اقتناء الأعمال الفنية: هواية بملايين الدولارات

يروي فيلم Red Violin (الكمان الأحمر) قصة آخر كمان أنتجه صانع الكمنجات كارلو سيتشي في مدينة كريمونا الإيطالية العام 1681، مستخدماً في طلائه دماء زوجته المتوفاة، لإبقاء ذكراها حيّة. يرصد الفيلم حركة انتقال الكمان من مالك شغوف بالموسيقى إلى آخر، ومن عازف موهوب إلى هاوي جمع آلات موسيقية في الصين، وصولاً إلى مزاد علني بيع خلاله كمان آخر مطابق للكمان الأحمر مقابل 2.4 مليون دولار، بعد أن قرّر الخبير المخضرم المكلّف من لجنة المزاد الاحتفاظ بالأصلي وتقديمه هدية لابنتها.

"شغف بالفن وحبه"

العبرة من الفيلم وغيره من الأفلام التي تتحدث عن عمليات سرقة محترفة لقطع فنية من قبل شبكات دولية لبيعها إلى شغوفين بالفن، في كونها تسلط الضوء على أشخاص، هم موجودون أيضاً في عالم الواقع، ومستعدون لدفع ثروات طائلة مقابل تملّك قطع وتحف فنية نادرة واستثنائية، مثل لوحة The Salvator Mundi  التي بيعت بـ450 مليون دولار في أحد مزادات دار كريستيز العام 2017، وهي أعلى قيمة تحققها قطعة فنية في مزاد علني.

من المعروف أن معظم تلك القطع، ولاسيما القديمة منها، وراءها سر ما، أو قصة ما غريبة ومثيرة، أو إنها  تتمتع بقيمة رمزية أو مادية عالية تحفّز هواة جمع الفنون على شرائها، إلا أن "الدافع الأهم وراء سعي هواة اقتناء التحف والأعمال الفنية، هو الشغفً بالفن وحبه"، يقول رئيس مجلس إدارة الشرق الأوسط في دار المزادات كريستيز مايكل جحا في حديث خاص إلى موقع أولاً- الاقتصاد والأعمال، ويؤكد  جحا "عدم وجود اختلاف بين الهاوي المتلهّف لاقتناء عمل فني ما أو وسيط الأعمال الفنية الذي يسعى للحصول على أهم الأعمال لعرضها على العملاء والمهتمين، إذ كلاهما من محبّي الفن".

سوق بقيمة 64 مليار دولار

لسوق الأعمال الفنية زبائنها كما أحداثها الخاصة عالمياً، منها على سبيل المثال لا الحصر Venice Biennale، وهو أقدم معرض للفنون في العالم يرقى تاريخ تأسيسه إلى القرن التاسع عشر، وArt Basel بتفرّعاته، إلى جانب المزادات، وقد بلغت قيمة مبيعات سوق الفن العام الماضي 64.1 مليار دولار بحسب تقرير "سوق الفن 2020" الصادر عن "آرت بازل" وUBS. ويشير جحا في هذا السياق إلى أن "إيرادات دار كريستيز بلغت العام الماضي 5.8 مليارات دولار، وقد تصدّرنا سوق المزادات من ناحية المبيعات بأسعار هي الأعلى بنسبة 81 في المئة ".

لوحة The Salvator Mundi لـ ليوناردو دا فينشي

ويضيف: "كسرنا رقماً قياسياً في سعر أعمال فنان حيّ إذ حقق عمل "الأرنب" Rabbit للفنان جف كون 91 مليون دولار في نيويورك في أيار/ مايو 2019، وسجّلنا أعلى الأسعار في مناطق عالمية تضمنت تحقيق أرقام قياسية في لندن من خلال لوحة Henry Geldzahler amd Christopher Scott للفنان دافيد هوكني؛ وفي هونغ كونغ عبر لوحة Five Nudes للفنان سانيو، وفي جنيف من خلال ساعة Grandmaster Chime Ref. 6300A من Patek Philippe  في مزاد ONLY WATCH الخيري، وفي باريس من خلال لوحة Parc des Princes  للفنان نيكولا دي ساتييل، كما أظهر العام 2019 تقدمنا على مستوى الابتكار الرقمي، حيث أنجزت كريستيز 41 في المئة من المبيعات لمشترين جدد أونلاين، بالإضافة إلى وصول عدد متابعينا على حساباتنا على إنستغرام إلى 1.5 مليون متابع".

السوق الثانوية السبيل للحصول على أعمال الفنانين

ينقسم هواة اقتناء الأعمال الفنية إلى قسمين؛ المحترفون منهم والمبتدئون، فلكل من الفئتين مقاربتها الخاصة. ويوضح جحا أن "مقاربة هواة الجمع المحترفين تختلف بطبيعة الحال عن مقاربة المبتدئين لدى سعيهم لاقتناء قطعة فنية. فللمحترفين مقاربة متقدمة، قد تهدف إلى تعزيز مجموعتهم القائمة بقطع مختارة تكمّلها، بينما على المبتدئين منهم البدء باقتناء ما يعجبهم من هذه الأعمال، وفي الخطوة التالية يعيدون توجيه مجموعتهم".

