ليس بالحرب وحدها يصعد النفط
ليس بالحرب وحدها يصعد النفط
- أحمد عياش
مع اقتراب حرب غزة من الشهر الأول على اندلاعها، انهمك الخبراء في أسواق الطاقة في تقدير انعكاسها على أسعار النفط. وبلغت هذه التقديرات ذروتها في التحذير الذي اطلقه البنك الدولي من أن حرب الشرق الأوسط قد تسبب صدمة في أسعار النفط. لكن هناك اكثر من زاوية لكي تنطلق منها التقديرات غير هذه الحرب الناشبة حديثاً، ما يجعل التنبؤات تصل الى عقود مقبلة.
للاطلاع:
صفقتان في الولايات المتحدة الأميركية تعلنان أن زمن النفط طويل
ونبدأ بأحدث تحذير أطلقه البنك الدولي في نهاية تشرين الأول/أكتوبر الماضي. وتخوّف البنك من أن تصعيداً كبيراً للحرب، إذا ما امتدّ إلى صراع أوسع في الشرق الأوسط، يمكن أن يؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط بنسبة تصل إلى 75 في المئة.
وظلّت أسعار الطاقة تحت السيطرة إلى حدّ كبير منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، لكن الاقتصاديين وصناع السياسات يراقبون عن كثب مسار الحرب ويدرسون الصراعات السابقة في المنطقة في محاولتهم تحديد الحجم المحتمل للتداعيات الاقتصادية إذا اشتدّ الصراع الحالي واتّسع في جميع أنحاء الشرق الأوسط. والتطور الوحيد الذي طرأ على هذه الأسعار ولو كان طفيفاً، لم يأتِ من حرب غزة وإنما من إبقاء الاحتياطي الفيدرالي الأميركي على أسعار الفائدة من دون تغيير في الثاني من تشرين الثاني/نوفمبر الحالي، ما أدى الى ارتفاع النفط 1 في المئة. وارتفعت العقود الآجلة لخام برنت 1.28 دولار أو 1.51 في المئة إلى 85.91 دولار للبرميل، في حين ارتفعت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأميركي 1.33 دولار أو 1.65 في المئة إلى 81.77 دولار للبرميل.
بالعودة الى البنك الدولي، فقد أشارت الدراسة الجديدة التي أصدرها إلى أن الأزمة الناجمة عن حرب غزة يمكن أن تتداخل مع اضطرابات سوق الطاقة الناجمة بالفعل عن حرب روسيا في أوكرانيا، ما يؤدي إلى تفاقم العواقب الاقتصادية. وقال إندرميت جيل، كبير الاقتصاديين في البنك الدولي ونائب الرئيس الأول لاقتصادات التنمية: "يأتي الصراع الأخير في الشرق الأوسط في أعقاب أكبر صدمة لأسواق السلع الأساسية منذ سبعينات القرن العشرين - حرب روسيا مع أوكرانيا، وإذا تصاعد الصراع، فسيواجه الاقتصاد العالمي صدمة طاقة مزدوجة لأول مرة منذ عقود - ليس فقط من الحرب في أوكرانيا ولكن أيضاً من الشرق الأوسط".
ويتوقع البنك الدولي أن يبلغ متوسط أسعار النفط العالمية، التي تحوم حالياً حول 85 دولاراً للبرميل، 90 دولاراً للبرميل هذا الربع. وكانت المنظمة تتوقع انخفاضها في العام المقبل، لكن تعطل إمدادات النفط يمكن أن يغير هذه التوقعات بشكل جذري.
ويرتبط السيناريو الأسوأ للبنك بالحظر النفطي العربي الذي فرض العام 1973 خلال الحرب العربية الإسرائيلية، ويمكن أن يؤدي تعطيل بهذه الشدة إلى إزالة ما يصل إلى ثمانية ملايين برميل من النفط يومياً من السوق وإرسال أسعار تصل إلى 157 دولاراً للبرميل.
وستكون النتيجة الأقل حدة، ولكنها لا تزال مدمرة، إذا تحولت الحرب إلى حرب العام 2003 في العراق، مع انخفاض إمدادات النفط بمقدار خمسة ملايين برميل يومياً وارتفاع الأسعار بنسبة تصل إلى 35 في المئة، إلى 121 دولاراً للبرميل.
