تردد ذكر مصطلح "الاقتصاد الرقمي" كثيراً على مدار السنوات القليلة الماضية، مما يعكس أهمية التحول الرقمي في دفع عجلة التنمية الاقتصادية في منطقة الشرق الأوسط وعالمياً، وتشير أحدث التوقعات إلى أن الاقتصادات الرقمية لدول مجلس التعاون الخليجي تحقق نمواً أكبر بمرتين مقارنة باقتصادات الدول المتقدمة.
يعتمد نمو الاقتصاد الرقمي في دول الخليج على البنية التحتية الحديثة لتقنية المعلومات والاتصالات كمحور مهم لتمكين أعمال وخدمات القطاعات والصناعات كافة. وتعتبر شبكات الجيل الخامس التجارية اليوم أبرز مكونات البنية التحتية التي يتم الاعتماد عليها في قطاعات مختلفة كالتصنيع والتعدين وشبكات الطاقة والرعاية الصحية والتعليم وغيرها والتي وصل عددها عالمياً إلى 175 شبكة بحلول نهاية العام الماضي، حيث تم توقيع العديد من الاتفاقات مع شركات الاتصالات والشركاء لتوفير أكثر من 1000 شبكة من شبكات الجيل الخامس المخصصة للشركات.
في منطقة الشرق الأوسط، ساهم نشر اتصال الجيل الخامس والحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء في تمكين القطاعات الحيوية ودفع عجلة الرقمنة على طريق توفير المزيد من الحلول والخدمات العصرية لقطاع الأعمال والأفراد على حد سواء. وكان العديد من دول مجلس التعاون الخليجي في مقدمة الدول التي نشرت شبكات الجيل الخامس على المستوى العالمي وخاضت تجربة استكشاف تطبيقاتها وميزاتها في مختلف المجالات.
يوفر المؤتمر العالمي للهاتف المحمول 2022 Mobile World Congress الذي يُعقد في برشلونة فرصة كبيرة للمجتمع التقني لتبادل الآراء والخبرات ومناقشة الإنجازات الحالية وسبل تحقيق الأهداف المستقبلية على صعيد توفير ابتكارات جديدة ذات قيمة مضافة للأعمال والمجتمعات. وتبرز الطاقة الرقمية كأحد المجالات المهمة على أجندة دورة العام الحالي من المؤتمر، ولاسيما في ظل التغيرات المناخية الكبيرة التي قد تكون لها آثار كارثية، حيث تواجه الحكومات والمؤسسات العديد من الضغوط للعمل ضمن إطار الحدّ من الانبعاثات الكربونية والاعتماد على مصادر الطاقة النظيفة بعد أن جدّد قادة العالم في نهاية العام الماضي التزامهم بمواجهة التغير المناخي من خلال الحدّ من الانبعاثات الكربونية على مدار العقد المقبل.
وينطوي الانتقال إلى الاعتماد على الطاقة النظيفة في المستقبل على العديد من التحديات، والجيد في الأمر أن التكنولوجيا يمكن أن تسهم بشكل كبير في تحقيق هذا الانتقال، ووفقاً لتوقعات المنتدى الاقتصادي العالمي، يمكن للتقنيات الرقمية أن تسهم في الحدّ من الانبعاثات الكربونية على المستوى العالمي بنسبة 15 في المئة على مدار العقد المقبل، وبالاعتماد على خبراتها العالمية في مختلف أسواق تقنية المعلومات والاتصالات، تسهم هواوي في دعم جهود الانتقال إلى الطاقة النظيفة، حيث أطلقت في العام 2021 أعمال الطاقة الرقمية التي تعتمد على التقنيات الرقمية وإلكترونيات الطاقة لتوفير حلول سلسة ومنخفضة الكربون وآمنة وصديقة للبيئة لمختلف القطاعات وفي مقدمها الاتصالات. وفي منطقة الشرق الأوسط، وفّرت هواوي حلاً لمشروع البحر الأحمر في المملكة العربية السعودية، وهو أكبر مشروع لتخزين الطاقة الكهروضوئية على المستوى العالمي.
حققت العديد من دول الشرق الأوسط مكانة رائدة في تعزيز الاستدامة على المستوى العالمي مثلما كانت رائدة في نشر شبكات الجيل الخامس، حيث كانت دولة الإمارات - على سبيل المثال - في مقدمة الدول التي أطلقت خطة وطنية للاستدامة. وتهدف استراتيجية الإمارات للتنمية الخضراء التي تم إطلاقها في العام 2012 إلى تحقيق مكانة رائدة على المستوى العالمي في مجال الاستدامة لكي تصبح الدولة مركزاً لتصدير المنتجات والتقنيات النظيفة، كما سيوفر مشروع "نيوم" في المملكة العربية السعودية نموذجاً آخر للاستدامة في المدن من خلال الاعتماد على الطاقة المتجددة بالكامل. وكان إنشاء منطقة أبحاث جديدة للطاقة الشمسية في معهد قطر لبحوث البيئة والطاقة التابع لجامعة حمد بن خليفة، عضو مؤسسة قطر أحد أهم المشاريع التي تتجه نحو تعزيز الطاقة المستدامة. وقد شاهدنا من خلال مشاركة الكويت في معرض اكسبو كيف أن فلسفة وتصميم المبنى جاءت وفق ركيزتين أساسيتين هما الطاقة الشمسية والحفاظ على الماء.
