تحول سريع في صناعة الفينتك السعودية: شركات مليارية وتهافت استثماري
تحول سريع في صناعة الفينتك السعودية: شركات مليارية وتهافت استثماري
- فيصل أبوزكي
مطلع الشهر الحالي، أعلنت شركة التقنية المالية السعودية "تابي" (Tabby) عن تملكها لشركة سعودية اخرى هي "طويق" التي تقدم عبر تطبيقها خدمة المحفظة الرقمية. وجاءت هذ العملية التي اعلنت خلال اكبر معارض ومؤتمرات التقنية المالية في المنطقة Fintech24 لتعطي لمحة ساطعة عن التطور الهائل الذي حققته منظومة التقنية المالية في المملكة خلال سنوات قليلة. فشركة "تابي" المتخصصة في ما يسمى الدفع الاجل هي احدى الشركات السعودية المليارية (Unicorn) في هذا المجال والتي حازت على ترخيص البنك المركزي السعودي خلال شهر تموز/يوليو من العام الماضي والتي قدرت قيمتها في آخر جولة تمويل لها بأكثر من 1.5 مليار دولار. ولا تنفرد "تابي" وحدها في عضوية النادي الملياري، اذ انضمت اليها شركة تقنية مالية اخرى وهي "تمارا"، ولا يقتصر عمل الشركتين على السوق السعودية بل يقدمان خدماتهما في اسواق خليجية ودولية اخرى، كما شهد المؤتمر نفسه الاعلان عن استثمارات جديدة في القطاع تجاوزت قيمتها 213 مليون دولار وهو دليل آخر على استمرار الزخم في قطاع التقنية المالية.
حين انطلقت مبادرة "فينتك السعودية" في العام 2018 كان عدد الشركات العاملة في هذا القطاع يقتصر على عشر فقط. لكن في نهاية العام الماضي وصل هذا العدد الى 216 شركة اي بزيادة اكثر من عشرين مرة عما كانت علية في العام 2018. وولدت هذه الشركات 6500 وظيفة مباشرة واستقطبت استثمارات تراكمية من رأس المال الجرىء بحدود 6.9 مليارات ريال سعودي (1.84 مليار دولار اميركي)، وتؤكد هذه المؤشرات ان ما تم تحقيقه حتى الآن يقترب بسرعة اكبر من المتوقع مما حددته رؤية 2030 بما يخص صناعة التقنية المالية والتي تهدف الوصول الى 525 شركة واضافة 13.3 مليار ريال الى الناتج المحلي و18 الف فرصة عمل مباشرة مع نهاية 2030. واذا احتسبنا الاثر المضاعف (Multiplier) للاستثمارات الذي يستقطبها القطاع، فإن تأثير صناعة التقنية المالية على الاقتصاد وفرص العمل هي اكبر بكثير من هذه الارقام. وكانت رؤية 2030 كرّست اهمية القطاع عبر اضافته كركيزة من ركائر برنامج تطوير القطاع المالي الاربعة الهادفة الى دعم نمو القطاع الخاص وتطوير اسواق رأس المال وتعزيز تنافسية القطاعين المصرفي والمالي والخيارات المالية المتاحة في السوق، وتم التأكيد على هذا الاهتمام باطلاق استرتيجية وطنية للقطاع في العام 2022.
المركزي السعودي يمكّن صناعة التقنية المالية
يؤكد النمو السريع الذي حققته صناعة التقنية المالية نجاح المنظومة التي طوّرها البنك المركزي السعودي بالتعاون مع هيئة السوق المالية والتي تطمح الى تحويل السعودية الى وجهة اقليمية وعالمية في مجال التقنية المالية من خلال دعم تطوير البنية التحتية اللازمة لنمو هذه الصناعة الجديدة وبناء القدرات والمهارات التي تتطلبها ودعم رواد الاعمال فيها في كل مرحلة من مراحل تطورهم. ومنذ العام 2018 بدأ البنك المركزي بتطوير وتطبيق سيل من الانظمة الجديدة التي غطت الجوانب المختلفة من الصناعة والتي كان باكورتها البيئة التنظيمية التجريبية (Sandbox) والتي اتاحت لاصحاب المشاريع الجديدة اختبارها وتجربتها مع العملاء وفي الوقت نفسه الالتزام بالمعايير الرقابية وبناء القدرات والموارد اللازمة لخدمة العملاء بشكل احترافي. وتضمنت الانظمة الجديدة تراخيص وسائل المدفوعات بمختلف انواعها والدفع الاجل (Buy Now Pay Later) والتمويل التشاركي (Crowdfunding)، والاقراض المنتهي الصغر وتقنيات التأمين والعمليات المصرفية المفتوحة وتجميع الخدمات وغيرها اضافة الى اطلاق توجيهات بخصوص المصارف الرقمية والتي تم الترخيص لثلاثة منها حتى الآن. ولا شك ان البنك المركزي السعودي قام بجهود هائلة لايجاد البيئة التنظيمية التي توازن بين الامان والحفاظ على حقوق المستخدمين وبين اتاحة الفرصة للابتكار واطلاق افكار ومشاريع جديدة لم يكن لها وجود في السوق قبل اعوام، كما كان للاستثمارات الكبيرة التي قام بها المركزي السعودي خلال العقود الثلاثة الماضية لتطوير البنى التحتية لانظمة المدفوعات والتي واكبتها استثمارات كبيرة ايضاً من قبل المصارف السعودية، كما يسجل للبنك المركزي السعودي نجاحه في تطوير الانظمة والادوات الرقابية المطلوبة لتسهيل انشاء الشركات الناشئة وتحفيز نموها ولاسيما في قطاع التقنية المالية والتعامل مع هذه الشركات بمرونة كبيرة وهي مهمة جديدة تضاف الى المهام التقليدية الذي يضطلع بها وهي الاشراف النقدي والمصرفي.
