محمد بن زايد رئيساً: رؤية غير تقليدية لمستقبل الإمارات والمنطقة

  • 2022-05-18
  • 10:30

محمد بن زايد رئيساً: رؤية غير تقليدية لمستقبل الإمارات والمنطقة

  • فيصل أبوزكي

بانتقال سلس للسلطة في الإمارات، صعد الشيخ محمد بن زايد إلى رئاسة الدولة ليواصل نهج سلفيه، الأب المؤسّس الشيخ زايد، والشقيق الراحل الشيخ خليفة، في رسم طريق سياسي واقتصادي ريادي يضع بلاده في قلب معادلات المنطقة والاقتصاد العالمي مع الأخذ في الاعتبار التحوّلات العميقة الجارية في المشهد الدولي.   

ومن خلال تمرّسه ومسؤولياته كرجل دولة، ولاسيّما بعد تعرّض شقيقه الراحل لأزمة صحية حدّت من قدرته على متابعة شؤون الدولة وتفاصيلها، نسج الرئيس الجديد للدولة علاقات واسعة مع قادة المنطقة والعالم وطّدت دور الإمارات في النطاق الإقليمي والدولي، وأرست أسساً متينة في عملية بناء الدولة في مختلف الميادين والقطاعات، دفعت الإمارات إلى فضاءات واسعة بلغت كوكب المريخ.

ونجح، بمشاركة القادة الآخرين في الاتحاد في صوغ رؤية مستقبلية للإمارات، توجت بإطلاق خطة الخمسين الرامية إلى بناء دولة مزدهرة ذات اقتصاد متنوّع يؤمّن الاستدامة لمرحلة ما بعد النفط. ومنذ تسلّمه ولاية العهد في أبوظبي، عمل على إعادة هيكلة الإدارة الحكومية فيها وزرع ثقافة عمل جديدة تقوم على الكفاية والعلم وحسن الإدارة، ولاسيما في قطاعات مهمة مثل الطاقة والصناعة والتكنولوجيا والاستثمارات الخارجية، وأدى ذلك الى إحداث تحولات كبيرة في اقتصاد الامارة والدولة عززت دور الامارات في النطاقات الخليجية والعربية والدولية، وجعلتها قطباً في صناعة سياسات المنطقة والمشاركة في إعادة صياغة النظام الإقليمي وسط منعطفات وأحداث جذرية، ودعمه في ذلك العلاقة القوية التي تربطه بولي عهد المملكة العربية السعودية الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز وكذلك الثقل الاقتصادي الكبير لدولة الإمارات وبسبب اقتناعه بالأهمية الكبيرة للدبلوماسية المبادرة في تحسين مناخات التعاون بين الدول الخليجية وتعزيز وحدتها.

 

ولأن الخمسين المقبلة، هي واقعياً خمسون ما بعد النفط، وما بعد استقرار مداخيله، فإنها تستوجب قرارات شارك الشيخ محمد في صوغها، وفي مقدّمها إعادة ابتكار اقتصاد جديد للإمارات متداخل مع اقتصادات الذكاء الصناعي، والتقدّم التكنولوجي، الذي يغيّر باستمرار خريطة الأنشطة الاقتصادية والمالية والأمنية برمّتها، من دون أن يتيح لها الاستقرار على وجهة ثابتة. وهذا، بدوره يفترض عدم الاتكاء فقط على الاستثمارات التقليدية للصناديق السيادية لضمان الاستدامة، فكان تأسيس شركة "مبادلة" تماشياً مع أولويات هذه الخطة، وبموجبها جرى تطوير أصول استثمارية يفوق حجمها 284 مليار دولار توفّر نحو 15 ألف وظيفة في الإمارات وتمتد استثماراتها على نطاق 50 بلداً، وتعمل وفق أفضل المعايير العالمية للحوكمة والشفافية ضمن فئة الصناديق السيادية والاستثمارية المملوكة للحكومات. وتلعب "مبادلة" دوراً ريادياً في إعادة صياغة اقتصاد أبوظبي باتجاه التنويع وتنمية دور الصناعات التكنولوجية والطاقة البديلة والأمن الغذائي وتعزيز ثقل الديبلوماسية الاقتصادية في سياسة الإمارات الخارجية. ولم يستثن النهج التغييري للشيخ محمد قطاع النفط حيث أطلق خطة إعادة هيكلة شاملة لشركة "أدنوك" لمواجهة التحولات الحاصلة في صناعة الطاقة العالمية ومواكبة الأولويات المحلية وللاستثمار في زيادة كبيرة للطاقة الانتاجية وضعت الإمارات في مصافي كبار المنتجين عالمياً، ويجري حالياً العمل على مشاريع توسّعية لرفع انتاج الغاز.

ولأن التفكير في الخمسين سنة المقبلة، هو تفكير في ما بعد النفط، فهذا يعني إعادة النظر في بنية العلاقات والتحالفات التي أنتجتها حقبة النفط. وما بعد النفط يعني عملياً ما بعد أميركا، أو على نحو أدق، ما بعد العلاقة الاستثنائية بين أبوظبي وواشنطن، والأخذ في الاعتبار صعود قوى جديدة كالصين، ما يفرض إعادة رسم خريطة العلاقات مع دول العالم وإعادة بناء التحالفات في الشرق الأوسط والتوجه الى افريقيا وغرب آسيا كأسواق استثمارية واعدة. وتالياً، فإن إعادة تعريف العلاقات الأميركية الإماراتية، وابتكار أسس جديدة لها، مع ما يحمله ذلك من تبعات استراتيجية ستكون أبرز التحديات في عهد الشيخ محمد الذي برز اسمه كمحرك لتغييرات سياسية غير مسبوقة في المنطقة تمت تحت عنوان بناء تحالفات خارجية يمكنها دعم موقف دول مجلس التعاون في وجه التهديدات الخارجية وتراجع الدور الأميركي في ضمان أمن الخليج وفي الوقت نفسه استخدام "القوة الناعمة" المتمثلة بالثقل الاقتصادي لدول الخليج لتعزيز نفوذها وقدرتها على التأثير في الملفات الإقليمية الحساسة. كما قاد الشيخ محمد بن زايد مبادرة التطبيع التدريجي للعلاقات الخليجية السورية وذلك ضمن استراتيجية ترمي لرفع الذرائع التي تبرر استمرار وجود القوات الأجنبية وغيرها على الأراضي السورية ومحاولة دفع عملية الحل السياسي في سوريا. وشملت الاستراتيجية الجديدة، فكّ الاشتباك مع تركيا ورؤية حديثة للمنطقة، من خلال التجسير بين العراق ومصر والأردن (وتالياً سوريا ولبنان)، عبر شبكات طاقة كهربائية وغاز ونفط، تعالج من جهة النتائج المدمرة للاضطربات التي رافقت احداث الربيع العربي، وخلق بنية مصالح اقتصادية ذات نتائج سياسية.