الرسوم الجمركية الأميركية على السيارات ومكوناتها: تأثيراتها وسيناريوهات المواجهة

  • 2025-04-18
  • 15:43

الرسوم الجمركية الأميركية على السيارات ومكوناتها: تأثيراتها وسيناريوهات المواجهة

  • خطار زيدان

أثار قرار الإدارة الأميركية بتطبيق رسوم جمركية على واردات السيارات وقطع الغيار بنسبة 25 في المئة ضجة كبيرة وردات فعل مستنكرة في وقت تعاني أهم الشركات المصنّعة من تراجع في أدائها مع اشتداد المنافسة الصينية وعجزها عن التأقلم مع التحولات الكبيرة الحاصلة في القطاع. وقد بدأت بعض الشركات مضطرة إلى وضع استراتيجيات جديدة تتناسب مع الواقع الحالي كمحاولة لمواجهة هذا التحدي الجديد والبقاء في حلبة المنافسة في ثاني أكبر سوق للسيارات في العالم بعد السوق الصينية.

ما هي التأثيرات المحتملة لهذا القرار على قطاع صناعة السيارات العالمي، وكيف ستتأقلم الشركات المصنعة مع الواقع الجديد وما هي الإجراءات التي قد تتخذها للتكيف مع التغيرات الحاصلة؟ 

بداية من المهم أن نعرف أن معظم شركات السيارات تعتمد على سلاسل توريد دولية، وأن أي ارتفاع للرسوم الجمركية في أي بلد سينعكس حُكماً على كلفة الاستيراد في الأسواق لمنتجاتها وأسعارها، كما إن سوق السيارات في أميركا تُعدّ من الأكبر والأكثر تنوعاً في العالم، وقد بلغ حجمها نحو 15.9 مليون سيارة جديدة خلال العام 2024 بقيمة 730 مليار دولار، في حين أن القيمة الإجمالية لسوق السيارات (ما يشمل السيارات المستعملة، قطع الغيار، والخدمات) تتجاوز 1.5 تريليون دولار. وتشكل السيارات المستوردة نسبة 45 في المئة إلى 50 في المئة من السيارات المباعة في أميركا، ويتم استيراد السيارات وقطع الغيار من شركات مصنّعة في دول مثل الصين، المكسيك، كندا، كوريا، اليابان وأوروبا.

خياران أمام الشركات على المدى القصير

في ظل هذا الواقع سيكون أمام شركات السيارات وقطع الغيار المصدّرة إلى الأسواق الأميركية في الفترة المقبلة، وأقلّه على المدى القصير، الاختيار بين تحمّل التكاليف التشغيلية الإضافية وانخفاض هامش أرباحها وربما خسائر بسيطة لفترة معينة، نتيجة ارتفاع الرسوم، أو أنها ستقوم بإجراء نقل التكاليف الإضافية إلى المستهلك، وبالتالي رفع أسعار منتجاتها، ما سينعكس سلباً، وبشكل كبير، على قدراتها التنافسية وحجم مبيعاتها وحصصها السوقية، وقد يدفعها ذلك إلى التوقف عن تسويق بعض سياراتها التي تعتمد بشكل كبير على المنافسة السعرية ولديها هامش أرباح منخفض، خصوصاً في فئة السيارات الصغيرة والمتوسطة، بانتظار اتخاذها لإجراءات عملية أخرى مثل إعادة النظر في استثماراتها في الولايات المتحدة الأميركية وتسريع عمليات بناء مصانع جديدة أو توسعة القائم منها، وقد بدأت بعض الشركات باتخاذ تدابير في هذا الاتجاه.

