأى مدير الأبحاث في "UK Trade Union Prospect" أندرو باكس أن تحوّل الشركات نحو أنظمة تتبع الاتصال قد يؤدي إلى إضافة بيانات تراكمية حول الأماكن التي يقصدها الأفراد وحول ماذا يقومون به، مضيفاً أن الخوف يكمن في الوصول إلى المزيد من أنظمة المراقبة من دون وجود ضمانات حولها والتي قد تؤدي إلى المزيد من انتهاكات لمبدأ خصوصية الأشخاص في أوروبا.
من جهته، أوضح المدير الإداري لأوروبا في منتدى مستقبل الخصوصية روب فان إييك أن الكاميرات الحرارية تمثل انتهاكاً للخصوصية من خلال الضغط على الأشخاص الذين يعانون من ارتفاع في درجة حرارتهم بالكشف عن بياناتهم الصحية التي قد لا يكون لها علاقة بعوارض فيروس كورونا المستجد أو غيرها من الالتهابات الفيروسية وذلك على عكس رغبتهم.
الشركات المصنّعة: أنظمة المراقبة وسيلة ضرورية لحماية الناس
في المقابل، دافع مؤيدو اعتماد أنظمة المراقبة الالكترونية ومعظمهم من الشركات المصنّعة على اعتبار أن هذه الأدوات تمثل طريقة آمنة لإعادة الناس إلى العمل وإحياء الاقتصادات التي تدمرت بسبب عمليات الإغلاق، في الوقت الذي يقرّ فيه الكثيرون بأن هذه الأنظمة ليست مضمونة وأنه يمكن الحدّ من العدوى بشكل كبير من دون الحاجة إليها في المستقبل.
وفي هذا الاطار، قال الرئيس التنفيذي لشركة "رومبيت" البلجيكية جون بايكلمانز أن الأساور الالكترونية التي تنتجها هي أدوات للحفاظ على سلامة العمال وزيادة الانتاج، مشيراً إلى أن الشركة ستنتج أساور تتبّع خلال شهر حزيران/يونيو المقبل والتي ستسمح لأطباء ميناء أنتويرب البلجيكي بتتبع انتشار محتمل للفيروس التاجي بين العمال.
ورأى بايكلمانز أن فترة أساور التتبع تدوم أكثر من الفيروس في حد ذاته حيث تستخدمها الشركات لتتبع حركة الموظفين وأدائهم، كاشفاً أن الشركة ستزوّد 300 شركة أوروبية بهذه الأجهزة خلال الأسابيع المقبلة.
ونفى أي علاقة لهذه الأساور بمبدأ انتهاك خصوصية الأفراد في القارة الأوروبية مشدداً على ضرورة احترام بيانات الأشخاص وعدم كشفها أو الإعلان عنها.
من جهتها، باعت شركة "إستيموت" البولندية أجهزة البعد الاجتماعي للمصانع ومراكز الأبحاث والتي تتيح لهم تتبع الاتصالات التي يجريها أي موظف مصاب بكورونا. وبحسب الرئيس التنفيذي للشركة جاكوب كرزيتش، فإن الأجهزة المرتبطة بأسلاك تصدر إنذاراً صوتياً عندما يقضي العمال أوقاتاً طويلة إلى جانب زملائهم في الشركة، وأضاف كرزيتش أنه يمكن للموظفين الذين تظهر عليهم عوارض كوفيد-19 أن يضغطوا على زر موجود في الجهاز مما يتيح الأمر للشركة بتتبع حركتهم، موضحاً أن هذه الحاجة لهذه الأجهزة بات ضرورياً على المدى الطويل لتتبع انتشار الوباء بين الناس، نافياً أن تكون هذه المنتجات منتهكة لمبدأ خصوصية الأفراد.
أما شركة "هيرتا سيكيوريتي" الاسبانية فطورت تكنولوجيا الكشف عن القناع والتعرف على الوجه للحدّ من اللمس في أماكن العمل. وبحسب مديرة قسم التسويق في الشركة لورا بيدريغال، فإن شركة كبرى لبيع التجزئة تسعى الى استخدام هذه التقنية في مكاتبها المنتشرة في أوروبا وأميركا الجنوبية، مضيفة أن استخدامها يقي العالم من تفشي فيروس كورونا بشكل كامل.
كما بدأت الكاميرات الحرارية تنتشر بشكل واسع في معظم دول العالم لما لها من فعالية على الصعيد الصحي والاقتصادي، ويقوم معظم مطارات العالم بينها مطار هيثرو في لندن وشارل ديغول في باريس باستخدامها، وفي هذا الاطار، يؤكد الرئيس التنفيذي لشركة " Dermalog Identification Systems GmbH" غونتر مول إن الشركة ستزيد من عملية انتاجها للكاميرات الحرارية، مشيراً أن عمليات الطلب عليها ترتفع بشكل جنوني ومن أنحاء العالم كافة.
في المحصلة، شكّلت مرحلة ما بعد كورونا تحدياً للناس في أوروبا والعالم من خلال تغيّر نمط حياتهم وطريقة عملهم والإجراءات الصحية التي يخضعون لها يومياً. إن هذه الإجراءات قد تؤدي إلى انتهاك خصوصية الأفراد في حال تمّ استخدامها لفترات طويلة مما قد يجعل حياة الأشخاص عرضة للتدخل في تفاصيلهم اليومية والتأثير على حركتهم واتصالاتهم.
الأكثر قراءة
-
المركزي الصيني: 98.5 مليار دولار تسهيلات إقراض متوسط الاجل
-
الخزانة الأميركية تعتزم بيع سندات طويلة الأجل بـ 183 مليار دولار الأسبوع المقبل
-
"جلف كابيتال" قوة استثمارية مؤثرة في الخليج وآسيا
-
ماذا تتضمن نشرة الإحصاءات الزراعية في السعودية لعام 2023؟
-
قطر: شراكة بين وزارة الاتصالات و"ستارتب جرايندر" لتعزيز الابتكار وريادة الأعمال