المعالجة بالقلوب تتحول نهجاً؟

  • 2020-06-18
  • 11:43

المعالجة بالقلوب تتحول نهجاً؟

  • بهيج أبو غانم

يبدو أن الحكومة اعتادت على اعتماد أساليب "المعالجة بالقلوب" التي سبقت الإشارة إليها قبل أكثر من شهرين في موقعنا، وهذه الأساليب في المعالجة تضرب عرض الحائط ابسط القواعد والمبادئ الاقتصادية على الرغم من تطورها منذ "آدم سميث" حتى اليوم.

فهل هذا الأسلوب جهل لهذه القواعد، علماً أن بين أعضاء الحكومة اختصاصيين في شؤون المال والاقتصاد والتنمية؟ أم أنه تجاهل واستسهال الحلول لتحقيق نتائج عابرة سرعان ما تتلاشى مفاعيلها خلال فترة قصيرة أم أن اللجوء إلى "المعالجة بالقلوب" مردّه إلى عدم القدرة على اعتماد الحلول الجذرية الناجعة، أو ربما عدم توافر الجرأة على المسّ بالعديد من "المقدسات" و"المحرمات" التي هي محمية ضد اي محاولة من محاولات التصدي لها؟

هذه الأسئلة المطروحة منذ بداية الأزمة الاقتصادية والمالية والنقدية، برزت مجدداً مع الأسلوب الذي اعتمدته الحكومة في معالجة ارتفاع أسعار صرف الدولار إزاء الليرة بهدف درء محاذير ذلك على ارتفاع أسعار السلع والخدمات وصعود معدلات التضخم إلى مستويات مقلقة.

ومرة أخرى، تلجأ الحكومة ومنذ العام 2009 وربما قبل ذلك، إلى معالجة الأزمة من خلال التدابير النقدية لوحدها، من دون أن يترافق ذلك مع تدابير اقتصادية ومالية، فهل إن الطلب من مصرف لبنان ضخ كميات من الدولارات في السوق يفي بالغرض ويحقق الهدف المنشود في تراجع سعر الصرف إلى مستوى تقرر أن يكون في حدود 3200 ليرة للدولار؟

إن مناقشة وتقييم هذا التدبير لا تأخذ  في الاعتبار مدى قدرة مصرف لبنان على ضخ الدولارات وبأية كميات، علماً أن ثمة شكوكاً حول هذه القدرة.

كذلك، لن تتم المناقشة حول ما إذا كان الطلب المرتقب على الدولار ذا أهداف سياسية أو تجارية سواء للسوق المحلية أو خارجها.

وبعيداً عن مسألتي العرض والطلب، فإن السؤال المطروح هو: ما هي العوامل الأساسية التي تؤثر على عاملي العرض والطلب في أسواق النقد. لقد سبق لمصرف لبنان أن خاض التجربة المرة نفسها، عندما حاول لجم الطلب على الدولار في ظل ظروف أفضل مما هي اليوم، وكانت النتيجة استنزاف احتياط مصرف لبنان.

فهل يكون ضخ كميات من الدولارات كافياً للجم الطلب في ظل انعدام الثقة؟

ثمة مخاوف لا تزال قائمة حول مصير الودائع وما إذا كانت ستكون هدفاً لـ Haircut قانوني أن لـ Haircut واقعي بفعل ارتفاع سعر صرف الدولار.

وثمة مخاوف مشروعة من عدم التوصل إلى اتفاق مع الصندوق لمساعدة لبنان عبر برنامج معين.

وثمة حالة من الثقة المفقودة بين المصارف وزبائنها من المودعين، وإصرار هؤلاء على سحب ما يتاح لهم ضمن القيود المفروضة وتحويلها إلى دولارات خوفاً من المزيد من التدهور في سعر الصرف.

فهل ضخ الدولار من قبل مصرف لبنان مشفوعاً بتدابير معينة بالاتفاق مع نقابة الصرافين قادر على مواجهة هذا المناخ من عدم الثقة والحافل بالتوقعات السلبية؟

إن ثمة خشية كبيرة من أن يكون الضخ المطلوب وكأنه كالنفخ في بالون مثقوب أو كسكب المياه في قرية "مفخوتة" بحيث تسفر التجربة عن كارثة نقدية أشد وأدهى.

إن معالجة مشكلة سعر صرف الدولار لا تعالج نقدياً بل سياسياً واقتصادياً، فلماذا لا تقدم الحكومة على اتخاذ إجراءات جذرية منها على سبيل المثال:

- البدء باتخاذ إجراءات إصلاحية جذرية، حيث ثمة لائحة طويلة في هذا المجال منها: حسم أزمة الكهرباء، تعيين مجلس إدارة مؤسسة كهرباء لبنان، معالجة أوضاع مرفأ بيروت.

- الشروع في إجراءات إصلاحية على صعيد ترشيق القطاع العام بعيداً من المحاصصات والزبائنية.

- الإعلان رسمياً عن قرار نهائي وحاسم بعدم المس بودائع الناس تحت أي ظرف من الظروف.

يؤكد الخبراء والمحللون أن اتخاذ هذه الإجراءات أو سواها هو أكثر جدوى بكثير من أسلوب ضخ الدولار من مصرف لبنان إلى سوق تشتعل قلقاً وعدم ثقة.