الفرص المتاحة لشركات الاتصالات
لا يمكن تحقيق أي تقدم في مجال الطاقة الرقمية بمنأى عن دور الشبكات الحديثة، مما يوفر الفرصة لشركات الاتصالات لمواصلة الابتكار ليس في مجال توفير الاتصال فحسب، ولكن في الخدمات السحابية والحلول الرئيسية والبنية التحتية النظيفة كذلك، مما سيسهم بدوره في الحدّ من التكاليف المترتبة على موفري الخدمات وتحسين الكفاءة بالإضافة إلى تمكين الانتقال للاقتصاد الرقمي. وتبرز أهمية البنية التحتية المتماسكة لشركات الاتصالات في تمكين عملائها من المؤسسات لمواكبة المتطلبات المستقبلية والتي ستعتمد إلى حد كبير على الحوسبة السحابية والحوسبة المتطورة والأمان المعزز وسيناريوهات العمل من أي مكان.
أطلقت هواوي أول حل للخدمات السحابية لشركات الاتصالات العالمية، وهو تصميم شبكات تقنية المعلومات المخصص لشركات الاتصالات (Carrier IT Target Network Architecture) لمساعدة شركات الاتصالات على تعزيز الإيرادات والحدّ من التكاليف وتحسين الكفاءة مع نشر البنية التحتية النظيفة والذكية والآمنة لتقنية المعلومات والتي تتمتع بالكفاءة ويمكن الاعتماد عليها، كما تعتبر الخدمات السحابية جزءاً من الحلول المتنوعة التي توفرها هواوي والتي تهدف إلى تحسين موارد شركات الاتصالات. وتجمع خدمة XtoB التي توفرها هواوي بين تقنية الجيل الخامس والخط الخاص الأساسي وشبكات الحوسبة السحابية الذكية ومراكز البيانات، حيث يتيح هذا التصميم لشركات الاتصالات تحقيق التحول الرقمي وتلبية متطلبات العملاء.
وتهدف الشبكات في المستقبل إلى توفير قيمة أكبر للمستهلكين، حيث ستتمكن شركات الاتصالات من تنفيذ ابتكاراتها في وقت قصير وتحقيق المزيد من الإيرادات من استثماراتها في البنية التحتية من خلال خدمات OTT، وهو قطاع تهيمن عليه شركات الإنترنت في الوقت الحالي. وفي الشرق الأوسط على وجه التحديد، تتوفر العديد من الفرص لموفري الخدمات لتلبية متطلبات العملاء من مقاطع الفيديو الفائقة الدقة والألعاب والواقع المعزز والواقع الافتراضي من خلال توفير الاتصال السلس إلى المنازل ومراكز التسوق والحفلات الموسيقية والملاعب الرياضية.
مواكبة المتطلبات المستقبلية
يتطلب السعي لتحقيق الاستدامة واغتنام الفرص التي يوفرها الاقتصاد الرقمي أكثر من مجرد رؤية. لذلك، تلتزم هواوي بترسيخ نهج الاستثمار في مجال البحث والتطوير لتقديم المزيد من الابتكارات في ضوء أهداف الاستدامة. وقد تجاوزت استثماراتنا في البحث والتطوير على مدار العقد الماضي 110 مليارات دولار. وبفضل المختبرات المفتوحة التي أسسناها في الشرق الأوسط وجميع أنحاء العالم، تم تصنيف هواوي ثاني أكبر مستثمر من القطاع الخاص في البحث والتطوير على المستوى العالمي وفقاً للائحة الاستثمار في البحث والتطوير الصناعي والتي تصدرها المفوضية الأوروبية.
من المهم أثناء العمل اغتنام الفرص التي يوفرها الاقتصاد الرقمي البقاء على اطلاع حول مختلف مخاطر الجرائم الإلكترونية بشكل دقيق، حيث تشير التقديرات إلى أن الخسائر الناجمة عن الجرائم الإلكترونية على المستوى العالمي تزداد بنسبة 15 في المئة سنوياً، أي أنها ستصل إلى 10.5 تريليونات دولار سنوياً بحلول العام 2025، كما أشار تقرير تم نشره أخيراً إلى أن 48 في المئة فقط من المؤسسات في الشرق الأوسط تثق بقدرتها على مواجهة تهديدات الأمن السيبراني وأن ثلاثاً من كل خمس شركات تثق بقدرتها على الاستجابة للحوادث التي تقع في الوقت الحالي، ويمكن أن تؤدي هذه الخسائر إلى عرقلة جهود التحول الرقمي. ولذلك، يجب على شركات الاتصالات اختيار تصاميم مخصصة وآمنة للبنية التحتية لتقنية المعلومات والاتصالات عند إطلاق حالات استخدام جديدة للمؤسسات.