التمويل يتدفق
في تقريرها الاخير عن التمويل الجريء في السعودية خلال النصف الاول من العام الحالي، اشارت خدمة "ماغنيت" المختصة برأس المال الجريء في المنطقة إلى ان السعودية تصدرت منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا في قيمة الاستثمار الجريء بمبلغ 412 مليون دولار وتلتها الامارات العربية المتحدة بمبلغ 225 مليون دولار التي تصدرت من حيث عدد الصفقات. ومثّل هذا المبلغ ما نسبته 54 في المئة من اجمالي الاستثمارات التي تمت في هذا القطاع في المنطقة خلال تلك الفترة، كما سجل عدد المستثمرين في الشركات الناشئة في السعودية زيادة ملحوظة من 62 الى 72 مستثمر خلال الفترة نفسها. واستحوذت شركات التقنية المالية على حصة 62 مليون دولار من قيمة استثمارات رأس المال الجريء خلال النصف الاول من العام الحالي اي بزيادة نسبتها 360 في المئة عن الفترة نفسها من العام الماضي، وتصدر القطاع القائمة من حيث عدد الصفقات التي بلغ عددها 9 صفقات متساوية بذلك مع قطاع التوصيل والخدمات اللوجيستية. ومن بين الشركات التي حصلت على استثمارات جديدة في جولات تمويل النصف الاول من العام الحالي كانت شركة مُيسر، ابيان المالية، رابح، زيتون، مدفوع، بيلد ناو، .SiFi ,Takadao وتؤكد كل هذه المعطيات بوضوح النجاح المحقق في تطوير منظومة مؤاتية للتمويل بحيث اصبح الحصول على رؤوس الاموال ميسراً مقارنة مع السنوات السابقة، كما تظهر هذه الارقام الزيادة الكبيرة في المستثمرين الذين استقطبتهم السوق السعودية ومن ضمنهم كبريات الصناديق الاقليمية والعالمية للاستثمار الجريء.
شباب وتكنولوجيا
يشكل الشباب الشريحة الاوسع في المجتمع السعودي. ويتفوق هؤلاء في فهم وتبني واستخدام التكنولوجيا الحديثة بمختلف ادواتها واقنيتها مثل الانترنت والهاتف المتنقل ومنصات التواصل الاجتماعي. ويميل معظمهم ان لم يكن جميعهم الى تلقي الخدمات المتنوعة مثل الخدمات المصرفية والمالية والتسوق عبر الانترنت والهاتف الجوال. وتصنف المملكة بين الدول الاعلى في العالم في استخدام الانترنت والهاتف الجوال ومنصات التواصل الاجتماعي والدفع عبر الوسائل الالكترونية الذي يعكسها التراجع السريع لاستخدام النقد في الدفع. وهذا ما ساعد على النمو السريع في التجارة الالكترونية ووسائل الدفع وتطبيقاتها وهو ما يفسر في جانب اساسي منه التوسع الحاصل في قطاع التقنية المالية. وتشير الارقام الحالية الى ان نسبة انتشار الانترنت في المملكة وصلت الى 99 في المئة نهاية العام الماضي وان نسبة شراء المنتجات او الخدمات عبر الانترنت تعدت 63.7 في المئة. وبلغت نسبة مستخدمي الانترنت عبر الهاتف المتنقل 98.9 في المئة، كما يقدر عدد الاشتراكات النشطة بشبكات الهاتف الجوال بحدود 49.89 مليون اي ما يعادل نسبة 134.1 في المئة من اجمالي السكان، في حين يقدر عدد مستخدمي منصات التواصل الاجتماعي بأكثر من 35 مليون اي ما يغطي نسبة 94.3 في المئة من السكان. وتعتبر هذه المؤشرات من الاعلى في العالم. اما بالنسبة للخدمات المصرفية والمالية بلغت نسبة استخدام الخدمات الالكترونية المصرفية 73.6 في المئة نهاية العام الماضي في الوقت الذي تم تسديد 70 في المئة من مشتريات التجزئة عبر الدفع الالكتروني مقارنة مع 62 في المئة العام 2022. وتشير معلومات هيئة الاتصالات والفضاء والتقنية الى ان عدداً من تطبيقات التقنية المالية ومنها "تابي" و "تمارا" هي بين الاكثر تحميلاً في مجال الخدمات المالية.
