ارتفاع أسعار السلع يرهق كاهل اللبنانيين.. ولا رقابة
ارتفاع أسعار السلع يرهق كاهل اللبنانيين.. ولا رقابة
- كريستي قهوجي
"بلغ السيف الزبى" مقولة تنطبق على حال الشعب اللبناني الذي بات أسير جشع وطمع التجّار وزيادة الأسعار في بلد أصبح ككرة تتقاذفها المطامع والمحسوبيات ويطغى عليه الفساد، وذلك على مرأى ومسمع من الدولة "الغائبة" أصلاً عن القيام بدورها الرقابي والحاسم في كبح جموح هذا الارتفاع.
ومع كل يوم جديد، يفتتح سعر صرف الدولار على تسعيرة مختلفة حيث يرتفع أحياناً ليبلغ مستويات خيالية وترتفع معه أسعار السلع بشكل جنوني وينخفض أحياناً أخرى وفقاً لحسابات السوق السوداء، ولكن أسعار السلع تبقى مرتفعة وفقاً لـ"ضمير" بعض التجّار الذين يستغلّون البلبلة والفوضى لتحقيق أرباح خيالية في ظل ضعف الرقابة التي تقوم بها وزارة الاقتصاد والتجارة وغياب أجهزة الدولة شبه التام عن الساحة.
ارتفاع الأسعار من دون انخفاضها غير صحيح
وإلى جانب ارتفاع أسعار السلع غير المدعومة في الأسواق، أدّى طمع التجّار إلى احتكار السلع المدعومة وإخفائها في المستودعات بهدف بيعها بأسعار تفوق قدرة المواطنين على تحمّلها وبالتالي إلى توسّع نطاق الفقر في البلاد وتراجع القدرة الشرائية للمواطنين. وفي هذا السياق، يقول رئيس نقابة مستوردي المواد الغذائية في لبنان هاني بحصلي في حديث مع "أولاً-الاقتصاد والأعمال" إنّ مسألة ارتفاع أسعار السلع من دون انخفاضها غير صحيحة، موضحاً أن هناك نوعين من الأسواق في لبنان وهي السوبرماركات التي تشكّل 20 إلى 25 في المئة من وضع الأسواق وهي تعتمد على لوائح التسعير الموضوعة من قبل التجار، والمحلات التجارية الأخرى التي تشكّل 75 في المئة من وضع الأسواق (أي نحو 20 ألف نقطة بيع)، مؤكداً أن هذا الأمر يجعل ضبط نقاط البيع هذه أمراً مستحيلاً.
الأسعار لا ترتفع بشكل فجائي
ويشير بحصلي إلى أنّ الأسعار لا ترتفع بشكل فجائي بحيث إنه مع ارتفاع سعر صرف الدولار منذ أسبوعين بقيت أسعار السلع ثابتة حتى وصل التعديل عليها في الأسبوع التالي، مشدداً على أنه عندما ينخفض سعر صرف الدولار تنخفض أسعار السلع معه تلقائياً خصوصاً في السوبرماركات وهذا الأمر يشمل المتاجر الصغيرة أيضاً، مضيفاً أنه إذا قام التاجر الصغير أو صاحب المتجر الصغير برفع سعر سلعة معيّنة أكثر مما يمكن للمواطن أن يتحمّله فلن يقدم هذا الأخير على شرائها، وبالتالي فإن السعر المرتفع للسلعة المعروضة في المتجر افتراضي فيما سعرها الحقيقي يكون عندما تتم عملية البيع بعد دفع ثمنها على الصندوق، ضارباً مثالاً على ذلك حيث إنه إذا كان سعر سلعة ما يبلغ 8000 ليرة لبنانية وارتفع سعر صرف الدولار فسيرتفع سعر السلعة معه بشكل تلقائي ولكن إذا قام التاجر برفعه أكثر من السعر الحقيقي فإنّه لن يباع حتى يعود إلى سعره الحقيقي.