وستكون النتيجة الأكثر تواضعاً إذا كان الصراع موازياً للحرب الأهلية في ليبيا العام 2011، مع فقدان مليوني برميل يومياً من النفط من الأسواق العالمية وارتفاع الأسعار بنسبة تصل إلى 13 في المئة، إلى 102 دولار للبرميل.
وحذّر مسؤولو البنك الدولي من أن الآثار على التضخم والاقتصاد العالمي ستعتمد على مدة الصراع ومدة بقاء أسعار النفط مرتفعة. وقالوا إنه إذا استمر ارتفاع أسعار النفط، فإن ذلك سيؤدي إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية والمعادن الصناعية والذهب.
في المقابل، تحاول الولايات المتحدة وأوروبا منع أسعار النفط العالمية من الارتفاع في أعقاب غزو روسيا لأوكرانيا، وفرضت الدول الغربية سقفاً لأسعار صادرات الطاقة الروسية، وهي خطوة تهدف إلى الحد من إيرادات موسكو النفطية مع ضمان استمرار تدفق إمدادات النفط.
كما استغلت إدارة بايدن احتياطاتها البترولية الاستراتيجية لتخفيف ضغوط أسعار النفط. وقال مسؤول كبير في الإدارة لصحيفة "نيويورك تايمز" الأسبوع الماضي إن الرئيس بايدن قد يأذن بجولة جديدة من الإطلاقات من الاحتياطي البترولي الاستراتيجي للبلاد.
وقلّل مسؤولو إدارة بايدن علناً من مخاوفهم في شأن التأثير الاقتصادي للصراع، قائلين إنه من السابق لأوانه التنبّؤ بالتداعيات، وأشارت وزيرة الخزانة جانيت يلين إلى أن أسعار النفط كانت ثابتة بشكل عام حتى الآن وأنها لم تر بعد علامات على أن الحرب لها عواقب اقتصادية عالمية.
وتحت عنوان "خطر اندلاع حرب أوسع نطاقاً في الشرق الأوسط يهدد الاقتصاد العالمي الهش"، كتبت باتريشيا كوهين في النيويورك تايمز" أيضاً أن "الدول الغنية والفقيرة قد بدأت للتو في التقاط أنفاسها بعد سلسلة من الصدمات الاقتصادية استمرت ثلاث سنوات شملت جائحة Covid-19 وغزو روسيا لأوكرانيا، لكن بعض المؤسسات المالية الدولية الرائدة ومستثمرو القطاع الخاص بدأوا الان يحذرون من أن التعافي الهش قد يتحول إلى حالة سيئة".
ولفتت الصحيفة النظر الى الزيادات في أسعار مشتقات الطاقة "لا تؤدي إلى تقليص القوة الشرائية للأسر والشركات فحسب، بل تؤدي أيضاً إلى ارتفاع تكلفة إنتاج الغذاء، مما يزيد من ارتفاع مستويات انعدام الأمن الغذائي، ولا سيما في البلدان النامية مثل مصر وباكستان وسريلانكا".
وعلى النقيض من هذه الصورة القاتمة، أربكت الولايات المتحدة المتنبئين بنموها القوي من تموز/يوليو إلى ايلول/سبتمبر في العام الحالي، فقد نما الاقتصاد الأميركي خلال هذه الفترة بمعدل سنوي أقل من 5 في المئة ، مدعوماً بتباطؤ التضخم والمدخرات المخزنة والتوظيف القوي.
وتسير الهند، بدعم من المستهلكين المتحمسين، على الطريق الصحيح لتحقيق أداء جيد، مع نمو يقدر بنحو 6.3 في المئة في السنة المالية الحالية.
