مصارف الكويت تتكيف مع كورونا وانخفاض أسعار النفط

  • 2020-04-15
  • 21:37

مصارف الكويت تتكيف مع كورونا وانخفاض أسعار النفط

  • عاصم البعيني

يقف القطاع المصرفي الكويتي على أرضية صلبة في مواجهة أزمة كورونا وانخفاض أسعار النفط، مستنداً في ذلك إلى عاملين، الأول، السياسة المتشددة في تجنيب المخصصات على مدى السنوات السابقة والتي عززت المتانة المالية للمصارف في ظل هذه الأزمة مع توقع استمرار هذه السياسة وربما بشكل أكثر تشدداً، والثاني يكمن في السيولة المرتفعة التي يحظى بها القطاع والتي تمكنه من التعامل مع أي تداعيات استثنائية.

في المقابل يواجه القطاع ضغوطاً ناتجة عن خفض التصنيف الائتماني للدولة، وهو ما سيؤدي إلى ارتفاع تكلفة التمويل ويفرض المزيد من الضغوط على الربحية، فيما ستشكل الظروف المحيطة ضغوطاً على الإيرادات الأساسية ولا سيما الناتجة عن الفوائد نتيجة انخفاض أسعار الفائدة العالمية. غير إن أي توجه للحكومة إلى الاقتراض من الأسواق المالية والذي بات خياراً ملحاً، سيشكل مصدراً لإيرادات إضافية. 

وأعادت الأزمة الحالية التأكيد على محورية دور المصارف في النشاط الاقتصادي، ولا سيما مع تشكيل مجلس الوزراء لجنة للتحفيز الاقتصادي برئاسة محافظ البنك المركزي د.محمد يوسف الهاشل. 

 

ضغوط إضافية على الإيرادات من الفوائد

وتوقعات بتراجع الإيرادات الاستثمارية



وستكون المصارف الكويتية تحت تأثير تراجع النمو الاقتصادي نتيجة تداعيات تفشي فيروس كورونا والإغلاق العام وما يعنيه ذلك من أثر على الانفاق الاستهلاكي ونمو الإقراض، كما إن انخفاض أسعار النفط من شأنها أن تؤثر على الإنفاق الرأسمالي وتسرية مشاريع جديدة، ما سيقلص بشكل عام فرص الأعمال أمام المصارف. ويتوقع أن يتراجع النمو الاقتصادي في ظل التطورات الحاصلة إلى 0.8 في المئة.

الأداء التشغيلي 

أما من ناحية النشاط التشغيلي، فمن المتوقع أن يواجه الدخل من الفوائد لدى المصارف الكويتية المزيد من الضغوط. فإضافة إلى أثر انخفاض أسعار الفائدة، فإن المصارف تقف أمام عنصرين مهمين، الأول، ناتج عن مبادرة اتحاد مصارف الكويت لتأجيل أقساط الأفراد والشركات الصغيرة والمتوسطة لمدة 6 أشهر وإلغاء الفوائد المترتبة على هذا التأجيل وأي رسوم أخرى، والتي ستفوت على المصارف إيرادات مهمة، والثاني، أن صافي الدخل من الفوائد شهد تراجعاً طفيفاً خلال العام الماضي، إذ بلغ نحو 2.078 مليار دينار بانخفاض 0.2 في المئة، ما يعني أن هذا البند عانى من ضغوط منذ العام 2019. 

بدورها، ستكون الإيرادات من غير الفوائد أمام ضغوط أخرى ناتجة عن التراجع المتوقع في النشاطات الاستثمارية ذات الصلة بأعمال المصارف. وكان بند الإيرادات من غير الفوائد استفاد خلال العام الماضي من ترقية بورصة الكويت على مؤشر MSCI، إذ بلغ إجمالي الإيرادات نحو 799.3 مليون دينار بزيادة نحو 14 في المئة. 