بلبلة في الأسواق
أدّى عدم اليقين في السوق المحلية إلى خلق بلبلة كبيرة نتيجة التذبذبات في سعر صرف الدولار. ويشير في هذا الصدد، إلى أن ارتفاع سعر الصرف من 9000 ليرة إلى 15000 ومن ثم انخفاضه إلى 12000 أثّر بشكل كبير على عمليات تسعير السلع لدى التجار حيث قام بعضهم برفع أسعاره فيما بعضهم الآخر أبقى على أسعاره كما هي والبعض الآخر فضل ألا يبيع سلعه لأنه يعلم بأن المواطنين لن يقوموا بالشراء أبداً بسبب الغلاء.
وحول دور وزارة الاقتصاد والتجارة في مراقبة الأسعار، يقول بحصلي إنها لا تستطيع أن تقوم بأعمال المراقبة بشكل تام لأن البلد يمرّ بعاصفة هوجاء وفي فوضى عارمة، مشيراً إلى أن المراقبين لا يستطيعون ضبط الأسعار في المتاجر بسبب تقلّبات سعر صرف الدولار بشكل يومي، مشدداً على ضرورة إزالة هذه الفوضى والبلبلة من قبل الدولة كي تستطيع الوزارة القيام بواجباتها بشكل كامل، مضيفاً أن التجار أوقفوا عمليات بيع السلع بسبب توقف الموردين عن البيع بالإضافة إلى عدم قدرة التجار على التسعير وعدم استيعابهم على أي سعر عليهم أن يبيعوا سلعهم.
أين دور مديرية حماية المستهلك؟
من جهته، يشير المدير العام لحماية المستهلك في وزارة الاقتصاد والتجارة اللبنانية طارق يونس إلى أن دور مديرية حماية المستهلك في الوزارة هو مراقبة الأسعار عبر متابعة فواتير السلع التي تقوم المتاجر بشرائها وبيعها وتحديد الكميات الموجودة، موضحاً أنها إذا لحظت أي تحقيق أرباح وتخطٍّ لنسب الأرباح المسموحة بموجب القوانين فتسطّر محاضر ضبط بحقّها وتحيلها إلى القضاء المختص، مضيفاً أنه عندما ينخفض سعر صرف الدولار أمام الليرة من البديهي أن تنخفض أسعار السلع ومؤكداً أن المديرية تراقب هذه العملية وتقوم بتسطير محاضر ضبط في حال لم يقم التاجر أو المورّد بتخفيض أسعاره بعد انخفاض سعر الصرف.
وحول أسباب استمرار ارتفاع أسعار السلع مع انخفاض سعر الصرف، يقول يونس إنه لم تشهد سوق الصرف انخفاضات ملحوظة في سعر الدولار، رافضاً من موقعه الرقابي الدخول في أسباب ذلك مشدداً على عمله في ضبط الأسعار والمخالفات وتحويلها إلى القضاء.
تأخر في صدور الأحكام الفضائية
ويلفت يونس النظر إلى أن هناك تأخّراً في إصدار الأحكام بحق المخالفين من قبل القضاء اللبناني بسبب ظروف العمل ومناوبات القضاة في ظل أزمة كورونا ووجود ضغط كبير من الملفات العالقة، مشيراً إلى أن مديرية حماية المستهلك وبمؤازرة من القوى الأمنية كضابطة عدلية تقوم بإقفال محلات ومستودعات المخالفين وختمها بالشمع الأحمر بعد مخابرة النيابة العامة الاستئنافية أو النيابات العامة المالية بشكل مباشر وسريع، خصوصاً في قضايا الاحتكار وإخفاء السلع المدعومة من دون عرضها في صالات البيع والتي بلغ عددها المئات خلال آخر 5 أشهر.
مخالفات متنوّعة
تقوم مديرية حماية المستهلك بملاحقة عدد كبير من المخالفات المتنوّعة. وفي هذا السياق، يوضح يونس أن المخالفات تبدأ بقضية احتكار السلع المدعومة مروراً بمراقبة الأسعار ووصولاً إلى ضبط الغش بوزن ربطة الخبز وكيل البنزين وسعره، معتبراً أن هذه المهام تشكّل ضغطاً إضافياً على المديرية التي تمتلك قدرات محدودة.
