كيف سيطير العالم من دون الوقود الاحفوري؟
كيف سيطير العالم من دون الوقود الاحفوري؟
- أحمد عياش
عنوان المقال مستوحى من عنوان مشابه هو :"كيف سيبدو العالم بدون الوقود الأحفوري"؟ وورد هذا العنوان لمقال كتبته شانون أوساكا في الواشنطن بوست في نهاية الشهر الماضي. واشارت الكاتبة بداية الى "ان هناك تجربة فكرية أظهرت تعقيدات التخلص التدريجي من النفط والغاز والفحم".
للاطلاع:
"صندوق الاستثمارات العامة" السعودي يؤسس شركة "تطوير البلد" لتنمية المنطقة التاريخية في جدة
وأضافت: "في كل عام، ينتج العالم كميات مذهلة من الوقود الأحفوري، أي ما يقرب من 36.5 مليار برميل من النفط، وأكثر من 8 مليارات طن متري من الفحم. وتقوم الولايات المتحدة وحدها باستخراج ومعالجة أكثر من 100 مليار قدم مكعب من الغاز الطبيعي". وتمضي الكاتبة الى القول: "عندما يتم حرق هذا الوقود الأحفوري، يتم إطلاق غازات الاحترار الكوكبي، وكل هذا الفحم والنفط والغاز هو السبب في أن شهر أيلول/سبتمبر الماضي قد شهد بالفعل درجات حرارة قياسية ومن المرجح أن يفشل العالم في تحقيق هدفه المتمثل في الحد من ارتفاع درجة الحرارة العالمية إلى 1.5 درجة مئوية".
وخلص مقال الواشنطن بوست الى القول: "مع تزايد الزخم الدولي وراء الأهداف العالمية الرئيسية مثل مضاعفة القدرة المتجددة ثلاث مرات ومضاعفة كفاءة الطاقة بحلول العام 2030، والتي من شأنها أن تؤدي معاً إلى انخفاض أقوى في الطلب على الوقود الأحفوري هذا العقد، فإن قمة المناخ COP28 في دبي هي فرصة حيوية للالتزام بطموح وتنفيذ أقوى في السنوات المتبقية من هذا العقد الحرج".
كيف تبدو الصورة المتصلة بالوقود الاحفوري عند الجهة المقابلة لمجموعة منتجي هذا الوقود وهي اوبك بلس؟
بحسب وكالة الطاقة الدولية، فإنه، ومع انتقال العالم إلى الطاقة النظيفة، يجب موازنة بناء مصادر الطاقة المتجددة مع التخفيض التدريجي للوقود الأحفوري، لكن توقيت هاتين العمليتين الصعبتين والمركبتين أسهل قولاً من فعله. وقال المدير التنفيذي للوكالة فاتح بيرول، الذي يساعد في قيادة الحملة العالمية للقضاء على الوقود الأحفوري بلا هوادة في جميع أنحاء العالم بحلول العام 2050، في مقابلة أجريت معه مؤخراً، إنه قلق بشأن كيف يمكن لهذا التحول أن يترك عمال الفحم والنفط والغاز عاطلين عن العمل، كما قال: "أكبر ما يقلقني هو: ما هي الآثار المترتبة على انتقال الطاقة النظيفة في بعض شرائح السكان التي تأثرت بشدة. في مرحلة انتقالية غير مخططة بشكل جيد، يمكن أن يكون هناك القليل من رد الفعل العنيف مع تداعيات سياسية".
وفي وقت سابق من ايلول/سبتمبر الماضي، وفي أسبوع المناخ في نيويورك، حثّ المتظاهرون قادة العالم على "إنهاء الوقود الأحفوري الآن" وأرسلوا رسالة إلى الرئيس بايدن يطلبون منه الالتزام بالتخلص التدريجي من استخراج الوقود الأحفوري في الولايات المتحدة، واستضاف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش قمة المناخ حيث كانت الدول المدعوة الوحيدة هي تلك المستعدة للالتزام "بعدم استخدام الفحم والنفط والغاز".
