موازنة لبنان 2021: روحية إصلاحية مهددة بالعقم
موازنة لبنان 2021: روحية إصلاحية مهددة بالعقم
- علي زين الدين
لم يجد وزير المال اللبناني غازي وزني نصيراً متحمساً يشد عضده في الدفاع عن مشروع قانون الموازنة العامة للعام 2021 الحالي، والذي رفعه الى رئاسة مجلس الوزراء بتأخير قارب ثلاثة أشهر عن موعده الدستوري، وضمنه إجراءات غير مسبوقة تبشر بتحول جدي في إدارة المالية العامة والشروع بإصلاحات هيكلية كانت لتدرأ قبل سنوات الانحراف الحاد الذي قاد لبنان إلى العواصف المالية والنقدية التي ضربت خبط عشواء في كل مفاصل البلد واقتصاده.
قد يهمك:
سباق الوباء والغلاء والبطالة والمدخرات المحبوسة:
ما أضيق العيش في لبنان
ولا يعيب وزني "أن يأتي متأخراً" في ظل شواذ الوضع الحكومي التائه بين المهام الضيقة لتصريف الأعمال وبين عصيان تأليف الحكومة الجديدة. فهو أنجز "فروض" مسؤولية وزارته في الجمع والإعداد وتحديد سقوف الإنفاق والواردات واقتراح التعديلات والتصويبات، ورفع مسودة "قوننة" المالية العامة في نهاية شهر السماح للصرف الاستثنائي على القاعدة الإثنتي عشرية، برغم الغطاء بالتمديد للإستثناء الذي أقرّه مجلس النواب تحسباً الى حين إقرار الموازنة الجديدة.
الإصلاح الهيكلي للمالية العامة لا يخص الدولة وحدها
ومع بدء التفاعل المجتمعي حول المضامين الرقمية للموازنة العتيدة، تستحق روحية المبادرة الرامية الى تحديد بعض أسس الاصلاح المالي انخراطاً أوسع نطاقاً وتمثيلاً عبر نقاشات ومداخلات موضوعية يتولاها أهل الاختصاص والهيئات التمثيلية لأصحاب العمل والعمال، وبما يشمل هيئة التنسيق في القطاع العام. فالإصلاح الهيكلي للمالية العامة لا يخص الدولة وحدها، إنما هو النواة الصلبة لاقتصاد البلد، وهي البوصلة التي ستحدد خطوط خريطة الطريق من الانهيار والإمساك بحبال النهو، وهي حالياً ولاحقاً ركيزة وموضع متابعة المجتمع الدولي المعول عليه للخروج من النفق، وفي المقدمة المبادرة الفرنسية وصندوق النقد الدولي.
لكن وقائع الأمور تسير في اتجاه معاكس. ففي ظل سيطرة لعبة "الوقت الضائع" في إدارة البلاد وشؤونها كافة، يبدو المسار متعثراً برغم الامكانية المتاحة لحكومة تصريف الأعمال لإحالة المشروع الى المجلس ليصار الى ايداعها للبحث والتدقيق عبر لجانه المعنية وفي مقدمها لجنة المال في طريقها الى الهيئة العامة لمجلس النواب بوصفه المرجعية الدستورية للبت بالصياغة النهائية لمشروع القانون بالاضافة الى حقيقة وجود عقبات قانونية واجرائية واعتراضات متصاعدة من "المتضررين".
للإطلاع:
لبنان- سويسرا: حذار سقوط "الأمن المالي والنقدي"!
شواذ حكومي
وليست مكونات التعثر شأناً هامشياً في مسألة حيوية بحجم المالية العامة وفض وضع لبنان الحالي، انما هي سدود محصنة بقوة صانعيها وداعميها. ففي التعمق والتبصر يبرز الشواذ الحكومي والتأخير المتمادي في اخراجه من قمقم الاستحقاقات "الأبعد!" أجلاً والمناكفات والمصالح، يليه ربطاً عزل كرة الدعم الملتهبة بكلفتها البالغة أكثر من 5 مليارات دولار سنوياً، والتي تجنّب وزير المال تحميل أثقالها على مشروع الموازنة متجاوزاً ماهيتها كقرار حكومي يلزم البنك المركزي بالإنفاق، وصولاً الى فجوة عدم تحديد سعر واقعي للعملة الوطنية في عمليات احتساب الموارد والمصروفات. ثم يضاف الى هذه المعضلات تحديد هوية "راعي" المشروع في رحلته التشريعية، وهو أمر يستبطن اشكالية صريحة ذات ارتباط وثيق بتقييم صندوق النقد الدولي لمضمون الاصلاحات وسقوفها، بما يشمل ادارة الدين العام وتحديد وجهة التفاوض مع حاملي سندات " اليوروبوندز" ومستحقاتها التي باتت تربو على 35 مليار دولار.