تغيّر في النمط الاستهلاكي للبنانيين
وحول استمرار عملية ارتفاع الأسعار في الأيام المقبلة، يرفض يونس من موقعه الرقابي أن يعطي رأيه من الناحية الاقتصادية ولكنه يشير إلى أن لبنان، وبحسب نقابات التجار والمستوردين، مقبل على مشكلة كبيرة في حال استمر الوضع على ما هو عليه حالياً لأن لن يعود لهم القدرة على الاستمرار بالاستيراد لكثير من السلع، مشيراً إلى أن المديرية لحظت تغيّر في النمط الاستهلاكي للمواطن اللبناني واختفاء سلع واستبدالها بأخرى أقل جودة.
ويذكّر يونس المواطنين بالاتصال بمركز تلقّي الشكاوى في وزارة الاقتصاد والتجارة على رقم الهاتف 1739 بالإضافة إلى التطبيق الإلكتروني الخاص بالمديرية "Consumer Protection Lebanon" عبر الهواتف الذكية في حال إيجاد أية مخالفة ليصار إلى ملاحقتها واتخاذ الإجراءات المناسبة بحقّ المخالفين.
نقابة اتحاد القصابين ضبطت 50 في المئة من الوضع
أما الرئيس التنفيذي لنقابة اتحاد القصّابين وتجّار المواشي معروف بكداش فيقول إن النقابة تشمل مستوردي وتجّار المواشي وتجار اللحوم وسائقي الشاحنات الذين ينقلون البضائع من المرفأ، لافتاً النظر إلى أن النقابة وقعت اتفاقية مع وزارتي الزراعة والاقتصاد لتحصل على الدعم المادي لاستيراد المواشي من الخارج.
ويضيف بكداش أن البلد في فوضى كبيرة وهناك تجار يلتزمون بخفض أسعارهم عند تراجع سعر صرف الدولار وآخرين لا يلتزمون بسبب طمعهم وجشعهم، لافتاً النظر إلى أن النقابة ضبطت الوضع بنسبة وصلت إلى 50 و60 في المئة في مجال تجارة اللحوم والمواشي.
وذكر أن هناك تجّاراً لم يلتزموا بقرارات النقابة لناحية ضبط الأسعار مستغلين الأوضاع المتردّية لتحقيق مآربهم، موضحاً أن نحو 60 في المئة من القصّابين أقفلوا متاجرهم لأنهم لم يستطيعوا تأمين الدعم لمواشيهم.
ما هي الحلول؟
يشدد بحصلي على ضرورة تشكيل حكومة بشكل سريع مما يفتح المجال على الحلول الأخرى، إذ إن التجارة تعتمد على الاستقرار على الصعيد الأمني والسياسي والاقتصادي، مشدداً على ضرورة ضبط إيقاع الأمور كي تستقر الأوضاع.
أما يونس فيؤكد أن وزارة الاقتصاد تلاحق وستلاحق كل المخالفات في حال انخفض سعر صرف الدولار وبقيت أسعار السلع مرتفعة وستكون لوزير الاقتصاد تعاميم موجّهة إلى نقابات المستوردين أو السوبرماركات لإصدار لوائح أسعار جديدة مبنية على سعر صرف الدولار، مشدداً على أن السوبرماركت سيلاحق في حال تسلّم السلع على سعر منخفض وأبقى على أسعاره مرتفعة كما ستتم ملاحقة الموردين الذين يصدرون لوائح أسعار مرتفعة على الرغم من انخفاض سعر صرف الدولار.
من ناحيته يشدد بكداش على ضرورة الحل السياسي بشكل أولي حتى يتمكّن البلد من التنفّس، لافتاً النظر إلى أن قطاع المواشي واللحوم يحاول الالتزام بأسعار الدعم إلى أقصى حدود.
مؤسسات
أشخاص
الأكثر قراءة
-
المركزي الصيني: 98.5 مليار دولار تسهيلات إقراض متوسط الاجل
-
الخزانة الأميركية تعتزم بيع سندات طويلة الأجل بـ 183 مليار دولار الأسبوع المقبل
-
"جلف كابيتال" قوة استثمارية مؤثرة في الخليج وآسيا
-
ماذا تتضمن نشرة الإحصاءات الزراعية في السعودية لعام 2023؟
-
قطر: شراكة بين وزارة الاتصالات و"ستارتب جرايندر" لتعزيز الابتكار وريادة الأعمال