توفر كل هذه المؤشرات ارضية قوية لمزيد من التوسع في الاقتصاد الرقمي والتجارة الالكترونية وصناعة التقنية المالية في السنوات المقبلة حيث يتوقع تسارع اطلاق الشركات الناشئة الجديدة وحصولها على الاستثمارات المطلوبة لنموها وتوسعها في السعودية وخارجها وتحول المزيد منها الى شركات مليارية.
تكامل الادوار
اضافة الى ما قام به كل من البنك المركزي السعودية وهيئة السوق المالية عبر فينتك السعودية والاستراتيجية الوطنية وبرنامج تطوير القطاع المالي، هناك سيل من المبادرات التي تطلقها جهات حكومية اخرى وتصب في مجرى دعم قطاع الشركات الناشئة. فخلال العام الماضي وحده، اطلقت الجهات التالية برامج ومبادرات مختلفة من مؤتمرات وآليات تمويل ودعم: وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات ووزارة البيئة والمياه ووزارة الاقتصاد والتخطيط والبرنامج الوطني لتنمية تقنية المعلومات وجمعية رأس المال الجريء والملكية الخاصة والشركة السعودية للاستثمار الجريء ومسك الخيرية وبنك التنمية الاجتماعية والاتحاد السعودي للأمن السيبراني والبرمجة والدرونز. ويشير اتساع نطاق المبادرات والجهات التي تقوم بها الى دينامية جديدة في قطاع الشركات الناشئة يتوقع ان تؤدي الى موجة جديدة من التوسع في هذا القطاع بما في ذلك قطاع التقنية المالية.
ويتوقع خلال السنوات القليلة المقبلة ان تتحول السعودية الى نقطة استقطاب اقليمية وعالمية لرواد الاعمال غير السعوديين الراغبين في الاستفادة من المنظومة المتطورة للشركات الناشئة لاطلاق مشاريعهم في قطاع التقنية المالية. ففضلاً عن البيئة التنظيمية المؤاتية والداعمة ووفرة المستثمرين ومصادر التمويل وتقدم بنية الاتصالات والتكنولوجيا وكثافة استخدام الانترنت والهاتف المتنقل، تتميز السعودية بحجم اقتصادها الذي تجاوز حجمه المليار دولار خلال العام الحالي والذي يعدّ الاكبر في الشرق الاوسط وكذلك بعدد السكان الذي يتجاوز 36 مليون وهذا ما يوفر للمشاريع الجديدة فرصاً اكبر للنجاح والتوسع.
ويمكن القول إن السعودية نجحت في اطلاق الطاقات الكامنة لاجيال جديدة من الشباب عبر توفير البيئة المرنة والمحفزة لتأسيس ونمو الشركات الناشئة وتعزيز امكانات حصولها على رؤوس الاموال المطلوبة وتوفير مصادر وادوات مختلفة من الدعم لها وهو ما سيفتح الطريق امام زيادة مساهمتها في الناتج المحلي وخلق فرص العمل وتنمية الابتكار والمساهمة في تسريع التحول الى اقتصاد اكثر تنوعاً وتنافسية وفق ما تهدف الى تحقيقه رؤية 2030. ولا تكمن اهمية قطاع التقنية المالية باستقطابه للطاقات الشابة وتسهيله وصول الخدمات المالية الى اوسع شريحة ممكنة من المجتمع بل ايضاً في اطلاق طاقة الابتكار في الاقتصاد.
الأكثر قراءة
-
الملتقى الاقتصادي التركي - العربي الخامس عشر: لمزيد من التعاون المشترك بين تركيا والبلدان العربية
-
المركزي الصيني: 98.5 مليار دولار تسهيلات إقراض متوسط الاجل
-
الخزانة الأميركية تعتزم بيع سندات طويلة الأجل بـ 183 مليار دولار الأسبوع المقبل
-
"جلف كابيتال" قوة استثمارية مؤثرة في الخليج وآسيا
-
قطر: شراكة بين وزارة الاتصالات و"ستارتب جرايندر" لتعزيز الابتكار وريادة الأعمال