كيف سينعكس تخفيض أسعار الفائدة على الاقتصاد المصري؟

  • 2019-11-28
  • 09:44

كيف سينعكس تخفيض أسعار الفائدة على الاقتصاد المصري؟

  • د. مغاوري شلبي علي

أعلن البنك المركزي المصري أخيراً، عن تخفيض كبير في أسعار الفائدة التي وصلت إلى 13.75 في المئة، فيما بلغ معدّل التضخم 4.3 في المئة في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، وذلك في ظل مفاوضات تجريها الحكومة المصرية مع صندوق النقد الدولي حول برنامج إصلاح اقتصادي استكمالي من دون جانب مالي، لتعزيز الإصلاح المالي والنقدي الذي تمّ خلال السنوات الأخيرة، بإصلاح مؤسسي حقيقي.

هذا الواقع يفتح أمام المستثمرين والمصنعين الراغبين بالدخول إلى السوق المصرية، المجال للكثير من الأسئلة المهمة، وهي تساؤلات مشروعة لأنها تدور حول مستقبل أداء الاقتصاد المصري بشكل عام، وأداء القطاع الخاص على وجه التحديد. ولعلّ أهم تلك الأسئلة:

أولاً، ما هي توقعات النمو في مصر في السنوات المقبلة؟

ثانياً، كيف ستكون انعكاسات دخول الاقتصاد العالمي حالة الركود على الاقتصاد المصري؟

ثالثاً، ماذا يعني تخفيض البنك المركزي المصري لأسعار الفائدة وانخفاض معدلات التضخم؟

خامساً، ما هي أهم المؤشرات التي يجب أن ينظر إليها المستثمرون؟

أولاً: ما هي توقعات النمو في مصر للسنوات المقبلة؟

 إن الإجابة على هذا السؤال تنطلق من صندوق النقد الدولي الذي أبقى على توقعاته المرتفعة لنمو الاقتصاد المصري بالنسبة إلى العام المالي الحالي 2019/2020، مستنداً إلى متغيرات عدة أبرزها، تحسن مؤشرات الاقتصاد الكلي وارتفاع معنويات المستثمرين وتعافي قطاع السياحة وقطاع انتاج الغاز الطبيعي، إذ تشير أرقام الصندوق إلى أن الاقتصاد المصري سيحقق معدل نمو يصل إلى 5.9 في المئة للعام المالي الحالي، وأن يرتفع هذا المعدل ليصل إلى 6 في المئة على المدى المتوسط. كذلك أكد الصندوق أن أداء الاقتصاد المصري شهد تحسنا ملحوظا منذ بداية برنامج الإصلاح في 2016، موضحاً أن برنامج الإصلاح الذي تم تنفيذه خلال 3 سنوات ساعد على استقرار مؤشرات الاقتصاد الكلي، ورفع معدلات النمو، وتقليص معدلات البطالة.

 

المصدر: بيانات عام 2015/2016 حتى عام 2018/2019 من وزارة التخطيط والاصلاح الإداري. ومن عام 2019/2020 حتى عام 2020/2021 وفق توقعات البنك الدولي.

 

ووفق توقعات الصندوق فإن النظرة المستقبلية والتوقعات بالنسبة إلى نمو الاقتصاد المصري تظل مواتية وإيجابية، وأن هذه التوقعات ستكون مصحوبة بتحسن في العديد من المؤشرات، إذ يتوقع الصندوق:

تراجع العجز الإجمالي من 9.7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في 2017/2018 إلى 8.2 في المئة في 2018/2019.

انخفاض إجمالي الدين العام من 93 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في 2017/2018 إلى 85 في المئة في نهاية حزيران/يونيو 2018/2019.

استمرار تراجع معدلات التضخم وتكرار تخفيض معدلات الفائدة من قبل البنك المركزي المصري.

 وعلى الرغم مما تحمله هذه التوقعات من أخبار سارة للمستثمرين والمصنعين والتجار في مختلف قطاعات الاقتصاد المصري، فإنه يقتضي الالتفات إلى أهمية إدراك المستثمرين والمصنعين ورجال الأعمال من ناحية، وتفهم الحكومة من ناحية أخرى أن تحقيق الاستدامة لهذا النمو يتطلب التركيز على تحسين جودة النمو، إلى جانب التركيز على الإبقاء عليه مرتفعاً خلال السنوات المقبلة، وأن استكمال الإصلاح النقدي والمالي الذي تحقق في بيئة الاعمال المصرية خلال السنوات الماضية، وجعلها ملائمة لنشاط القطاع الخاص يحتاج إلى دعمه بإصلاح مؤسسي حقيقي، يؤدي إلى تخفيض التكاليف التي يتحملها القطاع الخاص من خلال تطوير الجهاز الإداري، ومكافحة الفساد، وتطوير منظومة تخصيص الأراضي الصناعية للمستثمرين، وتوفير منافسة عادلة للشركات في ما بينها من ناحية، وبين الشركات والجهات الحكومية من ناحية أخرى. كذلك يحتاج الأمر إلى المزيد من الإصلاحات في بيئة الأعمال، وتيسير الإجراءات الحكومية لتسهيل مجالات البدء بالعمل للمستثمرين وتأمين الخدمات اللوجيستية لهم كتصاريح البناء والحصول على الكهرباء والتمويل، والضرائب، وتسهيل الاستيراد والتصدير للمصانع والتجار.