وهل يختلف الطلب على أنواع الفنون بين منطقة جغرافية وأخرى؟ "لا توجد قاعدة عامة في ذلك"، يجيب  جحا، موضحاً أن "القطع النادرة التي تتوفر في السوق تتمتع بجاذبية عالمية كبيرة، كذلك الأمر بالنسبة إلى القطع الموقعة بأسماء فنانين معاصرين ممن تعجّ غاليريهاتهم بالعملاء ولديهم قائمة انتظار طويلة؛ فأعمال هؤلاء الفنانين قد تنال اهتماماً أكبر كون السوق الثانوية تصبح في هذه الحالة السبيل الوحيد للحصول على قطعة من توقيع الفنان المطلوب".

إلى ذلك، يضيف جحا أن "الفنانين الذين يرتفع الطلب على أعمالهم أكثر من سواهم، ولاسيما الرسامين منهم، هم الذين حظوا بفرصة عرض أعمالهم في معارض جماعية أو نظّموا معارضهم الخاصة المنفردة في مؤسسات مهمة، أو تم اختيارهم لتمثيل بلدهم في معرض Venice Biennale؛ فأعمال هؤلاء الفنانين مطلوبة كثيراً حول العالم، كما إن هواة آخرين قد يكونون منجذبين أكثر إلى الأعمال المعاصرة، كونها انعكاس لصورة العالم الذي نعيش فيه".

Rabbit للفنان جف كون

إقرأ أيضاً:

 إلى هواة جمع الساعات وعشاقها... كيف تشترون ساعة مستعملة

ارتفاع قيمة الأعمال الفنية بعد رحيل الفنان

من المسلّمات في عالم الفنون، ارتفاع قيمة أعمال الفنان بعد رحليه. أما السبب، فيعزوه جحا عموماً "إلى كون الفنان لن يتمكن من إنتاج أعمال فنية جديدة، وإلى كون معظم أعماله باتت جزءاً من المجموعات المعروضة في المتاحف، بينما المخزون المتاح من أعماله لدخول سوق المزادات ربما يكون محدوداً جداً، مما يزيد التنافس على هذه الأعمال". ويفيد رئيس مجلس إدارة كريستيز في الشرق الأوسط أن "هواية جمع الأعمال الفنية ظاهرة عالمية، وهواة الجمع حول العالم غالباً ما يبحثون عن ذات الفنانين".

"لتدريب العين لإلتقاط ما يحاكيها"

وما هي نصيحة جحا للهواة جمع الأعمال الفنية المبتدئين؟ يدعوهم بداية إلى "تدريب عينهم لالتقاط ما يحاكيها"، مركّزاً على "أن جمع الأعمال الفنية هو مقاربة شخصية جداً، ووجود المختصين هو لإرشادهم ومساعدتهم". ويضيف أن "الخطوة الأولى المفيدة لتدريب العين، هي حضور ما أمكن من الأحداث الفنية، بما فيها المعارض الفنية، وزيارة المتاحف، وافتتاح الغاليريهات وعروض المزادات. أما الخطوة الثانية، ففي تعميق معرفته، قدر الإمكان، على سيرة الفنان موضع الاهتمام مثل أماكن عرض أعماله في الماضي، والغاليريهات التي تمثل الفنانين، وكيف هو أداء سوق أعماله وتاريخ إنتاجه لأعماله الأكثر شهرة".

ويلفت جحا إلى أنه "متى شعر هؤلاء المبتدئون بأنهم باتوا جاهزين، فليشتروا أفضل ما هو متوفر في السوق تبعاً للميزانية المرصودة لذلك من جانبهم"، مذكّراً أن "الأهم يبقى الاستمتاع بالعمل الفني الذي يشترونه".

لوحة L'Allee des Alychamps لـ فان غوغ

دور التكنولوجيا في تعزيز الأونلاين

ماذا عن المزادات أونلاين والتي راجت بشكل لافت للانتباه أخيراً مع انتشار "كوفيد-19"؟ يقول جحا إن "التزامنا بالتمايز، المصحوب بعلاقاتنا الشخصية القوية بنيا سمعتنا الطويلة على مدى 250 عاماً وخلقا الثقة، وهي الأهم بالنسبة إلى الزبائن عندما يشترون أونلاين"، منوهاً بدور "التكنولوجيا الكبير في تعزيز البيع أونلاين من خلال تحسن نوعية الصورة كثيراً، والإمكانات المتاحة مثل التقنية الثلاثية الأبعاد، والفيديو الذين يتيحون رؤية الأغراض افتراضياً بشكل أفضل".

ويختم جحا مشدّداً على أهمية "الكفالة الممنوحة مع كل عمل فني" كونه الضمانة للمشتري، مؤكداً أن "كريستيز تقدم كفالة مدتها 5 أعوام لكل قطعة سواء بيعت في مزاد حي أم أونلاين".