 

المركزي للمصارف:

المزيد من التحوط "ولا تنظروا إلى الأرباح"


تشدد في المخصصات 

وتأتي مرحلة كورونا ومن ثم انخفاض أسعار النفط وانكماش الاقتصاد لتزيد القناعة بالنهج المتحفظ المعتمد من قبل بنك الكويت المركزي على مدى السنوات الماضية تجاه سياسة تجنيب المخصصات. ومن شأن الأزمة أن تزيد القناعة بالتوجه المعتمد الذي يلزم المصارف بتطبيق تعليمات المركزي بتجنيب المخصصات متى ما كانت أعلى مقارنة بتلك التي تفرضها المعايير الدولية، ومن بينها على سبيل المثال المعيار الرقم 9 لإعداد التقارير المالية (IFRS9). كما إن المركزي اعتمد مبدأ المخصصات العامة في مواجهة مخاطر غير متوقعة.

ووفق المعلومات المتوفرة، أعاد "المركزي" منذ أول اجتماع عقده مع رؤساء المصارف خلال الأزمة الحالية التأكيد على هذا التوجه وتجنيب مخصصات إضافية في ظل عدم إمكانية تقدير أمد الأزمة. وعُلم أن المحافظ حثّ المصارف على المزيد من التحوط وعدم مقارنة أي نتائج قد يسفرها العام الحالي مع ما تحقق خلال العام الماضي، نظراً إلى الظروف الاستثنائية.  

وتجدر الإشارة إلى أن إجمالي مخصصات العام الماضي بلغ نحو 677.1 مليون دينار بزيادة نحو 4.7 في المئة مقارنة مع نهاية العام 2018، فيما تقدر نسبة القروض المتعثرة بنحو 1.9 في المئة من الإجمالي، في حين تزيد تغطيتها على 200 في المئة.   

كذلك، تظهر نتائج القطاع على مدى السنوات الخمس الماضية أن بند المخصصات حقق نمواً متوسطاً بنحو 0.8 في المئة خلال السنوات الخمس الماضية، وعلى الرغم من أنها سجلت مستوى قياسياً من حيث القيمة على مدى السنوات الماضية، فإن نسبتها من إجمالي الأرباح في تراجع واضح إذ بلغت 69 في المئة في العام الماضي مقارنة بنحو 92 في المئة في العام 2015.



حوافز ومرونة المركزي 

إلى ذلك، واكب المركزي الكويتي نظراءه في الخليج لجهة اعتماد المرونة في المعايير الرقابية، ما منح القطاع مساحة إقراضية إضافية بقيمة نحو 5 مليارات دينار (16 مليار دولار)، كما خفض المركزي أوزان مخاطر الائتمان لمحفظة المشاريع الصغيرة والمتوسطة من 75 إلى 25 في المئة لغرض احتساب نسبة كفاية رأس المال، بما يحفز المصارف على تقديم المزيد من التمويل للقطاع.

ووسع المركزي دائرة إجراءاته عبر تأجيل إعلان المصارف عن نتائجها المالية عن الربع الأول على أن يجري تضمينها ضمن نتائج النصف الأول. كما أجل تلقيه تقارير فحص عمليات التمويل الشخصي للأغراض الاستهلاكية والإسكانية عن الربع الأول. وكانت هذه المبادرات بدأت مع حظر بنك الكويت المركزي على المصارف بيع الضمانات المرهونة لديها أو التنفيذ عليها مقابل القروض وعمليات التمويل الممنوحة للعملاء.  