ثانياً، كيف ستكون انعكاسات دخول الاقتصاد العالمي حالة الركود على الاقتصاد المصري؟

 على الرغم من التوقعات الإيجابية في شأن مستقبل نمو الاقتصاد المصري خلال السنوات المقبلة، إلا أن هناك تخوفات من تأثر النشاط الاقتصادي في مصر إذا تحققت توقعات العديد من المؤسسات الدولية بدخول الاقتصاد العالمي في حالة من الركود الطويل، خصوصاً في ظل التقارير الدولية العديدة التي أشارت إلى احتمالات ركود الاقتصاد العالمي مع بداية عام 2020، وأن هذا الركود ستكون تداعياته أصعب وأطول من تداعيات الأزمات التي تعرض لها الاقتصاد العالمي سابقاً وآخرها الأزمة المالية العالمية في عام 2008،  وذلك نتيجة تنامي حدة الصراع التجاري الدولي، وحالة اللايقين بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وعدم الاستقرار في بعض مناطق العالم ومنها منطقة الخليج العربي. وهذا ما يدفع بالمستثمرين الراغبين بدخول السوق المصرية إلى البحث عن إجابات لأسئلة عن درجة الحصانة التي يتمتع بها النشاط الاقتصادي في مصر إذا حدثت صدمة خارجية قد تنتج عن التباطؤ والركود المتوقع في الاقتصاد العالمي.

توقعات البنك الدولي لمعدلات نمو الاقتصاد العالمي حتى 2021

المناطق 2015 2016 2017 2018 2019 2020 2021
العالم 2.9% 2.6% 3.1% 3.0% 2.6% 2.7% 2.8%
البلدان المتقدمة 2.3% 1.7% 2.3% 2.1% 1.7% 1.5% 1.5%
بلدان الأسواق الناشئة والبلدان النامية 3.8% 4.1% 4.5% 4.3% 4.0% 4.6% 4.6%
منطقة شرق آسيا والمحيط الهادئ 6.5% 6.3% 6.5% 6.3% 5.9% 5.9% 5.8%
أوروبا وآسيا الوسطى 1.1% 1.9% 4.1% 3.1% 1.6% 2.7% 2.9%
أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي 0.1% 0.3% 1.7% 1.6% 1.7% 2.5% 2.7%
الشرق الأوسط وشمال أفريقيا 2.9% 5.1% 1.2% 1.4% 1.9% 3.2% 2.7%
جنوب آسيا 7.1% 8.1% 6.7% 7.0% 6.9% 7.0% 7.1%
أفريقيا جنوب الصحراء 3.0% 1.3% 2.6% 2.5% 2.9% 3.3% 3.5%

 

وإذا صحّت التوقعات أعلاه، يمكن القول إن الاقتصاد المصري لن يكون في حصانة كاملة من التداعيات الاقتصادية التي ستنجم عن ركود الاقتصاد العالمي، إذ سيتأثر بالظروف والسياسات الاقتصادية العالمية في حالة الركود، مثل تقلبات الأسعار العالمية للسلع، وانتشار استخدام السياسات التجارية الحمائية ضد الصادرات، والتوسع في حروب العملات، وتراجع تدفقات الاستثمارات العالمية الجديدة، واللجوء للملاذات الآمنة في ظل تأثر أسواق المال. لكن في الوقت نفسه فإن هناك الكثير من المؤشرات التي توحي بأن تأثير الركود العالمي على الاقتصاد المصري سيكون محدوداً مقارنة بغيره من اقتصادات المنطقة، وذلك بفعل السياسات المتبعة في مصر وأهمها تخفيض معدّل الفائدة وتقليص التضخم وإطفاء الدين العام، والأهم الدور الكبير الذي يلعبه الاستهلاك المحلي في الحفاظ على معدلات النمو الاقتصادي مرتفعة. ويعزز ذلك كله الحجم الكبير والمتنوع للاقتصاد المصري. وهذا الأمر يطمئن المستثمرين الراغبين في دخول السوق المصرية.