ولكن ماذا سيحدث إذا توقف العالم فجأة عن استخراج الوقود الأحفوري؟ وماذا يعني ذلك بالنسبة لمحاولات التخلص التدريجي من شيء اعتمدت عليه البشرية لقرون عدة؟
يتفق معظم الخبراء على أن التوقف المفاجئ في إنتاج الوقود الأحفوري - على سبيل المثال، إذا أغلقت الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية وكل منتج كبير آخر آبارهم النفطية في الوقت نفسه - سيكون كارثياً. وقالت سامانثا غروس، مديرة مبادرة أمن الطاقة والمناخ في معهد بروكينغز: "يا إلهي العزيز، لا أعرف حتى من أين أبدأ."
وإذا توقف إنتاج الوقود الأحفوري غداً، فسيتوقف العالم بسرعة. حتى في المناطق التي يتم فيها تشغيل جزء كبير من الكهرباء على مصادر الطاقة المتجددة، غالباً ما يستخدم الوقود الأحفوري لتوفير طاقة "ثابتة" يمكن أن تأتي في أي وقت من النهار أو الليل. ومن دون هذه الطاقة، ستشهد شبكات الكهرباء انقطاعاً واسع النطاق في التيار الكهربائي. وفي غضون أسابيع قليلة، من شأن نقص النفط - الذي لا يزال الوقود الرئيسي المستخدم لنقل البضائع بالشاحنات وشحنها في جميع أنحاء العالم - أن يعوق تسليم الأغذية وغيرها من السلع الأساسية.
وقال كيلي تراوت، المدير المشارك للأبحاث في Oil Change International "ان مثل هذا التخلص التدريجي المفاجئ ليس بالطبع ما يطلبه النشطاء حقاً. وليس من التوقع أن الاستخراج سيتوقف في كل مكان في العالم".
ويشير أوليفييه بوا فون كورسك، محلل السياسات في المعهد الدولي للتنمية المستدامة، إلى أن حقول النفط والغاز في المتوسط، تفقد نحو 4 في المئة من إنتاجها كل عام مع انخفاض ضغط المكامن، هذا قريب من الانخفاض بنسبة 3 في المئة تقريباً سنوياً الذي وضعته وكالة الطاقة الدولية في سيناريو لخفض الانبعاثات إلى الصفر بحلول العام 2050. وقال فون كورسك: "لذلك يمكنك فقط الاحتفاظ بالحقول التي تعمل بالفعل".
وهكذا، تستمر آبار النفط والغاز الجديدة في الظهور في جميع أنحاء العالم. ووفقاً لتقرير حديث صادر عن Oil Change International، فإن الولايات المتحدة مسؤولة عن نحو ثلث التوسع المخطط له في الوقود الأحفوري من الآن وحتى العام 2050، وكشفت إدارة بايدن النقاب عن خطة للسماح بالمزيد من تأجير النفط والغاز البحري في خليج المكسيك على مدى السنوات الخمس المقبلة لضمان قدرة الحكومة أيضاً على بيع عقود إيجار الرياح البحرية الجديدة بالمزاد العلني.
ويتجادل صانعو السياسات والباحثون حول ما إذا كان ينبغي على الدول المتقدمة التخلص التدريجي من إنتاج الوقود الأحفوري أولاً - لأنها أطلقت معظم انبعاثات الكربون حتى الآن - أو الاستمرار في الإنتاج لضمان إمدادات ثابتة من الوقود الأحفوري لبقية العالم.
ووسط هذا الجدال، أعلنت المانيا في الرابع من تشرين الأول/أكتوبر الحالي عن عزمها إعادة الكثير من محطات الطاقة المجمدة التي تعمل بالفحم البني، إلى سوق الكهرباء مرة أخرى في الشتاء المقبل حتى تضمن استمرار عمل أكبر اقتصاد في أوروبا عندما يصل الطلب على الكهرباء إلى ذروته، وفق ما اوردت "وكالة الأنباء الألمانية" (د ب أ).