إقرأ أيضاً:
عن الوباء والجوع وشعب لبنان العظيم..
ولا تقل المعطيات وزناً وتأثيراً في البعدين الاقتصادي والاجتماعي مضافاً اليهما الأخطار التي يولدها تفشي وباء كورونا وتداعي قدرات المداخيل والمدخرات على تغطية الحد الأدنى من كلفة الطبابة والدواء والاستشفاء. فالإقرار بتقلص الناتج المحلي من نحو 50 مليار دولار الى نحو 18.7 مليار دولار، يوجب اعداد خطة طوارىء اقتصادية مرفقة بالموازنة بحيث تتحول الى برنامج عمل يحظى بتأييد المجتمع الدولي ودعمه. والترحيب بالقرض الميسر الذي وفّره البنك الدولي بقيمة 245 مليون دولار لإعانة نحو 800 ألف نسمة أو 147 ألف عائلة، يعني أن مدن البلد وبلداته وقراه تحولت بمجملها الى مواطن فقر مسيطر بنسبة 60 في المئة قابلة للتفاقم الى 80 في المئة، والى جانبها أحزمة أو جزر صغيرة لمقتدرين مهددين بغضب الجائعين. أما في المستلزمات المالية الموجبة لاحتواء الأمن الصحي ومنع انفجاره فهي من الضرورات التي لا تخضع لأي محظور مالي أو تقشف ضروري.
بالتأكيد، من الظلامة القاء هذه المسائل والمهام الحيوية على مسؤولية وزير المال، بل إنها ثقيلة للغاية على أي حكومة قائمة أو قادمة ما لم يتم تعزيزها بجهود مشاركة ومواكبة على كل المستويات التنفيذية والتشريعية والنقدية والقضائية، ويجري تضليلها بتوافق وطني عريض.
إصلاحات وزني المالي في رحم عقيم
لكن تجاوز أولويتها سيضع حكماً ما يقترحه وزني من اصلاحات مالية مهمة وضرورية في رحم عقيم وربما توليد اضرار تلحق موظفي القطاع العام والمتقاعدين بصفوف المعوزين والأكثر فقراً، بعدما سبقهم مئات الآلاف من العاملين في القطاع الخاص الذين انضموا الى البطالة الجزئية اوالتامة، ويعاني أغلبهم في تأمين قوت يومهم.
كذلك، فإن العقم عينه سيكون مآل النقاش المفتوج حول الاصلاحات وتبويب الانفاق والواردات، ما لم تكن نقطة الانطلاق تصويب الوضع الحكومي واعداد ورقة عمل موحدة لاستئناف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، وقبل كل ذلك، حسم قضية الدعم ووقف إنفاق آخر القروش في احتياطات العملات الصعبة على الاحتكارات والتهريب والتلاعب بذريعة حماية الأمن المعيشي للناس المكتوين بالغلاء والوباء والاستغباء.
في السياق، تلقى وزير المال اعتراضات نيابية ونقابية على الاقتراحات المتصلة بمداخيل القطاع العام من موظفين ومتقاعدين وتغطيتهم الصحية. وقد التقى وفداً من هيئة تنسيق القطاع العام وقدّم لهم شرحاً تفصيليّاً لواقع الحال وركائز الموازنة التي أخذت في الاعتبار الوضع الاقتصادي الصعب في البلد ووضع المؤسسات التجارية والصناعية ووضع القطاع المالي والمصرفي، كما أبدى تفهمه للهواجس والمخاوف التي أبداها أعضاء الوفد وتم الاتفاق على متابعة الموضوع من خلال اجتماعات سوف تعقد في وزارة المالية وتقديم الاقتراحات اللازمة من أجل معالجتها.
للاقتراحات وجدواها ولبيانات الانفاق والايرادات بحث متصل ...
الأكثر قراءة
-
المركزي الصيني: 98.5 مليار دولار تسهيلات إقراض متوسط الاجل
-
الخزانة الأميركية تعتزم بيع سندات طويلة الأجل بـ 183 مليار دولار الأسبوع المقبل
-
"جلف كابيتال" قوة استثمارية مؤثرة في الخليج وآسيا
-
ماذا تتضمن نشرة الإحصاءات الزراعية في السعودية لعام 2023؟
-
قطر: شراكة بين وزارة الاتصالات و"ستارتب جرايندر" لتعزيز الابتكار وريادة الأعمال