وإلى جانب ما ورد سيكون هناك فرصة لجذب الاستثمارات من الصين ودول الاتحاد الأوروبي إلى مصر، وذلك في ضوء بحث هذه الدول عن مناطق جديدة لإعادة توطين استثماراتها لتفادي السياسات التجارية الحمائية، كما ستكون هناك فرص لزيادة الصادرات من بعض السلع المصرية بعد تراجع فرص نفاذ صادرات بعض الدول من السلع الزراعية الطازجة والغزل والمنتجات القطنية ومنتجات الجلود للسوق الصينية.

ثالثاً، ماذا يعني تخفيض البنك المركزي المصري لأسعار الفائدة وانخفاض معدلات التضخم؟

 من المؤكد أن أسعار الفائدة المنخفضة مطلب مهم للصانعين والمستثمرين والتجار، وذلك لأن ارتفاع الفائدة يعني لهم ارتفاع تكلفة التمويل، ومن ثم ارتفاع تكاليف الاستثمار والانتاج والتصدير. كما أن ارتفاع سعر الفائدة وارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الجنية المصري معا، يجعل المستثمرين يفضلون الاستثمار في أدوات الدين العام، ومن ثم تزيد تدفقات الأموال الساخنة التي تسعى إلى تحقيق مكاسب كبيرة وسريعة.

ومن المهم أن يعي رجال الأعمال بأن سبب تخفيض البنك المركزي لسعر الفائدة لا يرجع فقط إلى انخفاض معدلات التضخم خلال الشهور الأخيرة، ذلك أن الارتفاع كان بسبب عوامل العرض وليس بسبب ارتفاع الطلب ووجود سيولة مرتفعة في السوق، لذا من المؤكد أن تخفيض سعر الفائدة وتكراره خلال الشهور المقبلة سيكون له أثر على جميع أطراف السوق المصرية، وفقاً للتالي:

أولاً: أثر مباشر على تدفقات الاستثمار الأجنبي، لأنه سيخفض تكلفة حصول الصانعين والمستثمرين والتجار على الائتمان، ومن ثم تشجيع الاستثمارات الجديدة وتشجيع التوسعات في الاستثمارات القائمة، وستحدث طفرة كبيرة في معدل الاستثمار نتيجة تكرار خفض سعر الفائدة إذا صاحب ذلك تنفيذ حزمة من السياسات والإجراءات لتوفير بيئة أعمال محفزة خاصة للاستثمارات الصناعية والزراعية، والتي يجب أن تلعب دوراً مهماً في توفير فرص العمل، وتساهم بنسبة أكبر في تحقيق معدل النمو الاقتصادي، وذلك مقارنة بالاستثمارات التي يركز عليها المستثمرون حالياً لكونها مضمونة العائد وفي مقدمتها الاستثمار العقاري والاستثمار في أذون الخزانة.

ثانياً: أثر سلبي على صافي العائد الحقيقي على الأوعية الادخارية مثل شهادات الادخار والودائع، في حين سيكون له مردود إيجابي لمصلحة المقترضين، وعليه ستستفيد الحكومة من خفض سعر الفائدة لأنها هي أكبر المقترضين من البنوك، وسوف ينعكس بالإيجاب على تقليص عجز الموازنة العامة.

ثالثاً: سيعمل تخفيض سعر الفائدة على دعم النشاط في البورصة المصرية وزيادة عدد الشركات المساهمة المقيدة بها، كما سيعمل على تنشيط القطاع العقاري، وتنشيط التمويل العقاري، وهو ما سيؤدي لزيادة نشاط الشركات في القطاعات والأنشطة المرتبطة بالقطاع العقاري، ويؤدي لتراجع أسعار الوحدات السكنية.

تطور أسعار الفائدة في مصر

 

وفي المحصلة، فإن تخفيض سعر الفائدة كسياسة مالية توسعية وما ينجم عنها من زيادة في تدفقات الاستثمارات الجديدة وتوسع في الاستثمارات القائمة، سيؤدي إلى انتعاش السوق المصرية، وتالياً زيادة نشاط وانتاج وأرباح المستثمرين والمصنعين والتجار، إذ تشير التوقعات إلى أن هناك مساحة كبيرة أمام البنك المركزي المصري لإجراء مزيد من التخفيض في سعر الفائدة خلال الفترة المقبلة، وعلى مراحل، ليصل إلى نحو 8 في المئة، وإلى استمرار تراجع معدلات التضخم، لذا فإن المخاوف حول هروب الاستثمارات من مصر نتيجة مواصلة تخفيض سعر الفائدة خلال الفترة المقبلة هي غير مبررة، وذلك بسبب التراجع الواضح في معدلات التضخم، ووجود نوع من الاستقرار النسبي في سعر صرف الجنيه المصري الذي تحسن وضعه بشكل واضح خلال الشهور الأخيرة أمام الدولار الأميركي، ولأن سعر الفائدة في مصر لا يزال أعلى من المعدلات الدولية.