ونقلت وكالة أنباء "بلومبرغ" عن الخدمة الصحفية التابعة للحكومة الألمانية القول إن مجلس الوزراء الألماني أصدر أمراً بالسماح بإعادة تنشيط محطات طاقة تابعة لشركتي "آر دبليو إي" و"ليج".
وكانت أزمة الطاقة أجبرت ألمانيا في العام الماضي على الاعتماد بشكل أكثر كثافة على حرق الفحم لإنتاج الكهرباء وذلك بعد أن أوقفت روسيا إمدادات الغاز عبر خطوط الأنابيب إلى ألمانيا.
ووسط هذه الصورة الكبيرة لموضوع الطاقة، اوردت النيويورك تايمز في عددها الصادر في الرابع من تشرين الاول/اكتوبر الحالي أيضاً تقريراً حمل العنوان الآتي "يونايتد إيرلاينز ستشتري 110 طائرات من إيرباص وبوينغ"، وجاء في التقرير ان شركة الطيران الاميركية العملاقة تراهن بشكل كبير على الطلب القوي على السفر، وإن الطائرات الجديدة ستوسع أسطولها وتحل محل الطائرات القديمة.
وهكذا تخطط الشركة لشراء 50 طائرة "بوينغ 787 دريملاينر"، وطائرة ذات ممرين، و60 طائرة "إيرباص A321neos" ذات ممر واحد. وستبدأ عمليات التسليم في غضون خمس سنوات، ولم تكشف يونايتد عن قيمة الطلبية. واستناداً إلى قائمة الأسعار، ستبلغ قيمة الطلبية 19 مليار دولار على الأقل، لكن شركات الطيران عادة ما تتفاوض على خصومات كبيرة عند طلب عشرات الطائرات.
وقال الرئيس التنفيذي ليونايتد، سكوت كيربي :"أنا مقتنع بأن استراتيجيتنا هي الاستراتيجية الصحيحة بينما نواصل إضافة طائرات جديدة أكبر للاستفادة الكاملة من فرص الطيران المتنامية لدينا على الصعيدين الدولي والمحلي".
هل تنتهي قصة التقرير هنا؟ كلاً. فهو يقول :" تستخدم الطائرات في طلبية يونايتد الجديدة وقوداً أقل بنسبة 20 إلى 25 في المئة لكل راكب مقارنة بالطائرات القديمة المماثلة، وفقاً لبوينغ وإيرباص".
من يتمعن في الفقرة الاخيرة من تقرير النيويورك تايمز سيلاحظ عبارة "وقوداً اقل"، ما يعني ان العالم يتجه الى مرحلة جديدة من الانتاج الذي يأخذ في الاعتبار كيفية استهلاك الوقود الاحفوري يما يلائم متطلبات نظافة المناخ، كما يستنتج من التقرير ان صناعة الطيران في الولايات المتحدة التي تتزعم المطالبة العالمية بالحفاظ على نظافة المناخ، هي تبادر الى الاعتماد على الوقود الاحفوري لاعوام طويلة مقبلة.
ماذا يمكن ان نسأل بعد كل هذه المعطيات إضافة الى ما ورد في مستهل العرض: كيف سيبدو العالم من دون الوقود الأحفوري؟ على ما يبدو هناك سؤال جوهري يمكن توجيهه أيضاً هو: كيف سيطير العالم من دون الوقود الاحفوري؟
الأكثر قراءة
-
الزيودي: التجارة البينية غير النفطية مع الأردن تجاوزت 4.2 مليارات دولار في 2023
-
مذكرة تفاهم بين "التعاون الرقمي" و"التحكيم التجاري الخليجي" للوصول إلى اقتصاد رقمي شمولي
-
تعاون بين "أكاديمية أبوظبي العالمي" و"فنتك تيوزاديز" في مجال ابتكارات التكنولوجيا المالية
-
"هيلتون لندن متبروبول" يعيّن جورج خليفة مساعداً لمدير المبيعات والترفيه لمنطقة الشرق الأوسط
-
شبح الحرب الإقليمية يهدد الإقتصاد المصري