وتتسع الصورة أكثر في تحقيق "الفايننشال تايمز"، فقد أشارت الصحيفة إلى أن مستقبل الوقود الأحفوري يترك الدول على خلاف قبل قمة "COP28" التي تنطلق في الإمارات العربية المتحدة في 30 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، وتحدث سلطان الجابر، الرئيس المعين لمؤتمر "COP28" ورئيس شركة النفط الإماراتية المملوكة للدولة، مراراً وتكراراً عن الحاجة إلى خفض الانبعاثات بدلاً من الإنتاج. وقال إن الوقود الأحفوري سيحتاج إلى التخلص التدريجي بحلول منتصف القرن تقريباً.
واعلن الجابر أنه سيجتمع مع رؤساء 10 بنوك تنمية متعددة الأطراف، بما في ذلك رئيس البنك الدولي وكذلك مع العضو المنتدب لصندوق النقد الدولي، لمناقشة كيفية الحصول على التمويل الخاص لتطوير الطاقة النظيفة.
ماذا بعد هذه التطورات الآنية في أسواق الطاقة؟
يجيب أليكس كيماني على موقع Oilprice.com :"مع بقاء شهرين فقط في العام، يتحول المتنبئون والمستثمرون في وول ستريت على حد سواء بشكل متزايد إلى كراتهم البلورية لمحاولة التنبؤ بما يخبئه العام 2024 لأسواق النفط. بالنظر إلى توقعات أسعار النفط لعام 2024 من قبل وكالات الطاقة الرائدة، تجد أن التوقعات قد ضاقت بشكل كبير في الأشهر الأخيرة وسط العجز المستمر في العرض. ولاحظ محللو السلع في "ستاندرد تشارترد" أن توقعاتهم لخام برنت لعام 2024 البالغة 98 دولاراً للبرميل، مدعومة بشكل جيد بأساسيات العرض والطلب، وتوقعوا نمو الطلب العالمي بمقدار 1.5 مليون برميل يومياً في العام 2024، مع إضافة المعروض من خارج "أوبك" 0.88 مليون برميل في اليوم بقيادة الولايات المتحدة وكندا وغيانا والبرازيل. كما توقعوا عجزاً في العرض في الربع الأول والربع الثاني من العام والذي سيفسح المجال في نهاية المطاف لفائض معتدل في النصف الثاني. وفي الوقت نفسه، توقع محللو "ستاندرد تشارترد" أن هدف "أوبك" المتمثل في استقرار الأسعار في نطاق مقبول من المرجح أن يستمر، وقد يؤدي إلى المزيد من التشديد في الأساسيات في العام 2025.
كيف بدت صورة أسواق الطاقة وحرب غزة تقترب من نهاية الشهر الأول على اندلاعها؟
بحسب "رويترز" في 3 تشرين الثاني، لم يطرأ تغير يذكر على أسعار النفط في هذا اليوم لكنها تتجه نحو خسائر للأسبوع الثاني مع تراجع المخاوف بشأن الإمدادات الناجمة عن الصراع في الشرق الأوسط، وهي منطقة منتجة رئيسية، في حين لا تزال توقعات الطلب في الصين، أكبر مستورد للنفط الخام في العالم، ضبابية. وانكمش نشاط التصنيع في الصين بشكل غير متوقع في تشرين الأول/أكتوبر.
وعلى جانب العرض، من المتوقع أن تعيد المملكة العربية السعودية، أكبر مصدر للنفط في العالم، تمديد خفض إنتاجها النفطي الطوعي بمقدار 1 مليون برميل يومياً حتى كانون الأول/ديسمبر المقبل، بناء على توقعات المحللين.
تلك هي الصورة الآن، لكن ماذا عن الغد وابعد منه؟ لنترك الجواب الى حينه.
الأكثر قراءة
-
"جلف كابيتال" قوة استثمارية مؤثرة في الخليج وآسيا
-
ماذا تتضمن نشرة الإحصاءات الزراعية في السعودية لعام 2023؟
-
قطر: شراكة بين وزارة الاتصالات و"ستارتب جرايندر" لتعزيز الابتكار وريادة الأعمال
-
صندوق النقد الدولي يحذر من النمو المتسارع للديون العالمية: لإجراءات عاجلة تكبح نموها
-
"بيورهيلث القابضة" الإماراتية تسجل صافي أرباح بقيمة 1.4 مليار درهم في 9 أشهر