وما ينطبق على العلامات الأجنبية المصنّعة خارج السوق الأميركية، ينطبق إلى حد ما على تلك المصنّعة في داخل السوق، وعلى الشركات الأميركية أيضاً المصنّعة محلياً، والتي قد تشهد في البداية نمواً في الطلب، إذا حافظت على مستوى أسعارها، لكنها ستضطر لاحقاً إلى رفع هذه الأسعار، كونها تعتمد وبشكل كبير في صناعاتها على مكونات من الخارج، من الدول المجاورة، التي تستورد منها غالبية قطع الغيار الحيوية مثل أحزمة الأمان والوسائد الهوائية، أو من دول مثل تايوان، كوريا الجنوبية، ألمانيا، واليابان، الرائدة في إنتاج أشباه الموصلات، المستخدمة في صناعة السيارات الحديثة، وتأتي المكونات الأخرى من مصادر متنوعة من الدول الأوروبية، والآسيوية وغيرها. وقد تؤدي الرسوم العالية إلى إغلاق مصانع في دول مجاورة للولايات المتحدة الأميركية، مثل المكسيك وكندا، التي كانت تُوجّه غالبية انتاجها التصديري إلى الأسواق الأميركية، أو إلى الحد من انتاجها وإعادة توجيه صادراتها إلى أسواق قريبة أخرى، كما إن ردة فعل الأسواق الأخرى برفع رسومها الجمركية على وارداتها من السيارات الأميركية ستنعكس أيضاً على أسعار هذه السيارات، وعلى الطلب عليها، وتقلل من قدراتها التنافسية وحصصها السوقية في الأسواق الدولية.

زيادة الاستثمارات والمزيد من الابتكار

وعلى المديين المتوسط والطويل، ونظراً لأهمية الأسواق الأميركية، وحجمها، فإن عنوان المرحلة المقبلة سيكون تركيبة سوقية مختلفة، وستنمو استثمارات شركات السيارات ومكونات السيارات، وستسعى هذه الشركات لتعزيز تواجدها من خلال مصانع جديدة، ومراكز أبحاث، وشراكات محلية، كما يُتوقع انتقال بعض خطوط الإنتاج الكهربائية والهجينة إلى أميركا لتجنب الرسوم ولدعم خطط الطاقة النظيفة. لكن ذلك لن يحول كما ذكرنا دون ارتفاع الأسعار على المستهلك بسبب ارتفاع كلفة التصنيع مقارنة بالأسواق المستخدمة سابقاً، وبسبب اضطرار هذه الشركات من التعامل مع شركات خارج الحدود للحصول على مكوّنات التصنيع اللازمة.  

وسيشهد القطاع مزيداً من المنافسة بين الشركات المصنّعة التي تسعى للبحث عن حلول لتقليل التكاليف وزيادة قدرتها التنافسية، من خلال زيادة الاستثمار في الابتكار وتطوير تقنيات جديدة، وهذا ينطبق بشكل خاص على شركات السيارات الفخمة والفارهة التي لا يشكل السعر فيها عاملاً تسويقياً هاماً. وستستمر الشركات في البحث عن طرق مبتكرة لتلبية احتياجات السوق مع مراعاة القيود الجمركية، وقد يكون ذلك عبر تسريع جهود التحول إلى السيارات الكهربائية، والذكية، أو تقليل الاعتماد على الاستيراد لصالح الإنتاج المحلي.

ردود فعل الشركات

أعلنت شركات السيارات الكبرى حتى الآن عن بعض الخطوات والإجراءات للتكيف مع التحديات الجديدة التي فرضتها الرسوم الجمركية، تشمل زيادة الإنتاج المحلي، تقديم حوافز تسويقية، وإعادة تقييم سلاسل التوريد.