المهارات المؤهلة ومسيرة الرقمنة
على الرغم من التحديات التي مرت بها هواوي على مدار العام الماضي، إلا أنها تمكنت من تعزيز جودة منتجاتها وحلولها وعملياتها وعملت على رفع مرونة وكفاءة أعمالها ضمن مختلف التخصصات، كما تابعت الشركة استثماراتها الكبيرة في البحث والتطوير ودخلت ميادين خطوط إنتاج وتخصصات جديدة وعملت على ترسيخ مكانتها في شبكات الاتصالات ودعمها بمختلف قدرات التقنيات الأخرى المتطورة كالسحابة والذكاء الاصطناعي التزاماً منها بالمساهمة في إنجاز مراحل التحول الرقمي في دول منطقة الشرق الأوسط. وفي الوقت ذاته، تشمل أولوياتنا تقديم قيمة مجتمعية في الدول التي نعمل بها، ونركز على وجه الخصوص على الإسهام في رعاية المواهب الرقمية في منطقة الشرق الأوسط من خلال العديد من المبادرات مثل برنامج بذور من أجل المستقبل وأكاديميات تقنية المعلومات والاتصالات ومبادرة Women in Tech والمختبرات المشتركة وغيرها. وكانت نسخة العام 2021 من مسابقة هواوي لتقنية المعلومات والاتصالات مثالاً حياً على جهود التعاون مع العديد من شركاء القطاع العام مثل وزارات التعليم وهيئات تنظيم الاتصالات والمؤسسات المسؤولة عن تمكين وتدريب الشباب، حيث تهدف المسابقة إلى تطوير الأنظمة المحلية الشاملة والمتكاملة اللازمة لتقنية المعلومات والاتصالات التي تبدأ بتنمية المواهب الشابة وتعزيز قدراتهم الابتكارية وإعداد الجيل القادم من قادة التكنولوجيا للمساهمة في بناء الاقتصاد الرقمي المستدام المبني على المعرفة في دول المنطقة، بالتماشي مع الخطط والرؤى الوطنية الطموحة. وتعاونت هواوي في مبادرة المسابقة مع أكثر من 20 وزارة و453 كلية وجامعة من 10 دول في الشرق الأوسط، وشارك بالمسابقة أكثر من 15000 طالب من مختلف دول الشرق الأوسط
نثق في هواوي بأهمية التعاون المفتوح مع شركائنا في القطاعين الخاص والعام والمؤسسات التعليمية من أجل تنمية المواهب التقنية المحلية وتحسين مهاراتهم وإعدادهم للمساهمة في تحقيق التحول الرقمي وقيادة دفة التنمية الاجتماعية والاقتصادية للاستفادة القصوى من التكنولوجيا الحديثة التي باتت محوراً حيوياً لتطور الأعمال والمجتمعات البشرية.
التعاون المنفتح
أساس النجاحات المشتركة
ما يجب التركيز عليه خلال المرحلة الحالية من جهود الرقمنة هو تضافر الجهود والتعاون المنفتح بين القطاعين العام والخاص لتعزيز الابتكار وتحقيق نجاحات مشتركة، خصوصاً في مجال ضمان الأمن السيبراني، فالهواتف الذكية التي نستخدمها في الشرق الأوسط أو أي مكان آخر وأنظمة الاتصالات تعمل وفق معايير دولية متفق عليها. والنظام الإيكولوجي العالمي لتقنية المعلومات والاتصالات مرعي بمعايير عالمية صادرة عن منظمات متخصصة مثل مشروع شراكة الجيل الثالث المسؤول عن معايير شبكات الجيل الخامس ونظام أمان تجهيزات الشبكات التابع للجمعية الدولية للهاتف المحمول (جي اس ام ايه). ومثل هذه المعايير لا تستهدف ضمان معايير موحدة فحسب، ولكن تطوير هذه المعايير باستمرار في ضوء التجارب العملية. ومن خلال التعاون معاً في ضوء القوانين والأنظمة المعتمدة، سنتمكن في المستقبل من تحقيق نجاحات مشتركة تخدم أهداف الاستدامة واغتنام الفرص الجديدة للأعمال والمجتمعات البشرية للمضي قدماً نحو بناء عالم ذكي ومتصل بالكامل.