مستويات مرتفعة من السيولة 

دخلت المصارف الكويتية العام الحالي، وقبل بدء تداعيات أزمة كورونا وأسعار النفط، محملة بسيولة مرتفعة تبلغ نحو 20 مليار دينار (63.5 مليار دولار)، وذلك استناداً إلى البيانات المالية للمصارف المدرجة عن العام 2019، إذ يبلغ إجمالي الودائع نحو 71 مليار دينار (234 مليار دولار أميركي) في حين أن إجمالي القروض بلغ 51 مليار دينار. وتسمح هذه المستويات من السيولة للمصارف باللجوء إليها في مواجهة أي ظروف استثنائية مستقبلية قد تنتج عن إطالة أمد الأزمة أو تسجيل أسعار النفط المزيد من التراجعات، وأثر ذلك على الاقتصاد المحلي إلى جانب أي تطورات تعمق الركود المتوقع في الاقتصاد العالمي. ومن شأن هذه العوامل أن تؤثر على نمو أعمال القطاع المصرفي وتفرض المزيد من الضغوط على هوامش الربحية ولا سيما مع انخفاض الفوائد العالمية والمحلية إلى مستويات قد تكون غير صحية على المدى المتوسط.

 

قانون الدين العام فرصة منتظرة

على الرغم من أن مشروع قانون الدين ما زال في مرحلة التجاذب السياسي، غير إن توجه الكويت إلى الاقتراض من الأسواق الدولية والمحلية قد يوفر فرصاً ائتمانية مهمة للمصارف كافة، بما يعوض جزءاً من التراجع المتوقع في نمو الائتمان من الأفراد والشركات الناتج عن الإقفال العام، علماً أن نمو الائتمان استقر عند 4.3 في المئة في نهاية العام الماضي، كما إن المصارف  التي تملك أذرعاً استثمارية يمكن أن تلعب دوراً مهماً في المساهمة في إدارة وتسويق أي إصدار بما يمكنها من تحقيق دخل من العمولات والأتعاب.  

خفض النفقات 

من جهة أخرى، شكل خفض المصاريف واحداً من أبرز التوجهات لدى المصارف الكويتية في ظل انتشار الفيروس مع السعي إلى توظيف نفقات التشغيل بكفاءة مع توجيهها نحو دعم الأنظمة والعمليات بشكل خاص.

ومن المتوقع أن يكون بند الموظفين والمزايا المخصصة للقياديين على رأس أولويات خفض النفقات، وتظهر ميزانيات المصارف عن العام الماضي أن إجمالي تكاليف الموظفين بلغ نحو 615.3 مليون دينار (1.9 مليار دولار) بزيادة بنحو 6.5 في المئة مقارنة مع نهاية العام 2018. ويشكل هذا البند، نحو 57.6 في المئة من إجمالي المصاريف التشغيلية للمصارف والبالغة نحو 1.06 مليار دينار.

في المقابل، تقدر مزايا القياديين في القطاع بنحو 50 مليون دينار تشكل نحو 5 في المئة من إجمالي أرباح القطاع عن العام الماضي والبالغة نحو 980.6 مليون دينار

وفي السياق نفسه، فإن خطط خفض النفقات تترك نتائجها على الخطط التوسعية للمصارف الكويتية التي كانت مهتمة في هذا المجال على مدى السنوات الماضية، وتجلت أخيراً في رفع بنك بوبيان مساهمته في بنك لندن والشرق الأوسط في بريطانيا، فيما كان البنك الأهلي الكويتي يستحوذ على  Bank & Clients في السوق نفسها. 
 

 

 

الرقمنة ومقاربات مختلفة 

كذلك، من المتوقع أن تضفي الأزمة المزيد من الزخم على الخدمات الرقمية، ولا سيما لجهة تعميق توجه العملاء نحو إتمام خدماتهم المصرفية عبر المنصات الالكترونية المختلفة، ما يشجع المصارف على زيادة وتيرة استثماراتها في هذه القنوات على حساب التوسع في شبكة الفروع التقليدية والذي بقي محوراً مهماً في اهتمامات المصارف، خصوصاً في المناطق السكنية، وأظهرت عمليات بعض المصارف تسجيل المزيد من الإقبال على القنوات الرقمية في ظل الإقفال السائد وتفشي كورونا، فعلى سبيل المثال جرى تنفيذ أكثر من 10 ملايين عملية مصرفية عبر منصبة بيت التمويل الكويتي خلال شهر آذار/مارس الماضي بزيادة نحو 25 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.