وقررت "جنرال موتورز" نقل جزء من إنتاج شاحناتها الخفيفة، مثل "شيفروليه سيلفرادو" و"جي إم سي سييرا"، إلى مصنعها في فورت واين، في إنديانا. وأعلنت "نيسان" عن تعزيز إنتاجها في الأسواق الأميركية، وألغت خططاً سابقة لتقليل الورديات في مصنع سمرنا، في تينيسي، وقررت الحفاظ على ورديتين لزيادة الإنتاج المحلي وتجنب الرسوم على الواردات من اليابان والمكسيك. وبدأت "ستيلانتس" في تعميم الخصومات المخصصة للموظفين لتشمل الجمهور العام على بعض طرازات 2024، كجزء من استراتيجية تسويقية لمواجهة تأثير الرسوم الجمركية، كما قررت إغلاق مؤقت لبعض المصانع، في كندا والمكسيك، وتسريح نحو 900 موظف أميركي. أما "فورد"، فقد عبرت من خلال رئيسها التنفيذي، جيم فارلي، عن قلقها من أن الرسوم الجمركية قد تؤدي إلى زيادة كبيرة في أسعار السيارات، حتى تلك المصنعة محلياً، نظراً لاعتمادها على قطع مستوردة. وبدورها أعلنت "هيونداي" عن زيادة استثماراتها في الولايات المتحدة الأميركية، وأنها تعتزم زيادة التصنيع المحلي كوسيلة للتعامل مع الرسوم الجمركية، وعن استثمارات كبيرة في مصانع أميركية جديدة. وأكدت "بي إم دبليو" على أن التجارة الحرة ضرورية للنمو والابتكار، وأن الرسوم الجمركية تعيق هذه المبادئ، ما يجعل المنتجات أكثر تكلفة وأقل ابتكاراً. كما أعلنت "تسلا" عن اعتمادها بشكل كبير على قطع مستوردة، وأن الرسوم الجمركية قد تؤثر على أعمالها وأرباحها. أما جاكوار لاند روفر فقد أعلنت عن تعليق شحنات سياراتها البريطانية إلى الولايات المتحدة مؤقتاً، بينما تعيد تقييم استراتيجيتها في ظل الرسوم الجديدة. وأعلنت "ميتسوبيشي" عن التوقف عن شحن سياراتها إلى الوكلاء الأميركيين، وستُحتجز المركبات في الموانئ الأميركية ريثما تتضح السياسة التجارية للشركة.

التأثيرات المحتملة على أسواق الشرق الأوسط

لا شك أن أسواق الشرق الأوسط تتأثر مثل غيرها بالسياسات التجارية العالمية، ومن المتوقع أن ترتفع أسعار بعض طرازات السيارات الأميركية، خصوصاً التي تُصنع في أميركا، مثل جنرال موتورز، فورد، بعض طرازات شركة ستيلانتيس، وتسلا. وقد تتأثر شركات مصنّعة من دول أخرى في حال حصلت تغييرات في سلاسل الإمداد، كما قد تلجأ بعض الشركات إلى سحب طرازات معينة من الأسواق غير الأساسية، مثل بعض دول الخليج أو المشرق العربي، لتقليل الخسائر، أو ربما نقل خطوط الإنتاج إلى دول منخفضة التكلفة، مثل المكسيك، تركيا، أو دول جنوب شرق آسيا، لتفادي الرسوم، كما إن السيارات الصينية التي أصبحت تحظى بقبول متزايد في المنطقة، في ظل التنوع الكبير الذي تطرحه والتحسّن في جودة منتجاتها والسعر المنافس، سوف تكون الكاسب الأكبر، إضافة إلى السيارات الكورية واليابانية التي لديها بنية إمداد مرنة، ويمكنها التكيّف بسرعة أكبر.

أما بالنسبة للسيارات الكهربائية في أسواق دول المنطقة، والتي ما زال تواجدها خجولاً، فإن الرسوم الأميركية على بطاريات أو مكوّنات السيارات الكهربائية (EV) قد تؤدي إلى تباطؤ إدخال هذه الطرازات إلى الشرق الأوسط، أو ارتفاع أسعارها بشكل ملحوظ.

في النهاية، يمكن القول إن رفع الرسوم الجمركية على السيارات المستوردة من قبل الولايات المتحدة والإجراءات المضادة يشكلان تحدياً كبيراً أمام الشركات المصنّعة والقطاع ككل، ومن المتوقع أن يؤدي ذلك إلى زيادة تعقيد المشهد التجاري العالمي، مع تأثيرات سلبية محتملة على المستهلكين والشركات على حد سواء، إلا أن هذه الأخيرة يمكنها التكيف مع هذا الواقع الجديد من خلال استراتيجيات متعددة، مثل تحسين الإنتاج المحلي، إعادة هيكلة الأسعار، وتنويع سلاسل الإمداد، كما إن الحكومات والشركات قد تتخذ إجراءات للتخفيف من تأثير هذه الرسوم من خلال اتفاقيات جانبية مع الإدارة الأميركية، وذلك حسب توفر المصالح المشتركة والعلاقات الثنائية بينها، والتغير في مزاج الإدارة الأميركية وسياساتها التجارية.