 

 

رابعاً، ما هي أهم المؤشرات التي يجب أن ينظر إليها المستثمرون؟

إن معظم المؤشرات التي يمكن للمستثمرين والصانعين والتجار أن يبنوا عليها قراراتهم في السوق المصرية، هي مؤشرات إيجابية وترسل رسائل تطمين للمستثمرين حول مستقبل الاستثمار في هذه السوق المصرية وفرص النجاح فيها، ومن أهم هذه المؤشرات:

  • الجدية التي تتمتع بها الحكومة في تنفيذ وعودها، إذ تغلبت الحكومة على العديد من المشكلات التي كانت تواجه المستثمرين والمصنعين والتجار خلال السنوات الماضية، مثل مشكلة نقص الغاز وانقطاع الكهرباء، إذ كانت المصانع في السابق تعمل مناوبة واحدة لعدم توافر الغاز، أي أن نقص الطاقة لم يعدد محدداً للطاقة الانتاجية للمصانع، ولم يعد سببا لعدم الوفاء بالعقود التصديرية للشركات.
  • تغلب الحكومة على المشكلة الخاصة بدعم الصادرات، والتي تراكمت منذ عام 2012 حتى وصلت مستحقات الشركات إلى نحو 25 مليار جنيه، إذ تم تطبيق برنامج جديد لدعم الصادرات والبدء في سداد المستحقات للشركات.
  • توفر الدولار في البنوك وتلبية احتياجات المستثمرين والمصنعين والتجار منه لتمويل الواردات من المعدات ومستلزمات الانتاج وتمويل الصادرات، وذلك بعد اختفاء السوق السوداء والتعامل على الدولار بسعر واحد داخل وخارج الجهاز المصرفي.
  • إشادة المؤسسات الدولية بمناخ الاستثمار والجدارة الائتمانية والسيادية في مصر، بعد ارتفاع الاحتياطيات من العملات الأجنبية لأكثر من 45 مليار دولار في أكتوبر 2019، وتحقيق مصر ثاني أفضل فائض أولى بالموازنة العامة، وثاني أفضل أداء للعملة.
  • بلوغ صافي مدفوعات دخل الاستثمار نحو 8.3 مليار دولار خلال العام المالي 2018/2019 في مقابل 6.2 مليار دولار في عام 2017/2018، ما يعني أن صافي هذا النوع من الإيرادات يميل للزيادة.
  • تحقيق ميزان البترول فائضاً لأول مرة منذ العام المالي 2012/2013، وذلك في ضوء زيادة صادرات الغاز الطبيعي بعد تحقيق الاكتفاء الذاتي المحلي منه.
  • تحقيق السياحة إيرادات كلية بلغت 12.5 مليار دولار مقارنة بنحو 9.8 مليار دولار في العام المالي 2017/2018، إذ أن انتعاش قطاع السياحة سيعزز نشاط ونمو القطاعات الانتاجية والخدمية الأخرى.
  • دخول نحو 1.7 مليار دولار ضمن أصول البنوك بالعملة الأجنبية خلال العام المالي 2018/2019 مقارنة بتراجع في هذه الأصول بحوالي 2 مليار دولار خلال العام المالي 2017/2018.

إن هذه المؤشرات وغيرها يجب أن تدعم ثقة المستثمرين والمصنعين والتجار في بيئة الأعمال وفرص نجاح استثماراتهم في السوق المصرية، وهو أمر ترصده المؤشرات المعبرة عن تطور أداء القطاع الخاص غير النفطي في مصر، مثل مؤشر مدراء المشتريات(PMI)، ومؤشر باروميتر الأعمال، وهي مؤشرات لها أهمية كبيرة للمستثمرين والمصنعين والتجار، لأنها تعكس واقع ومستقبل تطور أنشطة القطاع الخاص الصناعي، وتقدم نظرة عامة عن ظروف التشغيل والعمل في القطاع الخاص غير النفطي، وذلك من خلال رصد التطور في الطلبات الجديدة للشركات، والمخزون السلعي، والإنتاج وحجم تسليم الموردين، والنمو الاقتصادي، والمبيعات المحلية، والصادرات، ومستوى استغلال الطاقة الإنتاجية، والأسعار، والأجور والتوظيف، والاستثمار، والملاحظ أن هناك تحسن ملموس في هذه المؤشرات في مصر خلال الفترة الأخيرة، وأنها تشير إلى أن نشاط القطاع الخاص غير النفطي يشهد توسع نسبي من المتوقع تزايده خلال الفترة القادمة.